د. محمد فراج أبوالنور يكتب : حاكموا هذا الوزير
أصبح وزير التعليم الدكتور طارق شوقى (ظاهرة) قائمة بذاتها في الحياة السياسية والاجتماعية من حيث جرأته في إطلاق أسماء ضخمة علي خطط وبرامج لا تلبث أن تتمخض عن أمور شديدة التواضع عند التنفيذ، ومن حيث انعدام مستوى الدقة والشفافية في بياناته بحيث أصبحت هذه البيانات محلاً للشك والتشكيك، بل والتكذيب على نطاق واسع، بل ومن جهات رسمية بما فيها لجان في مجلس النواب.. كما أصبحت (مواعيد) تنفيذ خطته والإجراءات التى يعد بتنفيذها تتعرض للتأجيل المستمر، حتى أصبحت (مواعيد طارق شوقى) أشبه بـ(مواعيد عرقوب) حسب التعبير الشهير عن الشخص الذى لا يفي بمواعيده أبدًا!!
آخر وقائع الدكتور طارق شوقى ووزارته مع البيانات والأرقام كانت مع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، خلال مناقشتها لمعدلات التنفيذ الفعلية لموازنة السنة المالية الماضية (2017/ 2018) فيما يتصل بوزارة التربية والتعليم، حيث قال ممثل الوزارة في تقريره أمام اللجنة «إن هيئة الأبنية التعليمية (الجهاز المسئول عن بناء وترميم وتطوير المدارس والأبنية التعليمية) قد حققت نسبة تنفيذ للخطة قدرها 100٪».. لكن النائبة سيلفيا نبيل «رئيس اللجنة الفرعية لموازنات البرامج والأداء» اعترضت على ممثل الهيئة قائلة: «إن ما تم تنفيذه فعلياً لا يتجاوز 50٪ من المستهدف» ـ أى النصف فقط!! وطلبت «تعديل البيان الختامى للوزارة وتوضيح سبب اختلاف الربط الأصلى للموازنة عن الموجود في الحساب الختامى».. وهو ما اعتبرته «مخالفة دستورية» إن لم يكن خطأ مادياً.. كما طالبت وزارة المالية بالتحقق من هذه الأرقام!! (المصري اليوم ـ الخميس 31/1/2019 ـ صـ4).
وبتعبير آخر ـ لكنه مطابق تماما فى المعنى ـ فإن رئيسة اللجنة اتهمت ممثل الهيئة (الوزارة) بأن وزارته إما أنها قامت بتخفيض موازنة الأبنية التعليمية إلى النصف (بحيث أن نسبة التنفيذ قد أصبحت 100٪.. مع أن قيمة ما تم تنفيذه فعلا هى 50٪ من الموازنة الأصلية»!! وأن ذلك قد حدث دون الرجوع إلى البرلمان!! وهى مخالفة دستورية لاشك فيها.. بل ومخالفة شديدة الفجاجة توجب إقالة الوزير بلا إبطاء.. أو أنها تورد أرقاماً غير صحيحة، مما يستوجب أن تقوم وزارة المالية بـ«التحقق من الأرقام».. وفي الحالتين فإن شبهة (التلاعب) قائمة، بما يستوجب التحقيق وتعديل البيان الختامى للوزارة!! والاحتمالان كلاهما كارثى.. كما أن التقرير بمجمله ينطوى على كارثة لا تقل فداحة هى (الكذب على البرلمان) ومحاولة تمرير أرقام غير صحيحة ليس بشأن الموازنة فحسب.. ولكن أيضًا بشأن نسبة ومستوى أداء هيئة الأبنية التعليمية، وهى واحدة من أهم الهيئات التابعة للوزارة، إن لم تكن أهمها علي الإطلاق في المرحلة الحالية.. لأنها المسئولة عن بناء وتطوير وترميم المدارس وغيرها من الأبنية التعليمية.
