أسامة أيوب يكتب : اغتيال قادة حماس في بيروت.. يؤكد سعي نتن ياهو لتوسيع الحرب في المنطقة
تهجير الفلسطينيين من غزة لايزال الهدف الصهيونى الاستراتيجى
غير خافٍ إن إقدام العدو الصهيونى على اغتيال صالح العارورى نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس واثنين من قادتها وأربعة من كوادرها فى الضاحية الجنوبية لبيروت.. معقل حزب الله يوم الثلاثاء الماضى عشية كتابة هذه السطور فى عملية إرهابية غادرة وفى انتهاك للسيادة اللبنانية، إنما يعنى ويؤكد سعى مجرم الحرب نتن ياهو وحكومته اليهودية المغتصبة لتوسيع الصراع فى المنطقة وجرّ حزب الله للحرب وتوريط لبنان فى الصراع.
الأمر الآخر هو أن اغتيال قادة حماس على أرض لبنان يأتى انتقامًا من أبطال المقاومة فى كتائب القسام بعد الهزائم المتلاحقة لقوات الاحتلال وبعد فشل نتن ياهو فى تحقيق أى إنجاز أو انتصار عسكرى استراتيجى بعد ثلاثة أشهر من العدوان الوحشى على غزة، وحيث يبدو الاغتيال كأنه انتصار يغطى هزيمته وفشله.
اغتيال قادة حماس مؤخرًا فى بيروت ليس الأول ولن يكون الأخير، وهو ما تتوقعه الحركة دائمًا، إذ إنه يأتى فى سياق النهج الإسرائيلى الإجرامى حسبما جرى اغتيال العديد من القادة كان في مقدمتهم الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسى وغيرهما، وحسبما جرى اغتيال قيادات فى حركة فتح أيضًا من بينهم أبوجهاد فى تونس، ولذا جاءت تصريحات إسرائيلية تؤكد أن عملية اغتيال العارورى ورفاقه سوف تتبعها عمليات أخرى وأن كل قادة حماس مصيرهم الموت!
<<<
ورغم محاولة الإدارة الأمريكية التنصل من علمها بعملية الاغتيال خاصة بعد إعلان إسرائيل أنها لم تخطر واشنطن بالعملية قبل تنفيذها وإن كانت أخطرتها وقت تنفيذها فى محاولة لإبعاد إدارة بايدن عن الاتهام، إلا أن ذلك لا ينفى علمها بالعملية قبل تنفيذها؛ خاصة أنها تحقق هدف أمريكا وإسرائيل المشترك للقضاء علي حركة حماس ثم لأنه لم تصدر أى تصريحات من إدارة بايدن لإدانة عملية الاغتيال ولإدانة انتهاك سيادة الدولة اللبنانية.
الذي تتغافل عنه حكومة الكيان اليهودى الصهيونى هو أن اغتيال قادة حماس.. بعضهم أو حتى كلهم لن يقضى على الحركة ولا على غيرها من فصائل المقاومة، إذ إن المقاومة الفلسطينية حركة تحرر وطنية مستمرة لن تتوقف باغتيال الأشخاص والقادة لأنها عقيدة وطنية لأصحاب الأرض ومقاومة مشروعة ضد الاحتلال يقرها القانون الدولى والمواثيق الأممية لتحرير الأرض المغتصبة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وفقا لمقررات الشرعية الدولية.
ولذا فإن سعى مجرم الحرب نتن ياهو الذى يُدرك أن مستقبله السياسى قد انتهى لتوسيع الحرب والصراع فى المنطقة يتسق تمامًا مع إصراره على إطالة أمد العدوان الوحشى على غزة ومواصلة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى الأعزل وقتل الأطفال والنساء بكل الخسة والسادية وتشريد أهل غزة وتجويعهم وتعطيشهم وتحويل القطاع إلى خراب حسبما تؤكد مشاهد الدمار الـمروّع، وحيث يستهدف إطالة أمد بقائه في السلطة ريثما يمكنه تحقيق أى انتصار يحفظ ماء وجهه ويُجنبه المحاكمة والسجن بعد انتهاء العدوان أيًا كانت النهاية.
