حكاية بنك الائتمان الزراعى.. وخطة إنقاذه من السقوط
هل ينجح سالم فيما فشل فيه الآخرون؟!
رئيس بنك التنمية والائتمان الزراعى فى حوار خاص لـ«الأموال»
عطية سالم: البنك أكل رأسماله وخسائره 4 مليارات وبدأنا خطة عاجلة لإنقاذه
الحديث عن خصخصة أو بيع البنك.. إشاعات مغرضة ولدينا ثروة بشرية مهدرة
نتفاوض حاليا مع «رابو الهولندى» لاستئناف مشروع هيكلة البنك
طلبت من وزير الزراعة.. العودة إلى منظومة توزيع الأسمدة
أوقفنا إجراءات التقاضى ضد المتعثرين لنهاية العام والديون المتعثرة 4 مليارات جنيه
اتصالات مع وزارة المالية للحصول على مستحقاتنا البالغة 1.6 مليار جنيه
نعم الأوضاع المالية للعاملين بالبنك متدنية وحزمة إجراءات لتحسينها
ليس هناك مبادرات جديدة لتسوية ولم نتعرض لأى ضغوط سياسية
ربما كان قدر هذا البنك أن يسدد فاتورة الساسة والحكومات السابقة والأنظمة التى كانت تداعب وتلعب بورقة فلاحي ومزارعى مصر الذين يزيدون على 65٪ من سكان المحروسة.. فارتباط هذا البنك وتبعيته لوزارة الزراعة باعتباره بنكا زراعيا تخصص في تقديم القروض والخدمات المصرفية للمزارعين.. جعله أى البنك مسرحا لمجاملات ساسة ونواب برلمانيين ومسئولين فى الحكومات السابقة والمتعاقبة فكانت مبادرات تسوية مديونيات المتعثرين أوراقا للضغط وامتصاص غضب المواطنين.. وربما جاءت مبادرات الرئيسين السابقين مبارك ومرسى لتصب في ذات الاتجاه والآن لقد أكل البنك أى بنك التنمية والائتمان الزراعى رأسماله بالكامل «1.5 مليار جنيه» وتراكمت خسائره حتى وصلت 4 مليارات جنيه وقفزت مديونيات المتعثرين إلى نفس الرقم السابق وربما كانت الثلاث سنوات الماضية منذ ثورة 25 يناير هى السنوات العجاف لهذا البنك العتيق والذى تدنت أوضاعه المالية والمصرفية وأصبح على حافة السقوط مع فشل ثلاثة رؤساء مجالس إدارة له فى إنقاذه وتصحيح أوضاعه وإقالته من عثرته..
والسؤال الذى يفرض نفسه وبقوة فى الأوساط الاقتصادية عامة والمصرفية خاصة.. هل يفلح رئيس مجلس الإدارة الجديد عطية سالم القادم من البنك الأهلى المصرى فيما فشل فيه سابقوه منذ ثورة 25 يناير ويمنع انهيار البنك ويحول دون سقوط فى مستنقع الإفلاس؟
فلم يكد يمض على توليه رئاسة البنك أى «سالم» شهرين تقريبا حتى بدأت سهام مغرضة تنطلق من نفر قليلين يعملون لصالح حسابات ضيقة راحت تنتقد وتهاجم دون أن تتحمل مسئوليتها فيما وصلت إليه الأوضاع بالبنك.
لن أنزلق فى الحديث عن كفاءة ومهنية عطية سالم كمصرفى تتلمذ بمدرسة بنك البنوك ومفخرة القيادات المصرفية فى مصر، حتى لا أتهم بالنفاق.. بل أترك الأيام المقبلة للحكم على «سالم» وأنتظر الإجابة على السؤال الذى طرحته آنفاً..
لكن فضولى الصحفى لم يمنعنى فى أن أستبق الأيام والأحداث وأخوض فى ملفات ومناطق وعرة وشائكة فى إدارة هذا البنك وأجرى حوارا خاصا مع عطية سالم رئيس مجلس إدارة بنك التنمية والائتمان الزراعي، فإلى تفاصيل الحوار...
> فى ظل حالة السيولة السياسية العالية فى الشارع المصرى وفى ظل اقتصاد مصرى مريض يصارع البقاء ويتعلق بأسباب الأمل فى التعافى من أزمته مع انتخاب رئيس جديد للبلاد يعيد إليها الأمن والاستقرار المفقودين.. ما هى أهم التحديات التى تواجهك فى إدارة هذا البنك العتيق؟
- لك أن تدرج حجم التحدى الأول وخطورته خصوصا إذا علمت أن البنك أكل رأسماله أى أصبحت أصوله الرأسمالية تساوى صفرا بعد أن وصلت خسائره إلى 4 مليارات جنيه والمطلوب وهو ما تعهدت به زيادة رأسمال البنك وسد الفجوة الناجمة عن خسائره بذات القيمة على الأقل ليصل إلى 4 مليارات جنيه وأحسب أن تحويل البنك من الخسارة إلى الربح هو الأخطر وهو ما نراهن عليه الفترة المقبلة خاصة أن هناك مقومات للنجاح متوافرة، لكن الأمر يحتاج إلى مشاركة فعالة ومسئولية من الجميع فى البنك والعمل بروح الفريق.
