محمد عبد المنصف يكتب : تنمية سيناء مسالة حياة أو موت
بمناسبة قرب الاحتفال بالعيد القومي لشمال سيناء يوم 25 ابريل، اثار العديد من الكتاب فكرة تعيين حاكم مستقل لسيناء، يعمل بعيدا عن القوانين التقليدية للدولة وبيروقراطية حكومتها، علي غرار النمور الآسيوية بغرض الاسراع في عملية توطين السكان بها، من خلال اقامة العديد من المشروعات الاستثمارية علي ارضها، بعيدا عن سلبيات الوادي والدلتا.?
ولمناقشة تلك الفكرة دعنا اولا نستعرض الموارد المتاحة لشبة جزيرة سيناء التي تبلغ مساحتها 60 الف كيلو متر مربع اي 6 أضعاف مساحة دولة مثل لبنان، وتم توصيل المياه اليها من خلال ترعة السلام عام 1997، لري 400 الف فدان في شمال سيناء.. بخلاف ترعة الشيخ زايد وسط سيناء التي تكفي لري 60 الف فدان، اضافة الي 20 الف فدان يمكن ريها اعتمادا علي المياه الجوفية وسط سيناء في مركزي نخل والحسنة.?
الغريب ان المشروعات الزراعية لم تخرج للنور حتي يومنا هذا، رغم مرور اكثر من عشرين عاما علي وصول المياه اليها ، بسبب التعقيدات الادارية في تملك الاراضي ، وتفاقم المشكلات الأمنية بها، فالحديث عن سيناء لا ينفصل ، عن الدول الأربع التي تشترك حدودها معها بصورة مباشرة وهي فلسطين .. اسرائيل.. الأردن .. المملكة العربية السعودية.
أضف الي ذلك التركيبة العرقية للسكان الأصليين الذين وفد أغلبهم من الدول الأربعة بالاضافة إلي تركيا واليونان، ولازالت صلات المودة مرتبطة بينهم الي يومنا هذا، بل إن هناك قبائل يمتد عواقلها من السويس حتي دولة الكويت علي شاطئ الخليج العربي ، ومن غير المنطقي جذب مواطنين للاستثمار في المنطقة دون استئذان أهل المنطقة الأصليين وتحقيق مصالح مباشرة لهم.
أما التحدي الحقيقي الذي يواجه أي مسؤول فهو أن سيناء.. ظلت لسنوات طويلة مجرد منفي لكل موظف مغضوب عليه، من جميع المحافظات وفي جميع التخصصات حتي اجتمع علي أرضها أسوأ موظفي الدولة من مدرسين ومهندسين وإداريين واطباء وحتي ضباط الشرطة، الأمر الذي جعل أي مسؤول عاجز عن النهوض بالاقليم في ظل ضعف مستوي الكفاءات الإدارية العاملة معه.
الشق الثاني عدم السماح بتمليك الأراضي شرق القناة والاكتفاء بمنحها بنظام حق الانتفاع، وهو قرار مرتبط بالدواعي الأمنية كونها منطقة حدودية، وربما لعبت جهات أجنبية دورا مشبوها في منع قيام مشروعات التنمية علي أرضها، غير أنه لا يعطي للمستثمر الحق في الحصول علي قرض من البنوك، ولا ان يرث ابناؤه تلك الأرض من بعده .
والواقع أن شمال سيناء تمتلك احتياطي من الرخام قدره 9 مليون متر مكعب ومن رمل الزجاح قدره 30 مليون متر مكعب، بخلاف 27 مليون متر رمل مباني وهي خامات يمكن قيام صناعات قوية عليها، يضاف إليها إمكانية إنتاج 700 الف طن ملح من بحيرة البردويل، يمكن تصديره لأوربا لإذابة الجليد أو دخوله من صناعة الزجاج المقاوم للكسر .
نتحدث دائما عن توطين 3.5مليون مصري علي أرض سيناء، وننسي نصف مليون نسمة هم سكانها الأصليون، ولابد من البدء بتوطين البدو منهم، وتطوير اسلوب حياتهم من الاعتماد علي الترحال الي الا ستقرار المعيشي، وذلك بانشاء قري رائدة يتم فيها توفير المسكن بمواصفات بدوية وإقامة مشاغل للفتيات وورش متنوعة للحدادة والرخام والنجارة، ضمن مشروع عملاق بحيث تستوعب كل قرية 50 اسرة وبحد اقصي 500 فرد .. لتحويلها لمنطقة استثمارية ذات سمعة عالمية .
ولابد من تطوير التعليم الزراعي والصناعي لإعداد الكوادر البشرية وتحويل أسلوب المعيشة للشباب من الاعتماد علي الاموال الساخنة، القائمة علي تجارة بيع الأراضي أو المخدرات أو السلاح أو حتي تجارة الأعضاء إلي الاموال العادلة التي تلبي لهم متطلبات الحياة بأموال لا شبهة فيها .. فمن المؤكد ان المشكلة معقدة ولكن لا دخل في أسلوب تعيين الحاكم أو صلاحياته.. في حلها وإنما الأهم هو خلق بيئة استثمارية، تأخذ في الحسبان التحديات الأمنية حتي تصبح بيئة جاذبة للاستثمار وللعنصر البشري لا طارده له.