هذا المسعى من جانب نتن ياهو لإطالة أمد العدوان على غزة وتوسيع الصراع وإشعال المنطقة يعكس فشله بقدر ما يعكس تخبطه وارتباكه وافتقاده لرؤية واضحة للخروج من مستنقع أو بالأحرى فخ غزة، مثلما افتقد تعاطف الرأى العام العالمى مع إسرائيل، والذى تحوَّل إلي إدانتها والتعاطف مع الشعب الفلسطينى وعلى النحو الذى أفضى إلى اتساع هوة الخلافات والانقسامات داخل حكومته ومع الجيش والأجهزة الاستخباراتية والأمنية، إذ لا هو نجح فى القضاء على حماس حسبما توعد والتى بدت مستعدة للمقاومة والقتال على الأرض لأشهر طويلة مقبلة، ولا هو نجح فى تحرير الرهائن والأسرى العسكريين حسبما تعهد لذويهم الغاضبين وللمجتمع الإسرائيلى كله عدة مرات منذ بداية العدوان.
<<<
وفى نفس الوقت ورغم الضغط المتزايد على نتن ياهو من جانب أهالى الرهائن والأسرى لدى حماس للعمل على إطلاق سراحهم «بأى ثمن»، فإنه يرفض وقف العدوان حسبما تشترط حماس مقابل إطلاق سراحهم فى إطار صفقة لتبادل الأسرى على غرار ما جرى فى الهدنة، بحيث يتم الإفراج عن جميع الرهائن والأسرى مقابل إطلاق سراح كل الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية وفقا لمبدأ تبييض السجون، وحيث بدا أن نتن ياهو يُضحى بحياة وأرواح الرهائن والأسرى مقابل بقائه فى السلطة، مما أشعل غضب الأهالى والمجتمع الإسرائيلى كله وسط مطالبات متزايدة باستقالته خاصة بعد مقتل عشرات الرهائن تحت القصف الجوى الإسرائيلي وبعد مقتل ثلاثة رهائن فارين من الأسر على يدى قوات الاحتلال بالخطأ مما يعكس ارتباك وفزع الجنود الإسرائيليين بسبب المواجهات مع المقاومة على الأرض، وفى نفس الوقت الذى اشتدت فيه المعارضة ضده حسبما طالبه لابيد رئيس الحكومة السابق بالاستقالة بعد أن طال بقاؤه فى منصبه وبعد أن بات خطرًا على إسرائيل على حد تعبيره.
<<<
إن الانتصار الوحيد والمخزى الذى يحققه مجرم الحرب نتن ياهو بكل خسة هو قتل المدنيين والأطفال والأطفال الرضع والنساء ومواصلة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى ومواصلة القصف الجوى وقصف المدافع برا وبحرا وتدمير غزة فى أبشع جريمة حرب فى التاريخ الحديث.
الانتصار المخزى الآخر الذى حققه نتن ياهو هو إجبار نحو مليون ونصف المليون من أهل غزة على النزوح إلى جنوبها ومواصلة قصفهم بالطائرات وذلك بهدف دفعهم دفعا فى سياق المخطط الصهيونى للهجرة إلى سيناء تحت قصف الطائرات وتحت التهديد بالموت جوعا وعطشا ومرضا، ثم بهدف الانتقام لهزائم قواته وفشله فى تحقيق أى انتصار عسكرى على الأرض فى مواجهة أبطال المقاومة من كتائب القسام وسرايا حركة الجهاد الإسلامى.
<<<
لذا فإن مخطط التهجير وإعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة يبقى هدفا استراتيجيا للكيان الصهيونى ومن ثم لنتن ياهو بعدوانه الوحشى، ورغم أن هذا المخطط تواجهه صعوبات وتحديات تحول دون تنفيذه حتى الآن.. أولها رفض فلسطينيي غزة مغادرة أراضيهم وصمودهم وتمسكهم بالبقاء فى وطنهم رغم كل التضحيات والمعاناة ورغم سقوط آلاف الشهداء والجرحى، وثانيها رفض مصر القاطع لتهجير أهل غزة إلى سيناء.. وتصفية القضية الفلسطينية.