أما التحدى الثانى فيتمثل فى وجود 1200 فرع للبنك على مستوى الجمهورية تحتاج جميعها إلى ثورة حقيقية لإعادة الهيكلة لدمج هذه الفروع بالقطاع المصرفى والاستحواذ على حصة معقولة بالسوق المصرفية تتناسب وأصول هذا البنك.
والتحدى الثالث وهو لا يقل خطورة عن سابقيه أنه يوجد لدينا 21 ألف موظف يمثلون ثروة بشرية هائلة لو أحسنا تأهيلهم والاستفادة من قدراتهم فى صالح البنك لأمكننا المنافسة مع أكبر المصارف ليس فى مصر بل المنطقة، أما التحدى الرابع فيتمثل فى وجود شريحة كبيرة فى السوق تمثل العملاء الحقيقيين للبنك وهم شريحة المزارعين على مستوى الجمهورية فأحد رهاناتنا هو كيفية اجتذاب ودائع ومدخرات المزارعين وتقديم خدمات مصرفية مناسبة لهم وتعزيز ارتباطهم بالبنك وهذا لو تم لحققنا طفرة كبيرة فى الودائع وهنا يتعين تفعيل منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبرى وفى مجال البنية الزراعية ويوفر البنك لها التمويل اللازم وبرعاية هذه المشروعات يمكن النهوض بالبنك وتصحيح أوضاعه.
> لكن ألا ترى أن ما أسلفته ليس كافيا فى ظل المنافسة الشرسة بالشارع المصرفى خصوصا أن البنك مطالب باتباع القواعد واللوائح المصرفية للبنك المركزى مثله مثل البنوك التجارية الأخرى؟
- نعم كلامك صحيح ولهذا يجب أن يتقاطع مع التحديات التى عرضناها وكيفية مجابهة اعتماد وتفعيل منظومة تكنولوجية مصرفية عالية الكفاءة لمسايرة تطورات الخدمة المصرفية مع استخدام أساليب إدارة المخاطر بشكل فاعل وحقيقى على كافة الأنشطة المصرفية التى يقدمها البنك.
وقد كلفت فى هذا الإطار 38 موظفا من الحاصلين على درجات الدكتوراه والماجستير بدراسة شاملة لمشاكل البنك وتقديم المقترحات والآليات لحلها وسيتم الانتهاء منها خلال أيام لنناقش فى مجلس إدارة البنك فى أول اجتماع له.
> سمعت أنكم دشنتم استراتيجية جديدة للتعامل مع أوضاع البنك والتحرك الفعال لانتشاله من عثرته ومجابهة التحديات التى تواجهه.. فماذا عن ملامح هذه الاستراتيجية؟
- بالفعل بدأت فى وضع استراتيجية جديدة لإدارة وتعظيم أصول البنك ومجابهة التحديات السابقة ترتكز فى الأساس على إحداث طفرة في تكنولوجيا المعلومات باعتماد أنظمة تشغيل عالمية وخطوط اتصال وربط على أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا العمل المصرفى وكذا إعادة تأهيل الموارد البشرية والإنفاق على تأهيل وتدريب العمالة بالبنك وخلق كوادر شبابية جديدة من مشروع قيادات المستقبل لقيادة البنك فى المرحلة المقبلة.
> هل ترتبط هذه الاستراتيجية بالاستعانة بخبرات بنوك عالمية خصوصا أن هناك مشروعا كان قد بدأ قبل سنوات لإعادة مع بنك «رابو» الهولندى؟
- هذا المشروع لم يستكمل، حيث غادر مصر ممثلو بنك «رابو» بعد قيام الثورة دون تفعيل التوصيات التى انتهى إليها المشروع وتوقف العمل به وحاليا بدأنا فتح هذا الملف من جديد ويتم حاليا دراسة التوصيات التى انتهى إليها وإمكانية تطبيقها والاستفادة منها وتجرى هذه الأيام اتصالات ومفاوضات جديدة مع البنك الهولندى لتجديد بروتوكول التعاون لاستئناف العمل بالمشروع مرة أخرى وننتظر رد الجانب الهولندى فى هذا الشأن.
