الأموال
الخميس 21 نوفمبر 2024 07:45 مـ 20 جمادى أول 1446 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : مصر وليبيا علاقات أقوى من محاولات العبث

د. محمد فراج
د. محمد فراج

ليبيا ليست دولة عربية شقيقة وجارة فحسب وإنما دولة ذات أهمية بالغة الخصوصية لمصر، فهى تمثل العمق الاستراتيجى لبلادنا من ناحية الغرب، بحدود تمتد لأكثر من ألف كيلومتر، وقبائل "أولاد على" العربية تعيش على جانبى الحدود بين البلدين صانعة امتدادا بشريا متلاحما وفريدا بين الشعبين الشقيقين، والسواحل الغربية الطويلة لليبيا على البحر المتوسط هى امتداد استراتيجى طبيعى لسواحلنا، تماما كما أن السواحل المصرية هى امتداد طبيعى للسواحل الليبية.
وكان طبيعيا أن يؤدى "حكم الجغرافيا" والاستراتيجية والعروبة والتداخل السكانى الفريد إلى تعزيز الروابط الاقتصادية بين البلدين على مدى عقود طويلة، بغض النظر عن وجود هذه الخلافات السياسية أو تلك بين النظم المتعاقبة فى البلدين فى بعض الأحيان، ومن بين أهم هذه الروابط أن ليبيا البلد النفطى الغنى بمساحته الشاسعة (1.7 مليون كم2) وتعداده السكانى القليل (7.6 مليون نسمة) وحداثة نهضته الاقتصادية والعلمية لم يجد أفضل ولا أقرب من الكوادر الفنية والعلمية والأيدى العاملة المصرية للمشاركة فى بناء اقتصاده ومدارسه وجامعاته ومشروعاته العمرانية، ومؤسسات الدولة فيه، إلى جانب أشقاء عرب آخرين من السوريين والعراقيين والفلسطينيين وغيرهم. ومن ناحية أخرى فإن التبادل التجارى بين البلدين والسياحة الليبية فى مصر، كانت من العوامل التى عززت متانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ولسنا بحاجة للدخول فى مزيد من التفاصيل.. وحسبنا أن نقول إنه انطلاقا من الحقائق الأساسية التى ذكرناها فإن العلاقات بين البلدين تتسم بأهمية بالغة وفريدة على كافة الأصعدة، بما يقتضى ضرورة حمايتها من الآثار السلبية لأى متغيرات سياسية أو أمنية عارضة.
وبحكم هذه الاعتبارات كلها وكذلك بحكم كون مصر كبرى الدول العربية فإن من الطبيعى أن تشعر القاهرة بمسئولية خاصة عن ضرورة تحقيق الاستقرار والأمن فى ليبيا، ووجود دولة ليبية مستقلة ذات سيادة وقادرة على السيطرة على أراضيها،لاسيما أن هذه الأراضى ملاصقة للحدود المصرية.

الغزو الأطلسى وتدمير الدولة الليبية
كان الغزو الأطلسى بقيادة الولايات المتحدة لليبيا (عام 2011) منعطفًا مشئومًا فى تاريخ ليبيا وشعبها، فالغزو الذى جاء بدعوى "بناء الديمقراطية" فى إطار ما عرف بثورات الربيع العربى قد أدى إلى تدمير الدولة الليبية وجيشها ومؤسساتها الأمنية، والمدنية واغتيال رئيسها والعديد من قياداتها ومصرع آلاف المواطنين، كما ألحق أضرارًا فادحة بالاقتصاد والمنظومات الإنتاجية وفى مقدمتها الإنتاج البترولى وذلك فضلا عن الدمار الواسع الذى لحق بالمدن والبلدات ومنظومات النقل والخدمات العامة، كما تم تجميد احتياطياتها الدولية (170 مليار دولار)، وتم إخضاع ليبيا لحكم أشخاص غير منتخبين تختارهم أجهزة مخابرات الدول الغربية الكبرى تحت اسم إشراف الأمم المتحدة!! ونتيجة لدمير الجيش والأجهزة الأمنية انتشرت ملايين من قطع السلاح الثقيل والمتوسط والخفيف فى أيدى الميليشيات القبلية والمناطقية التى سرعان ما لحقت بها الميليشيات الإرهابية من تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين وهى الجماعة الأساسية التى حظيت برعاية القوات الغربية والسلطات الأممية، وهى فى حقيقتها تشكيلات تابعة لأجهزة مخابرات الدول الغربية الكبرى.. وتدفق الإرهابيون على ليبيا من كل حدب وصوب.

