د.محمد فراج يكتب : خطة ترامب.. وضرورة التحول العربى العاجل لإسقاطها
![د.محمد فراج](https://media.elamwal.com/img/25/02/09/261752.webp)
التصريحات التى يطلقها الرئيس الأمريكى ترامب حول تهجير سكان غزة - وحول القضية الفلسطينية عموما - تتسم بقدر هائل من التطرف والخطط والعنصرية والاستخفاف القانونى الدولى والحقوق البديهية للشعوب فى أوطانها وللدول فى السيطرة على أراضيها.
وبعد أن بدأت هذه السلسلة من التصريحات بالدعوى لتهجير مليونين من أبناء غزة إلى كل من مصر والأردن سرعان ما ازدادت إيغالاً فى التطرف والعنصرية لتصل الى العوة الصريحة للتطهير العرقي للشعب الفلسطينى وإطلاق التهديدات الوقحة للدول ذات السيادة إذا لم تتجاوب مع مخطط العنصرية المنفلتة ليصل الأمر الى حد العبث بطرح "أفكار" مقولبة من قبيل السيطرة الأمريكية على غزة وإخلائها من شعبها الفلسطينيى.
وإقامة "ريفيرا" عالمية جديدة فيها بعد نقل سكانها إلى مناطق أكثر أمنا يفترض أن فى مقدمتها مصر والأردن ليعيشوا هناك فى سلام!!
الخطط الإسرائيلية والأمريكية لتهجير الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية والقدس والجليل معروفة منذ عشرات السنين باسم "الترانسفير" أو التهجير، إلا أن هذه الخطط اصطدمت دائمًا بمقاومة الشعب الفلسطينى وتشبثه بأرضه من ناحية، وبالرفض المصرى والأردنى من ناحية أخرى، إلى القليل من مخاطر شديدة الفداحة على القضية الفلسطينية، تهدد بتصفيتها، وما لهذا التهجير من مخاطر فادحة على الأمن القومى المصرى والأردنى.
<<<
والسؤال الذى يفرض نفسه هنا هو: إذا كانت حرب الإبادة الهمجية التى شنها الكيان الصيونى على غزة وشعبها قد فشلت فى إجبار هذا الشعب على الرحيل عن أرضه أو فى تصفية مقاومته الأسطورية، وإذا كان العالم كله قد تابع مشاهد الاستهانة فى تشبث الغزويين بأرضهم، وطوفان البشر الزاحفين «للعودة إلى الشمال».. مدينة غزة والمدن والمخيمات والمدن المحيطة بها فى مشهد مهيب يؤكد هذه الاستماتة فى التشبث بالأرض فهل تنجج خطط ترامب فى إجبارهم على ترك هذه الأرض التى ارتوى كل شبر منها بدمائهم الزكية؟!
أم أن ترامب ينوى أن يقدم دعمًا أكبر للجيش الصهيونى لكى يشن جولة أخرى من حرب الإبادة والتجويع التوطين والتدمير أكثر قسوة وهمجية لإجبار أهل غزة على الرحيل عن أرضهم، بعد أن فشلت الجولة الأولى فى تحقيق هذا الهدف بالرغم من كل وحشيتها؟ وإذا كان الجيش الصهيونى قد فشل فى الإفراج عن الأسرى الصهاينة بالرغم من كل ما فعله خلال خمسة عشر شهرا، واضطر للقبول بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، فهل ستنجح جولة أخرى من الحرب فى إطلاق سراح الأسرى الصهاينة الباقين الأكثر أهمية وذوى الرتب العسكرية الأهم، وعددهم بالعشرات؟
واضح أن هذا هو ما يفكر فيه ترامب ونتنياهو ووزراؤه الأكثر إيغالا فى التطرف بدليل تصريح ترامب مؤخراً بأنه لا يستطيع أن يضمن استمرار وقف إطلاق النار، وبدليل رفعه للقيود المحدودة التى كان بايدن قد فرضها على إمداد الجيش الصهيونى ببعض أنواع القنابل والصواريخ الأكثر فتكًا. وهو ما ينسجم مع خطط نتنياهو المعلنة ومطالب وزرائه الأكثر تطرفا.
