اسامة ايوب يكتب : العدوان الصهيونى الوحشى على غزة.. حقائق وملاحظات
نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى رفح خطر محدق بالأمن القومى المصرى
أمريكا وتوابعها الأوروبيون شركاء فى قتل الأطفال فى غزة
الاشتباكات العسكرية على الأرض تؤكد انتصار حماس وفشل إسرائيل فى القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى
هذا المشهد الكارثى في غزة بعد ٦٠ يوما من العدوان الصهيونى الوحش خاصة بعد إجبار نحو مليون ونصف المليون فلسطينى على النزوح إلى جنوب القطاع هربًا من القتل تحت القصف الجوى والمدفعى فى الشمال، بينما صعّدت إسرائيل عدوانها على مناطق الجنوب فور انتهاء الهدنة وعلى نحو أشد عنفًا ووحشية، حتى اضطر عشرات الآلاف إلى النزوح يوم الأربعاء الماضى وقت كتابة هذه السطور إلى رفح على مشارف الحدود المصرية والإقامة فى خيام وسط أوضاع معيشية بائسة ومأساوية.. هذا المشهد يعنى بكل وضوح أن نتن ياهو ماض قُدمًا فى مسعاه الجنونى لتهجير سكان غزة إلى سيناء فى تجاوز أحمق للخطوط الحمراء يُعد تهديدا للأمن القومى المصرى ولأمن الإقليم كله سوف تكون له عواقب وخيمة.
بعد أكثر من ٦٠ يومًا من العدوان الصهيونى الوحشى المتواصل على غزة وبعد حرب الإبادة التى تشنها قوات الاحتلال على الشعب الفلسطينى وبعد استشهاد أكثر من ١٦ ألف من المدنيين العُزل والأطفال والنساء وإصابة أكثر من ٤٠ ألفاً آخرين غير آلاف الشهداء الذين مازالوا تحت الأنقاض وبعد التدمير الشامل للقطاع.. للمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس ومراكز الإيواء الأممية واضطرار مئات الآلاف فى الشمال والجنوب إلى العيش فى العراء مشردين بعد هدم منازلهم.. فإن ثمة ملاحظات وحقائق من الضرورى التوقف أمامها وقراءتها بدقة وبعمق.
>< إن العدوان الوحشى على غزة وشعبها ليس عدواناً صهيونياً إسرائيلياً فحسب، ولكنه فى حقيقة الأمر ودون مواربة عدوان أمريكى بمشاركة حكومات أربع دول أوروبية هى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ولذا فإن التعويل على ضغط الرئيس بايدن وحكومات تلك الدول على إسرائيل لوقف العدوان وقتل الأطفال هو استغراق فى الوهم.
<< إن الرئيس بايدن هو الذى سارع منذ اليوم الأول للعدوان بالإعلان عن وقوفه مع إسرائيل وأقام جسرا جويا لنقل أحدث الأسلحة إلى قوات الاحتلال لقتل الفلسطينيين وهو الذى أرسل ألفين من الخبراء والجنود العسكريين الأمريكيين للعمل مع الجيش الإسرائيلى وهو الذى دعم إسرائيل بأحدث القنابل الفتاكة والأسلحة المحرم استخدامها دولياً، وهو الذى موَّل هذا العدوان بمليارات الدولارات، وهو الذى عرقل إصدار قرارين من مجلس الأمن لوقف العدوان، ثم إنه هو الذى رفض وقف إطلاق النار «العدوان».
<< إن بريطانيا دعمت هى الأخرى هذا العدوان بالأسلحة وآخرها إرسال طائرة عسكرية مسيرة للاستطلاع بغرض كشف أماكن احتجاز الرهائن والأسرى لدى حماس لإبلاغ إسرائيل بهذه الأماكن، ثم إنها كانت مع أمريكا فى استخدام «الفيتو» فى مجلس الأمن لمنع صدور قرار لإيقاف العدوان.
>> إن كلاً من فرنسا وألمانيا وإيطاليا مع أمريكا وبريطانيا حاضرون فى غرفة العمليات الإسرائيلية بالخبراء ورجال الاستخبارات لدعم الكيان الصهيونى فى هذا العدوان والمساعدة فى الكشف عن أماكن الرهائن والأسرى.
>< جاء تركيز اهتمام أمريكا والحكومات الأوروبية الأربع وبالدرجة الأولى قبل وأثناء الهدنة المؤقتة على إطلاق سراح الرهائن والأسرى الإسرائيليين لدى حماس دون أدنى اهتمام أو تعاطف ولو شكلا مع القتلى من المدنيين والأطفال والنساء الفلسطينيين.. دليلا واضحا على مشاركتها الحقيقية فى العدوان بقدر ما أكدت افتقادها للرحمة والإنسانية والقيم الأخلاقية وعلى نحو بالغ الخسة.
>< أما حديث الرئيس الأمريكى بايدن المتواطئ مع الكيان الصهيونى وحديث وزير خارجيته بلينكن المتفاخر بيهوديته عن مطالبة الجيش الإسرائيلى بتجنب قتل المدنيين الفلسطينيين أثناء العمليات العسكرية فى جنوب غزة.. لهو نموذج فاضح للكذب الذى لا ينطلى على أحد، إذ انطوى على تناقض صارخ يفضح كذبه، وكأنه من الممكن استمرار القصف الجوى والبرى على كل مناطق غزة التى ليس بها مكان آمن مع تجنب قتل المدنيين!
>< الحقيقة الخفية أو بالأحرى التى تبدو خفية ويتعين على العرب جميعًا إدراكها هى أن أمريكا بايدن أو تحت أى إدارة سابقة أو قادمة هى داعم وشريك أساسى فى تنفيذ المخطط الصهيونى لتصفية القضية الفلسطينية جنبًا إلى جنب مع حكومات الغرب الأوروبية وفى مقدمتها بريطانيا التى زرعت إسرائيل فى فلسطين، ثم قامت أمريكا بدور الداعم والراعى لها والضامن لتفوقها الاستراتيجى على كل الدول العربية، ومن ثم فإن إسرائيل دولة وظيفية تقوم بدور الوكيل للقوى الاستعمارية الغربية فى الإقليم، وهو الأمر الذى يُفسّر لماذا صارت دولة فوق القانون وفوق المحاسبة على جرائمها طوال العقود السابقة منذ إنشائها وحتى الآن مع عدوانها على غزة.
>< رغم التكلفة الباهظة التى تكبدها الشعب الفلسطينى فى غزة جراء العدوان الصهيونى الوحشى، فإن مجريات القتال فى شمال ووسط وجنوب القطاع تؤكد أن إسرائيل مهزومة وفشلت فى تحقيق أهدافها من العدوان، إذ لا هى نجحت فى القضاء على حماس ولا هى نجحت فى حرير أسراها بالقوة العسكرية باستثناء من أطلقت حماس سراحهم فى إطار صفقة تبادل الأسرى خلال الهدنة المؤقتة، أما قتل المدنيين العزل والأطفال والنساء فلا يعد انتصارًا ولا يعكس أى بطولة أو شجاعة ولكنه انتقام بالغ الخسة.
>> وفى المقابل فإن حماس هى المنتصرة فى الميدان حتى الآن في المواجهات العسكرية مع قوات الاحتلال المتوغلة بريا وبرشقات الصواريخ المنهمرة على مدن ومستوطنات الكيان الصهيونى والتى ألحقت به خسائر فادحة بقدر ما أصابت الإسرائيليين بالهلع والرعب والهرولة إلى المخابئ كلما انطلقت صافرات الإنذار مع كل رشقة صواريخ، فى نفس الوقت الذى ألحقت فيه كتائب القسام خسائر فادحة بقوات الاحتلال بمقتل مئات الجنود والضباط وتدمير مئات الدبابات والمدرعات والجرافات فى الاشتباكات من المسافة صفر وعلى النحو الذى يؤكد أن انتصارات حماس هى البطولة والشجاعة الحقيقية.
>> لقد فضحت المشاركة الفاعلة لحكومات دول الغرب الأمريكى الأوروبى فى العدوان الصهيونى كذب وصفها بالعالم الحر المتحضر، حيث تأكد أنه عالم استعمارى متوحش وبغيض يفتقد أبسط معايير وقيم الرحمة والإنسانية ويستقوى على الضعفاء وينتهك القانون الدولى مثلما ينتهج شريعة الغاب.
>> ولأن هذا الغرب الأمريكى الأوروبى هو المهيمن فعليا بقوته العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية على العالم فى الحقبة الزمنية الراهنة، فإن الحديث عن المجتمع الدولى وانتقاد صمته من جرائم العدوان الصهيونى الوحشى وإبادة الشعب الفلسطينى وقتل الأطفال على الهواء.. يبدو غير دقيق على الإطلاق، إذ أن وصف المجتمع الدولى تم اختزاله فى هذا الغرب الأمريكى الأوروبى فى غيبة مجتمع دولى آخر وأكبر لكنه ضعيف ولا حول له ولا قوة تمثله بقية شعوب وحكومات العالم.
>> فى ظل هيمنة أمريكا القطب العالمى الأوحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق فى أوائل تسعينات القرن الماضى سقط مصطلح المجتمع الدولى مثلما سقط القانون الدولى ومثلما سقطت الأمم المتحدة.. المنظمة الأممية التى أنشأتها دول الغرب المنتصرة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبحكم أن المنتصر يفرض مصالحه فقد صاغت دول الغرب هذه المنظمة بما يضمن هيمنتها على العالم ويُحقق مصالحها على حساب الشعوب الأخرى حسبما يتضح من عمل مجلس الأمن أعلى جهاز أممى، حيث احتكرت دول الغرب ومعها الصين الشعبية العضوية الدائمة فى المجلس والتى تعطيها الحق فى الاعتراض «الفيتو» على صدور أى قرار يتعارض مع مصالحها، ومن ثمَّ فقد المجلس المنوط به حفظ وإقرار السلم والأمن الدوليين قيمته وأهميته، وحيث سجل تاريخ مجلس الأمن عرقلة أمريكا وبريطانيا وفرنسا قرارات لصالح العرب والفلسطينيين حسبما حدث مؤخرا مع العدوان على غزة، وحتى القرارات الصادرة دون اعتراف فقد فقدت قيمتها لأن أمريكا عطلت تنفيذها دائما.
>> إن الطرح الأمريكى الأوروبى لمبدأ حل الدولتين.. سبيلا لإنهاء الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى يكذِّبه التواطؤ الذى لم يعد خافيًا مع الكيان الصهيونى، وحيث بدا هذا الطرح خداعًا وتضليلا واستهلاكا سياسيا، وهو الأمر الذى يتعين على العرب والفلسطينيين إدراكه والتوقف عن الاستمرار فى الانخداع، إذ لو كانت أمريكا عبر كل إداراتها السابقة حتى إدارة بايدن الحالية جادة فى هذا الطرح طوال أكثر من عشرين سنة فلماذا لم تقم الدولة الفلسطينية حتى الآن؟!
>> ثم إن حل الدولتين طرح مبهم غير واضح وغير محدد، إذ أن الصحيح هو انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية فى الضفة الغربية وغزة التى احتلتها يوم ٥ يونيو عام ١٩٦٧ تطبيقا لقرار مجلس الأمن رقم ٤٢٤ والقرارات التالية ذات الصلة، ومن ثمَّ إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة «غير منزوعة السلاح» فعليا على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشريف.
>> لكن لأن ما تبقى من هذه الأراضى المحتلة بعد التوسع الاستيطانى بإقامة آلاف المستوطنات التى تشعبت واخترقت الأراضى الفلسطينية، فقد باتت مجرد مناطق «كنتونات» منفصلة غير متصلة، غير صالحة لتكون دولة مستقلة إلا بعد استئصال وهدم تلك المستوطنات التى صارت أمرًا واقعًا، لذا فإن حل الدولتين وفقا للواقع على الأرض وبحسب الطرح الأمريكى لا ينطوى فى حقيقة الأمر على إقامة الدولة الفلسطينية الحقيقية وذلك هو مكمن الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية والغائب عن العرب والفلسطينيين، خاصة مع إصرار الكيان الصهيونى منذ قرار التقسيم وحتى الآن على منع إقامة هذه الدولة الفلسطينية فى سياق المخطط الصهيونى لاغتصاب كل فلسطين التاريخية وتهجير شعبها صاحب الأرض وأن يتحول من يتبقى إلى مجرد سكان فى مناطق منعزلة تحت إدارة ذاتية للأمن والشئون الاقتصادية لذا لزم التنويه والتحذير.
وللحديث بقية..