الانتخابات والتقسيم
وبالرغم من كل ذلك فإنه حين تم إجراء الانتخابات البرلمانية عام 2014 فإن الإخوان المسلمين لم يحصلوا فيها إلا على ثلاثة وعشرين مقعدا فقط من بين عدد المقاعد البالغ مئتي مقعد، وفاز ببقية المقاعد ممثلو الاتجاهات الوطنية والليبرالية والقبلية، وهو ما يشير بكل وضوح إلى موقف الشعب الليبى من الغزو الأطلسى وعملائه.
إلا أن ميليشيات الإخوان وغيرها من الميليشيات الإرهابية والمتطرفة رفضت الاعتراف بنتائج الانتخابات، وبدأت فى إرهاب أعضاء البرلمان وتهديدهم بالاغتيال ومنع الاجتماعات بالقوة المسلحة الأمر الذى اضطر أغلبية أعضاء البرلمان إلى الهروب من العاصمة طرابلس والغرب الليبى، حيث يسيطر الإخوان والميليشيات الإرهابية إلى بنغازى وطبرق وغيرهما من مدن الشرق الليبى، لينشأ تدريجيا وضع من الانقسام بين الغرب الرافض للخضوع لنتائج الانتخابات والشرق حيث توجد أغلبية أعضاء البرلمان.
والغريب أنه بدلًا من أن تعهد الأمم المتحدة والدول الكبرى للبرلمان بتشكيل الحكومة، كما تقضى الأصول الديمقراطية فإن الأطراف الغربية لجأت إلى "فبركة" حكومة من التابعين لها، وفقا لما عرف باتفاق الصخيرات 2015 برئاسة القيادى الإخوانى فايز السراج حملت اسم حكومة الوفاق الوطنى!! واعترفت بعثة الأمم المتحدة للإشراف على حكم ليبيا بهذه الحكومة المفبركة باعتبارها حكومة ليبيا الشرعية وأسندت إليها صلاحية التصرف باسم الشعب الليبى بما فى ذلك التصرف فى الاحتياطيات الدولية الضخمة "170 مليار دولار" المودعة فى البنوك الغربية وفى دخل الدولة من البترول والجمارك والضرائب وغيرها!!
ومع أن حكومة السراج كان مقررًا لها أن تستمر لمدة عام ونصف فقط يتم خلالها إجراء انتخابات برلمانية جديدة وتشكيل حكومة منتخبة، فإنها استمرت فى الحكم حتى نهاية عام 2019.
....
وفى نفس الوقت فإن أعضاء وقيادة البرلمان وعدد من الضباط الوطنيين السابقين فى الجيش الليبلى بقيادة خليفة حفتر بدأوا فى تجميع الصفوف فى شرق البلاد من أجل إعادة بناء "الجيش الوطنى الليبى" الذى أعلن رفضه لنتائج الغزو الأطلسى من تقسيم للبلاد وأن هدفه هو القضاء على الإرهاب والفوضى وإعادة توحيد الدولة الليبية.
استهداف مصر
معروف أن مصر كانت الهدف الأهم والجائزة الكبرى لسياسة الفوضى الخلاقة الأمريكية والإرهاب الدولى فى المنطقة، ولهذا فإنه حينما بدأ تدفق الإرهابيين إلى ليبيا اتجهت أعداد كبيرة منهم إلى شرق البلاد الملاصق للحدود المصرية وأقاموا معسكرات ومراكز تدريب لهم أبرزها ما عرف بإمارة درنة وبدأوا فى القيام بعمليات تسلل إلى داخل الحدود المصرية، بهدف الوصول إلى سيناء ومدن وبلدات الوادى، وذلك بالإضافة إلى تهريب السلاح والسلع عبر الحدود.