ومعروف أن الدكتور شوقى حينما طرح خطته «القومية لتطوير التعليم».. كان قد حلّق في سماوات «التابلت» والامتحانات الإلكترونية ونسى أشياء «بسيطة» من قبيل أن كثافة الفصول الهائلة تجبر تلاميذ كثيرين على الجلوس على الأرض (على الحصيرة).. بعد رص زملائهم كالسردين على المقاعد الموجودة.. وأنه لا يمكن بالطبع ممارسة تطوير التعليم الإلكترونى (على الحصيرة)!!
ومثل عدم وجود توصيلات كهربائية أصلاً في عديد من الفصول، لشحن التابلت وتشغيل أجهزة الكمبيوتر وعدم وجود بنية تحتية إلكترونية أصلاً.. بل وعدم وجود شبكة الإنترنت في عديد من مناطق الجمهورية، فضلا عن البطء الشديد للشبكة حيث توجد!! ولن نتحدث بالطبع عن عدم وجود أجهزة التابلت نفسها!!
نسى الوزير شوقى كل هذه الأشياء (البسيطة!) فى غمرة انشغاله بالتحليق في سماوات خطته (القومية التابلتية) وسب معارضيه واتهامهم بالجهل.. واتهام المعلمين بالجملة باللصوصية وبانعدام الكفاءة!! وتهديد مخالفيه فى الرأى بالسجن!! حتى اصطدم بصخور الواقع القاسية واضطر للاعتراف بأننا بحاجة إلى 260 ألف فصل تكلفتها أكثر من مائة مليار جنيه.. ثم جاء تصريح رئيس الجمهورية بهذا الصدد (250 ألف فصل و130 مليار جنيه) ليصبح توجهًا ملزمًا له بتركيز جهوده على التوسع في بناء وتطوير المدارس، والمطالبة بموازنة إضافية لسنوات طويلة لنصل إلى كثافة مقبولة نسبيا (40 تلميذاً في المتوسط فى الفصل الواحد).
وفى ظل هذا الوضع فإن أى مساس بموازنة هيئة الأبنية التعليمية لا يكون (مخالفة دستورية) فحسب.. بل تخريبًا فعليًا للتعليم.. يصل إلى حد الإجرام في حق المجتمع والدولة.. ويوجب المحاسبة السياسية والجنائية.
> > >
الواقعة الثانية التى مر بها الناس مرور الكرام باللغو.. هى التصريح الأخير للدكتور شوقى بأن «التابلت سيكون في أيدى أبنائنا» خلال التيرم الثانى.. ولم يتوقف أحد عند تصريح الوزير، لأن هذا هو الموعد المائة ـ أو أكثر أو أقل ـ الذى حدده لتسليم أجهزة «التابلت» لتلاميذ الصف الأول الثانوى.. فبالرغم من فخامة التصريح «التابلت فى أيدي أبنائنا».. إلخ، لم يعد أحد يصدق مواعيد الوزير من كثرة ما أخلفها كـ(مواعيد عرقوب) التي سبقت الإشارة إليها.. واللافت للنظر بشدة أن الوزير كان قد نزل بعدد الأجهزة التى وعد بتوزيعها إلى 100 ألف جهاز.. بينما يبلغ عدد طلاب الصف الأول الثانوى أكثر من 700 ألف تلميذ!! وليس مفهومًا كيف يمكن تطبيق خطة (التابلت) بينما هو موجود في أيدى نحو 15٪ فقط من التلاميذ؟! بفرض أن الوزير سيصدق في وعده هذه المرة.. وهل سيمتحن هؤلاء (المحظوظون بالتابلت) وفقًا للنظام الجديد.. ويمتحن الباقون (85٪) وفقاً للنظام القديم؟!! لا يهتم الوزير بالإجابة عن هذا السؤال (التافه)!! بل يصدمنا بتصريح آخر مؤخرًا يقول فيه إن نتائج التيرم الأول للصف الأول الثانوى سيتم احتسابها ضمن (المجموع التراكمى) للثانوية العامة المقرر الأخذ به وفقا للنظام الجديد (للخطة القومية للتطوير)!! كيف يكون هذا والطلاب قد درسوا وفقًا للنظام القديم؟! لا إجابة.. طيب: كيف يكون هذا وهناك استحالة فعلية لتطبيق النظام الجديد.. لأن التابلت سيكون فى أيدى (15٪) فقط من التلاميذ أثناء التيرم الثانى.. وبفرض صدق موعد الوزير هذه المرة؟!! لا إجابة.. طيب: ما العمل إذا جاء العام الدراسى القادم، وأصبح أبناونا في الصف الثانى الثانوي دون تابلت؟؟ (سيكون المطلوب هو 1.4 مليون جهاز) وهو الأمر المرجح أن يحدث إذا وضعنا تجربة العامين الماضيين فى اعتبارنا.. مرة أخرى لا إجابة.. فالوزير المحلّق في سماوات التابلت الوردية والخطط القومية (الاستراتيجية) ليس مستعدا للهبوط إلي عالمنا الأرضى الملىء بالتفاصيل والأسئلة «السخيفة» و«التافهة».