ومع ذلك فإن نتن ياهو وأعضاء حكومته اليهود المتعصبين وفى مقدمتهم ابن غفير لايزالون مصممين على تهجير الفلسطينيين خارج غزة، فإن تعذر تهجيرهم إلى سيناء فإلي دول غربية أُخرى وكأن الفلسطينيين قطع «شطرنج» أو قطع أثاث يسهل تحريكهم ونقلهم خارج أراضيهم إلى أي مكان فى العالم!
<<<<
وفى كل الأحوال فإن العدوان الوحشى وحرب الإبادة التى يشنها مجرم الحرب نتن ياهو ضد الشعب الفلسطينى فى غزة هما حلقة من حلقات بل الحلقة الأخيرة من سيناريو المخطط اليهودى الصهيونى لاغتصاب ما تبقى من فلسطين التاريخية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وضمها للدولة اليهودية الإسرائيلية وحيث يواجه الشعب الفلسطينى النكبة الثانية بعد نكبة عام ١٩٤٨ مع ملاحظة أن نتن ياهو تعهد وهدد بعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية، وذلك هو الهدف الصهيونى الاستراتيجى منذ أكثر من ٧٥ سنة بعد إقامة دولة إسرائيل وبعد مذابح العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى لإجبارهم على اللجوء خارج أرضهم.
>>>>
يبقى الحديث عن الدور التآمرى الغربى وخاصة الدور البريطانى في زرع إسرائيل في الأراضى الفلسطينية كوطن قومى لليهود يجمعهم من الشتات الأوروبى ويخلّص أوروبا منهم بعد أن ضاقت بهم شعوبها، ثم عن الدور الأمريكى الذى خلف بريطانيا فى رعاية ودعم وحماية الدولة اليهودية الصهيونية وضمان تفوقها الاستراتيجى على كل دول المنطقة العربية ثم حمايتها من أى محاسبة قانونية أممية على جرائمها وإرهابها.
هذا الدعم الأمريكى الدائم استمر بقوة بفعل ضغط اللوبى اليهودى المسيطر على الإعلام والمال والصناعة فى أمريكا والمتحكِّم فى سياستها الخارجية بشأن الشرق الأوسط وإسرائيل.
وفى هذا السياق التاريخى الداعم لإسرائيل يتواصل ويتزايد دعم الرئيس الأمريكى الصهيونى بايدن وإدارته وفي مقدمتها وزير الخارجية اليهودى الذى أعلن فى أول زيارة له لتل أبيب مع بداية العدوان على غزة أنه جاء إلى إسرائيل ليس بصفته وزير خارجية أمريكا ولكن بصفته يهوديا أولا وهو الأمر الذى يعكس ذروة الدعم لإسرائيل ولمجرم الحرب نتن ياهو فى تملق غير محدود للوبى اليهودى لضمان تأييده لإعادة انتخاب بايدن للفوز بولاية ثانية فى الانتخابات المقررة فى شهر نوفمبر المقبل.
>>>>
هذا التملق الفج للوبى الصهيونى وذلك التماهى من جانب بايدن وإدارته مع المخططات الصهيونية ومع دعم العدوان الصهيونى الوحشى على غزة يفضح بوضوح كل مزاعم الرئيس الأمريكى بشأن حل الدولتين وبشأن أى موقف عادل ومُنصف للقضية الفلسطينية حسبما تأكد برفض بايدن لوقف العدوان أكثر من مرة في مجلس الأمن الدولى، وحيث بدا مؤكدًا أن إسرائيل ويهود أمريكا يحكمون الولايات المتحدة التى تحكم العالم باعتبارها القطب الأوحد فى الحقبة الزمنية الحالية!