غير أن هذا السيناريو يصطدم بالفشل الذريع الذى حصده الجيش الصهيونى فى تحقيق أهدافه فى القضاء على المقاومة أو الإفراج عن الأسرى بالقوة بعد خمسة عشر شهرا من القتال تعرض فيها هذا الجيش لخسائر فادحة فى الأفراد والمعدات وتعرض لإنهاك شديد تحدثت عنه وسائل الإعلام الصهيونية.. ولم يستطع الإفراج عن أسراه بالقوة بينما نجحت المقاومة في تجديد صفوفها بالآلاف من المقاتلين الجدد. ولم يكن هذا ليحدث لولا أن الحاضنة الشعبية الفلسطينية قد تمسكت بدعمها للمقاومة بالرغم من فداحة الخسائر البشرية، وكانت مشاهد تسليم الأسرى الصهاينة، أو ما صاحبها من ظهور مشرف للمقاتلين الفلسطينيين دليلا ساطعا على تماسك المقاومة وتماسك الدعم الشعبى لها.
أما فى الضفة الغربية فبالرغم من تصاعد العنف الصهيونى الوحشي سواء من جانب الجيش وحرس الحدود، أو من جانب قطعان المستوطنين فإننا نرى تصاعد المقاومة المسلحة الفلسطينية وهو ما يضع عقبات قوية أمام مخططات الترانسفير.
ترامب يزايد على نتنياهو!!
وإزاء هذا الفشل فى تحقيق الأهداف الصهيونية يجيء ترامب ليس كي يعلن عن تبني خطط «الترانسفير» فحسب، وتجاه غزه فى المرحلة الأولى، بل لكى يوجه أيضا تهديداته إلى مصر والأردن إذا لم يتعاون البلدان مع هذه الخطط الشريرة بإعلانهما عن قبول تهجير ملايين الفلسطينيين إلى أراضيهما!! سواء بالامتناع عن تقديم المساعدات الأمريكية الهزيلة إليهما أو بفرض عقوبات أمريكية عليهما أو بتوجيه الأنشطة الإرهابية نحوهما أو باختلاق المصاعب لهما فى المحيط الإقليمى انطلاقا من ليبيا وإثيوبا وقوات حميدت فى السودان بالنسبة لمصر أو من سورية فى ظل نظامها الجديد بالنسبة للأردن، وأخيرا بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لاستفزازها عسكريًا.. وهو ما يهدد بإشعال حرب كبرى فى المنطقة علما بأن توازن القوى العسكرية والبشرية بين مصر وإسرائيل سيجعل الكيان الصهيونى يدفع ثمنًا فادحًا إذا تجرأ على استفزاز مصر، فضلًا عن تعرض استقرار وأمن المنطقة بأكملها لمخاطر شديدة ولفترة طويلة وهذا حديث يطول شرحه، والخبراء العسكريون والاستراتيجيون أولى منا بالخوض فيه.
إسرائيل الكبرى ومخاطرها الكبرى
ولا يخفى على أحد أن الخطط الشريرة لتهجير الفلسطينيين تربط فى المخططات الاستراتيجية الصهاينة والأمريكان والغربيين باتخاذ خطوة هامة نحو إقامة إسرائيل الكبرى تبدأ بضم قطاع غزة والضفة العربية، (الجزء المتبقى من فلسطين التاريخية).. وتحول فلسطين بأكملها إلى دولة لليهود وحدهم.. ومعروف أن الكنيست قد أصدر قراراً بإعلان «إسرائيل» دولة لليهود أما إقامة سرائيل الكبرى (من النيل إلى الفرات) فليس مجرد مخطط استراتيجى أو حلم للكيان الصهيونى فحسب، بل هو شعار مكتوب على واجهة الكنيست، والخرائط التى ترسم حدوده تجرى طباعتها ويتم توضيحها علنا فى الدولة الصهيونية، وهو شعار ينطوى على خطط تفصيلية تمثل خطرًا فادحًا على كل من مصر والأردن وسورية ولبنان والعراق والمملكة العربية السعودية، ولذلك فإن خطر تهجير الفلسطينيين لا يهددهم وحدهم وإنما يهدد المشرق العربى بأسره (متضمنا مصر) الأمر الذى يقتضى تضامن ووحدة العرب جميعًا ضده ومع أشقائهم الفلسطينيين الذين يمثلون خط الدفاع الأول عن العرب جميعا ضد خطر التوسع الصهيونى.
وفى هذه المرحلة الحاسمة من تطور القضية الفلسطينية والمخاطر المباشرة على الأمن القومى المصرى والأردنى يجب على العرب جميعا التضامن الحازم مع مصر والأردن والشعب الفلسطينى. وأقل ما يمكن القيام به فى هذا الصدد هو وقف كل مشروعات التطبيع مع العدو الصهيونى بكل تفاصيلها وإبلاغ رسالة قوية لأمريكا مفادها أن استمرار الحرب والإبادة على الفلسطينيين أو تهديد وحدة الأردن هو عدوان على جميع الدول العربية، وعقد قمة عربية عاجلة تتخذ قرارات بهذا الصدد، يتم تنفيذها بصورة جماعية حاسمة، والقيام بجهود دبلوماسية وسياسية واقتصادية جماعية عربية على المستوى الدولى.
تنفيذا لهذه القرارات، وفى مقدمة ما يمكن ويجب فعله بصورة عاجلة وقف مشروع (طريق الهند - أوروبا) الذى يمر بدبى والسعودية والأردن وصولًا الى ميناء حيفا (بإسرائيل) الذى يجعل من الدولة الصهيونية مركزا للتبادل التجارى بين الخليج وأوروبا.
خرافة الريفيرا!!
وفى هذا الصدد نجد من الضرورى توضيح أن حديث ترامب عن «الريفيرا الجديدة» هو مشروع وهمي علي الأرجح للتمويه علي الانخراط الامريكي المباشر في عملية تهجير سكان غزة، والحديث عن ترامب كمطور عقاري وما شابه يتجاهل حقيقة أساسية تتمثل في وجود مخططات تم البدء بالفعل في تنفيذها لجعل الدولة الصهيونية ممراً تجارياً بين الخليج العربي وأوروبا.. وهذا المخطط يتضمن مد خطوط لنقل البترول والغاز من منطقة الخليج إلى البحر المتوسط لتفادي مخاطر التدخل الإيراني في مضيق هرمز ومضيق باب المندب فالبحر الأحمر ومن هذه الزاوية فإن هذا المشروع يمثل خطراً كبيرا علي قناة السويس، إذ يسلبها الجزء الأكبر من البضائع التي تمر بها، وفي مقدمتها بترول الخليج، فضلاً عن تجارة السلع الأخرى بين المنطقة وبين أوروبا.
كما أن تهجير سكان غزة يضيف إلي إسرائيل أربعين كيلو متراً على ساحل البحر المتوسط تمثل تأميناً إضافياً لشريان التجارة الذي يمر بها، ولمشروع إنشاء خطوط جديدة لمرور الإنترنت عبر الكيان الصهيوني وبعيداً عن قناة السويس.
ومن ناحية أخرى فإن حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط قبالة شاطئ غزة، سيمكن البدء في استثمارها. وهي تحتوي على احتياطيات كبيرة يمكن أن تستغلها الشركات الأمريكية أو الإسرائيلية وتحقق من وراء ذلك أرباحاً طائلة.. والحديث عن «سيطرة أمريكا» هنا لا يتناقض مع «سيادة إسرائيل» على غزة، خاصة أن ترامب نصير متحمس لفكرة «إسرائيل الكبرى».
ولهذا كله فإن الأحاديث عن «الريفيرا» والتطوير العقاري تبدو في نظرنا تمويهًا علي كارثة كبرى وليست أحاديث جدية، خاصة أن رفع الأنقاض من غزة وحده أمر يحتاج إلى نفقات طائلة وسنوات من العمل الشاق بينما استغلال الحقول البحرية أمر أسهل وأسرع في تحقيق عائد كبير.
وخلاصة القول إن التصدي لخطة ترامب الصهيونية يمثل ضرورة شديدة الإلحاح لحماية الأمن القومي المصري والعربي كله.. وأي تهادن في التصدي لهذا الخطر يمثل ثغرة بالغة الخطورة في الأمن القومي العربي بأكمله. وستدفع شعوبنا وأجيالنا القادمة ثمناً فادحاً له.. وأن كل من يفرط في القضية الفلسطينية اليوم سيدفع ذلك الثمن غداً ليس من المصالح المباشرة فحسب وإنما أيضا من السيادة والكرامة والحق في الحياة.
وأخيراً فإن أمريكا ليست قوة كلية الجبروت. وهناك قوى عالمية كثيرة- بما في ذلك الأوربيون- تدرك خطورة خطة ترامب وتعارضها علنا وتدرك أيضاً أن "تهويش" ترامب وبرغم خطورته ينطوي على قدر غير قليل من المبالغة وحرب الأعصاب.