> إحدى مشاكل البنك منذ رئيسه على شاكر هى تراكم مستحقاتكم لدى وزارة المالية والتى كانت قد وصلت إلى أكثر من 2 مليار جنيه فما حقيقة ذلك وهل حصلتم على هذه المستحقات؟
- أعتقد أن الأسلوب الأمثل لإدارة هذا الملف هو الحوار وسنشرع خلال أيام فى التفاوض مع وزارة المالية بدعم من وزير الزراعة ومحافظ البنك المركزى للحصول على مستحقاتنا طرف «المالية» والتى جاءت نتيجة تحمل البنك لتمويل مبادرات تسوية الديون المتعثرة للعملاء فى إطار مبادرات الرئيسين السابقين مبارك ومرسى علماً بأن قيمتها الفعلية 1.6 مليار جنيه.
> لكن كثيرا من المتعثرين من عملاء البنك يتطلع إلى مبادرة جديدة لتسوية ديونهم.. فهل هناك مبادرات مقبلة؟
- لا توجد أى مبادرات مطروحة حاليا لتسوية ديون المتعثرين من المزارعين للبنك وما تم إقراره بالفعل هو الاتفاق على وقف الإجراءات القانونية والقضائية ضد المتعثرين حتى نهاية العام الجارى 2014 ومنحهم مهلة لتسوية ديونهم وسداد مستحقات البنك.
> لكن الشارع يتحدث عن ضغوط سياسية على إدارة البنك بشأن ملف التعثر ودعم المزارعين؟
- لم ترد إلينا أى إشارات أو تلميحات من أى مسئول فى الحكومة أو الدولة لاتخاذ مبادرة جديدة للتسوية ولم نتعرض إطلاقا لأى ضغوط فى هذا الشأن سواء من وزير الزراعة أو أى مسئول بالدولة.
> ألا تري أن تبعية بنك التنمية والائتمان الزراعى لوزير الزراعة تمثل فى حد ذاته قيدا أو ضغطا سياسيا على إدارة البنك خصوصا أن هذا البنك كان مسرحاً لمجاملة الساسة والحكومة ونواب الشعب فى عهد مبارك؟
- أعتقد بل أؤكد أن السياسة لا تمثل إطارا أو ركيزة للعمل فى هذا البنك خصوصا بعد ثورتى يناير و30 يونيه وليس معنى تبعية البنك للحكومة إغفال القواعد المصرفية ومصالح المودعين والبنك بل ما نقوم به هو تنفيذ استراتيجية واضحة المعالم ترتكز على أسس اقتصادية ومصرفية لإدارة أصول البنك وتعظيم الأداء لإقالته من عثرته وحتي الآن أؤكد لك بشكل شخصى أننى كرئيس لمجلس إدارة البنك لم أتعرض لأى ضغوط ولا توجد أى إملاءات أو شروط من أي مسئول بل على العكس هناك دعم متزايد لنا من قبل وزير الزراعة ومحافظ البنك المركزى ورئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب لتفعيل دور البنك فى التنمية الاقتصادية الشاملة.
> هل لك أن تضعنا على الأرقام الفعلية للتعثر والمتعثرين؟
- وصل عدد العملاء المتعثرين من أصحاب القروض الزراعية والاستثمارية حتى الآن 311649 عميلا متعثرا بلغت مديونياتهم للبنك نحو 4 مليارات جنيه منها 974.864 مليون جنيه مديونيات متعثرة عن قروض زراعية ونحو 3.013 مليار جنيه مديونيات متعثرة من قروض استثمارية ولك أن تعلم أن حجم خسائر البنك تعادل حجم الديون المتعثرة فيه وهذا تحد كبير كما أسلفت لك سابقا يتطلب العمل بجد لتنظيف محفظة قروض البنك لأننا فى النهاية نعمل بأموال المودعين ونحن مطالبون باتباع لوائح وقوانين العمل المصرفى والرقابة على البنوك والبنك المركزى.
> يتردد أن بنككم طلب مؤخرا المشاركة من جديد فى منظومة توزيع الأسمدة خصوصا أن عودة البنك إلى هذه المنظومة من شأنه أن يحد من السوق السوداء للسماد ويضمن توزيع عادل للأسمدة على المزارعين؟
- هذا كلام صحيح وبالفعل طلبنا رسمياً من وزير الزراعة قيام بنك التنمية والائتمان الزراعى بالتعامل مع جديد فى منظومة توزيع الأسمدة والوزارة تدرس هذا الموضوع حاليا.