وكان من أبرز جرائمهم ارتكاب مذبحتى الفرافرة الأولى والثانية ضد جنود حرس الحدود المصريين (2014) كما ارتكبوا مذبحة سرت الشهيرة ضد الأقباط المصريين (21) الذين تم ذبحهم على ساحل البحر وتصير ونشر فيديو للمذبحة، ومعروف أن القوات المسلحة المصرية قامت بجهود ضخمة لتوجيه الضربات إلى الوجود الإرهابى فى شرق ليبيا وفى الصحراء الغربية المصرية للثأر لشهدائنا ولتصفية هذا الوجود الإجرامى عموما.
ومن الأهمية بمكان كبير هنا أن نشير أيضا إلى الدور الهام الذى قام به الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير حفتر فى مطاردة الوجود الإرهابى عند الحدود الغربية لمصر وفى شرق ليبيا عموما بالتعاون مع مصر وبدعم منها بالطبع.
وبعد تطهير منطقة الحدود المصرية –الليبية اتجهت قوات الجيش الوطنى الليبى لمطاردة الإرهابيين فى جنوب ليبيا، وتأمين الحدود الليبية مع السودان وتشاد والنيجر، وهى المناطق التى كانت معبرًا دائمًا لحركة الإرهابيين من وإلى منطقة الساحل والصحراء، كما كان للجيش الوطنى الليبى دور مهم فى تطهير منطقة جنوب غرب ليبيا (المجاور لكل من الجزائر وتونس) من الوجود الإرهابى.
وبناء على ذلك كله وعلى الخطر الفادح الذى يمثله الإرهاب على مصر وعلى كل شعوب المنطقة، فقد كان طبيعيا أنه حينما أعلنت المنظمات الإرهابية فى غرب ليبيا نيتها فى مهاجمة المناطق الشرقية، مستغلة إلى الدعما لعسكرى التركى وهذه قصة أخرى طويلة لا يتسع لامجال لمناقشتها هنا، كان طبيعيًا أن تعلن مصر فى يونيو 2020 أن "خط سرت –الجفرة" هو خط أحمر، وأن تشحد قواتها على الحدود استعدادًا للتدخل فى حالة انتهاك إرهابيي طرابلسى والغرب الليبى لخط سرت الجفرة، علمًا بأن سرت هى ميناء على البحر المتوسط والجفرة هى نقطة استراتيجية تقع فى قلب الصحراء الليبية.
علاقات متوازنة
وبالرغم من المواقف المشتركة بين مصر والشرق الليبي وخاصة فى قضايا الإرهاب ومن تحفظ مصر على عدد من أهم مواقف طرابلس وحكومة السراج ثم الدبيبة، وخاص عند اتفاقيات التعاون العسكرى مع تركيا ومنحها قواعد عسكرية فى ليبيا وعقد اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية وكلها أمور خارج صلاحيات حكومة طرابلس، فضلاعن إخلالها بالتوازن العسكرى والاستراتيجى فى البحر المتوسط، وكذلك بالرغم من سوء المعاملة الذى يتعرض له العاملون المصريون فى طرابلس والغرب الليبى واعتقال أعداد منهم بصورة متكررة أو ترحيلهم بدون أى سبب قانونى معقول، وكذلك تعرضهم لاعتداءات الميليشيات دون أن تحرك الحكومة ساكنًا، نقول إنه بالرغم من كل ذلك فإن القاهرة تحافظ على ضبط النفس إلى أقصى حد ممكن حرصًا على العلاقات مع الشعب الليبى الشقيق وعلى الدور الذى تليق مصر فى الوساطة بين الشرق والغرب الليبيين، بل ويوجد أكثر من عشر اتفاقيات للتعاون بين الطرفين.
كما أن لدينا سفارة فى طرابلس على أساس قرارات الأمم المتحدة التى تعترف بحكومة السراج ثم الدبيبة كممثل شرعى للبلاد، وبالرغم من انقضاء الآجال القانونية لصلاحية هذه القرارات.