حسنًا.. وأين خطط وموازنات بناء الفصول الجديدة (تعادل 10 آلاف مدرسة متوسطة الحجم) الضرورية للهبوط بكثافة الفصول فى مدارسنا إلى (40 تلميذًا في الفصل/ علمًا بأن المعدل العالمي النموذجى هو 20 تلميذًا فقط)؟؟ وتطوير البنية التحتية الرقمية والاتصالية؟؟ ولا كلمة عن هذا في تصريحات الوزير!! وواضح أنه لا يملك أى تصور عن هذا، بدليل أن خطته العبقرية لم تكن تتضمن حرفًا واحدًا عن مسألة البنية التحتية للنظام التعليمى القائم.. بل جاءت بعيدة عن هذه البنية بعد المشرق عن المغرب..
وقد حصلت وزارة التعليم على قرض من البنك الدولى قدره (500 مليون دولار/ حوالي 9 مليارات جنيه).. تم إنفاقها بعيدًا عن ضرورات تطوير هذه البنية التحتية، مع أن هذا التطوير هو الشرط الحاسم لأى تقدم جدى للتعليم. والآن يجرى الحديث عن قرض جديد من البنك الدولي بنفس القيمة (500 مليون دولار).. ولم تدر أي مناقشة مفتوحة عن كيفية إنفاق القرض الجديد.. وهل سيتم إهداره كما تم إهدار سابقه.. أم يمكن إنقاذه، وتوجيهه لأغراض بناءة؟
والأهم من ذلك: هل يؤتمن وزير مثل الدكتور طارق شوقى على مستقبل أبنائنا؟ وعلى مستقبل التعليم.. المشروع القومى الأول لأى بلد يسعى بجدية لانتزاع مكان تحت الشمس؟
إن أى مراجعة فاحصة أو حتى سريعة لأداء الدكتور طارق شوقى (وخططه) تنتهى بنا إلى إجابة واحدة لا شك فيها.. مع كامل الاحترام لشخص الوزير.. لا.. إنه لا يصلح..
ونعتقد أن المطلوب الآن هو:
1- إقالة الدكتور طارق شوقى ومحاسبته سياسياً وجنائياً.
2- وقف العمل بخطة الدكتور شوقى لما يسميه (تطوير التعليم).
3- الإعداد لمؤتمر قومى جامع للخبراء المعنيين بتطوير التعليم (من كافة التخصصات) لوضع خطة قومية جدية لتطوير التعليم.. فى إطار مناقشة مجتمعية واسعة تضع مجرياتها أمام المؤتمر.. على أن تكون الخطة جاهزة فى وقت مناسب للبدء في تطبيقها مع حلول العام الدراسى القادم (بشرط اكتمالها وتبلورها.. فمقصلة الوقت لا ينبغى أن تكون العنصر الحاسم في التعامل مع مثل هذه الخطة).
4- توجيه أقصى ما يمكن من الموارد لتطوير البنية التحتية للنظام التعليمى، بحيث تلتحم (الخطة القومية) الجديدة منذ بداية تطبيقها، بثمار هذا التطوير.. علمًا بأن الرئيس السيسى قد ذكر أن هذا التطوير ينبغى أن يتم خلال ثلاث أو أربع سنوات.