> ماذا عن تمويل شراء «القمح» واستلامه من الفلاحين فى شون البنك؟
-اعتمدنا وخصصنا من 4 إلى 5 مليارات جنيه لتمويل استلام الأقماح من المزارعين لهذا الموسم وسيتم استلام القمح وسداد قيمته مباشرة بعد الفرز لحظياً وإذا لم يتم الفرز يتم السداد بموجب الحد الأدنى للسعر ولدينا 356 شونة موزعة على أنحاء الجمهورية وننفذ حاليا تجربة الـ«سايلوباج silopage» لشون تخزين القمح الحديثة بسعة 2000 طن للشونة وينفذ المشروع حاليا كنموذج في بلقيس بمحافظة الدقهلية للتغلب على مشاكل الشون الترابية، والشون الجديدة ستكون عبارة عن حقيبة كبيرة مجهزة بوسائل حماية وحفظ للأقماح تضمن سلامتها.
> يدور فى أروقة البنك وفى الكواليس أنك ــ أى عطية سالم ــ المصرفى القادم من البنك الأهلى جاد لبيع البنك وأنكم تعهدتم بخصخصة البنك فما حقيقة ذلك؟
- هذا كلام لا أساس له من الصحة إطلاقا، ولا يخرج عن كونه إشاعات مغرضة يرددها بعض ا لأفراد لحسابات خاصة وضيقة والبنك مملوك للدولة ويؤدى دوره فى دعم التنمية الزراعية ومن ثم دعم الاقتصاد القومى ولا حديث مطلقا داخل دائرة الحكومة وضع القرار من خصخصة أو بيع البنك كما تردد الشائعات وما جئت إلا لإقالة البنك من عثرته ووضعه فى مصاف المصارف الكبرى من خلال حسن استغلال وإدارة الطاقات البشرية الهائلة فى هذا الصرح العملاق.
> لكن راح نفر قليلون في البنك يتهمونكم ببيع أصول البنك بأقل من ثمنها أى بربع ثمنها الحقيقى مما يهدر مليارات على البنك؟
- يا سيدى هذا «حق يراد به باطل» فما أعلنا عنه وللعاملين فى رسالة إلى الكل أن هناك نية لبيع واستغلال بعض الأصول العقارية والأراضى التى آلت إلى البنك وغير مستغلة وهذا وارد فى أى بنك لإدارة أصوله العقارية وتجرى من خلال لجان تقييم متخصصة ومشهود لها بالكفاءة والنزاهة وأن جرى البيع فهو لأصول غير مستغلة ومهملة من سنوات وذلك لتعظيم أداء البنك وتطوير أعماله وسدد الفجوة الناجمة عن خسائره وأؤكد لك أننى لن أتخذ أى قرار بمفردى بل إن القرار سيكون بمشاركة الجميع، فالكل مسئولون عن هذا البنك ونجاحه مرهون بتحمل الجميع هذه المسئولية.
> ألا تشاركنى الرأى من أن الأصوات القليلة التى تهاجمك تجد من تدنى الأوضاع المالية للعاملين بالبنك مقارنة بأقرانهم فى البنوك الأخرى ذريعة لإثارة المشاكل وصرف الأنظار من حقيقة التطوير وخطة إقالة البنك من عثرته؟
- بالفعل، فالموظفون في البنك يشكون ويعانون من تدنى دخولهم، وهذه مسألة حقيقية وما أسعى إليه وأعلنته هو اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتصحيح أوضاع وزيادة الأحوال المالية للموظفين وهى مسألة ترتبط فى ذات الوقت بإعادة التدريب والهيكلة ورفع كفاءة وأداء 21 ألف موظف وتحويلهم من عبء إلى مشارك حقيقى فى البناء وبدون هؤلاء وبدون مسئولياتهم وولائهم للبنك لن يتحقق ما تسعى إليه وأعلنت فى رسالة خاصة إلى موظفى البنك القرارات والإجراءات الجديدة لتحسين أحوالهم..
وفى النهاية لابد أن يدرك الجميع حجم التركة الثقيلة لهذا البنك وأحسب أن الحكومة تدعم وبقوة إدارة البنك لتصحيح أوضاعه ووضعه على طريق النمو ضمن البنوك الكبرى بما يفعل دوره فى التنمية الاقتصادية الشاملة.
إلى هنا أنهى حوارى مع عطية سالم رئيس مجلس إدارة البنك المصري للتنمية لكن الحديث حول هذا البنك وملفاته الشائكة وعلاقته بالدولة والحكومة سيظل مفتوحا ولنعطى فرصة للإدارة الجديدة للبنك التى لم يمض عليها شهران وما بين الخيرين حساب والسؤال هل ينجح «سالم» فيما فشل فيه أسلافه شاكر والبطران سماحة؟ الإجابة تنتظرها الأيام المقبلة.