تدخل فى شئون مصر
لهذا يبدو غريبًا بالفعل أن تغضب حكومة الدبيبة حينما تستقبل مصر رئيس حكومة الشرق الليبى المكلف من البرلمان، الدكتور أسامة حماد أو رئيس صندوق إعمار ليبيا بلقاسم حفتر، وأن تصدر وزارة الخارجية فى حكومة الدبيبة بيان استنكار لهذا الاستقبال باعتباره تشجيعًا على انقسام البلاد "الواقع والقائم منذ سنوات!!" علما بأن وزير خارجية تركيا "هاكان فيدان" سبق له استقبال بلقاسم حفتر، كما أن كبار المسئولين الأتراك يلتقن بالمشير حفتر نفسه وبرئيس البرلمان عقيلة صالح سواء فى تركيا أو خارجها دون أن تحتج طرابلس بكلمة واحدة.
والأسوأ من ذلك أن تطالب حكومة الدبيبة مغادرة اثنين من الدبلوماسيين العاملين فى السفارة المصرية احتجاجا على استقبال القاهرة لأسامة حماد وحفتر الابن!!
ومعروف أن الرجلين كان الهدف الرئيسى من زيارتهما اقتصادى ويرتبط بدور القاهرة فى إعادة إعمار مدينة درنة والمناطق المحيطة بها التى دمرتها السيول الناتجة عن الإعصار دانييل العام الماضى، علما بأن مصر كانت أول من تحرك لإغاثة درنة ومنطقتها، قبل أن تتحرك حكومة الدبيبة التى سارعت وقتها للإعلان عن عدم حاجة ليبيا للمساعدة، وقدرتها على مواجهة الكارثة وهو ما ثبت عدم صحته بالمطلق.
الحقيقة أن حكومة الدبيبة المنقضية ولايتها منذ سنوات إنما تتدخل بموقفها هذا فى شئون مصر وإدارتها فى إدارة علاقاتها مع الأشقاء فى الشرق الليبى، الذى تتقاعس هى عن مساعدته وتريد أيضا منع أشقائه المصريين من تقديم يد العون له!! وهذا موقف لا يمكن قبوله طبعا، وإن كان واضحا أن القاهرة لا تتعجل فى مواجهة التصعيد الدبيبي بتصعيد مثله، بالرغم من أن أحدا لا يمكنه أن يلومها إذا فعلت.
ونأمل أن تتاح لنا فرصة للعودة إلى الشأن الليبى، فهناك الكثير مما يمكن أن يقال ومما يهم مصر كثيرا.

موضوعات متعلقة

أسعار العملات

متوسط أسعار السوق بالجنيه المصرى21 نوفمبر 2024

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 49.6247 49.7247
يورو 52.2102 52.3204
جنيه إسترلينى 62.7058 62.8520
فرنك سويسرى 56.1112 56.2560
100 ين يابانى 32.0760 32.1489
ريال سعودى 13.2174 13.2454
دينار كويتى 161.3130 161.6906
درهم اماراتى 13.5092 13.5390
اليوان الصينى 6.8525 6.8672

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار سعر البيع سعر الشراء بالدولار الأمريكي
سعر ذهب 24 4263 جنيه 4240 جنيه $85.77
سعر ذهب 22 3908 جنيه 3887 جنيه $78.62
سعر ذهب 21 3730 جنيه 3710 جنيه $75.05
سعر ذهب 18 3197 جنيه 3180 جنيه $64.33
سعر ذهب 14 2487 جنيه 2473 جنيه $50.03
سعر ذهب 12 2131 جنيه 2120 جنيه $42.89
سعر الأونصة 132590 جنيه 131879 جنيه $2667.80
الجنيه الذهب 29840 جنيه 29680 جنيه $600.40
الأونصة بالدولار 2667.80 دولار
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى