أسامة أيوب يكتب : العدوان الصهيونى على غزة كشف مخطط تصفية القضية الفلسطينية
رغم المجازر الوحشية لاتزال المقاومة منتصرة وإسرائيل مهزومة
"طوفان الأقصى" أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمى
مع تعثر مخطط التهجير.. سيناريوهات متعددة للوضع في غزة
مع الشهر الثانى من العدوان الصهيونى المسعور ضد الشعب الفلسطينى الأعزل فى غزة، فإن قراءة المشهد تقتضى التوقف مليًّا أمام ما جرى ويجرى حتى كتابة هذه السطور صباح الأربعاء الماضى، ومن ثمَّ أمام ما يمكن أن تسفر عنه التطورات في قادم الأيام.
بداية ورغم أنف قلة من المخذِّلين العرب ومنهم الصحفى إبراهيم عيسى فإن عملية طوفان الأقصى التى نفذتها كتائب القسام يوم ٧ أكتوبر الماضى ضد الكيان الصهيونى وداخل معسكرات جيشه والمستوطنات، سوف تبقي حدثًا فارقًا في تاريخ الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى بقدر ما يبقى ٧ أكتوبر يومًا مجيدًا خالدا في تاريخ المقاومة والشعب الفلسطينى كما قلت في مقال سابق، حيث كانت العملية معجزة عسكرية قتالية بكل المقاييس حققها رجال المقاومة الأبطال ببسالة ونجاح منقطع النظير بالنظر إلي الإمكانيات المحدودة المتاحة وسط الحصار مقارنة بقدرات غير محدودة للجيش الإسرائيلى، وفي نفس الوقت فقد أكدت عملية "طوفان الأقصى" أن المقاومة ضد الاحتلال مستمرة ولن تتوقف ولن يقضى عليها كما تتوهم إسرائيل وأمريكا وتوابعها الأوروبيون.
<<<
أهمية عملية «طوفان الأقصى» أنها أخرجت القضية الفلسطينية من غياهب النسيان بعد تراجع الاهتمام العالمى بل العربى بها طوال العقود الماضية، ومن ثمَّ فقد أعادتها إلى صدارة الاهتمام والفضل فى ذلك للعدوان الصهيونى الغاشم، ثمَّ إنها كانت كاشفة وفاضحة لجرائم الإرهاب الصهيونى الذى تبدى جليًا في العدوان وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى في غزة حسبما وثقتها مشاهد قتل المدنيين العُزل وقتل الأطفال والنساء وتدمير القطاع وتحويله إلى أرض غير صالحة للحياة وحيث بلغت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية درجة قتل الجرحى داخل سيارات الإسعاف أمام ما تبقي من مستشفيات وإن كان القصف الجوى سوف يوالى تدميرها.
<<<
أهمية «طوفان الأقصى» أنها لفتت الانتباه إلى جرائم قوات الاحتلال فى الضفة الغربية والتي تزايدت بالتوازى مع العدوان على غزة سواء باعتقال الآلاف وقتل المئات والاجتياحات المستمرة ليلا للبلدات الفلسطينية وهى الجرائم والممارسات التى كانت غائبة عن الرأى العام العالمى في الفترة الماضية.
أهمية عملية «طوفان الأقصى» أيضًا أن هذا العدوان الوحشى الذى شنته إسرائيل علي غزة ثأرًا من هزيمتها النكراء داخل أراضيها وانتقامًا لمقتل نحو ١٥٠٠ من جنودها وضباطها وأسر أكثر من مائتين بقتل أكثر من ١٣ ألف مدنى فلسطينى بينهم أكثر من ألفين تحت الأنقاض.. هذا العدوان أسفر عن إدانة إسرائيل بوصفها دولة إرهابية تنتهك مبادئ القانون الدولى وكذلك إدانة نتنياهو مجرم الحرب بقدر ما أكد إدانة أمريكا لدعمها لهذا العدوان وتشجيع استمراره وعلى النحو الذى أسقط عنها صفة راعية السلام وأكد أنها راعية وداعمة للإرهاب الصهيونى ولاغتصاب الأراضى الفلسطينية المحتلة وقتل الشعب الفلسطينى بدم بارد.
<<<
ولقد جاءت المظاهرات الشعبية الحاشدة غير المسبوقة التي خرجت فى مدن وعواصم الغرب الأمريكى الأوروبى.. في واشنطن أمام البيت الأبيض وفى لندن بأعداد لم تشهدها بريطانيا منذ عقود وذلك للتنديد بالعدوان الإسرائيلى وقتل المدنيين والأطفال والنساء وتدمير وحصار القطاع حصارا شاملا، وحيث امتد التدنديد إلى الرئيس بايدن شخصيا وإلى درجة أن مواطنا أمريكيا من حملة بايدن الانتخابية أكد أنه سوف يعطى صوته لحذائه ولن يعطيه لـ«بايدن».. جاءت هذه المظاهرات التي رفعت أعلام فلسطين لتعكس تحولا وتغيرا كبيرا لافتا لدى تلك الشعوب تجاه الحقوق الفلسطينية وضد الجرائم الإسرائيلية، ومن ثمَّ فقد حققت عملية «طوفان الأقصى» نصرًا كبيرًا للقضية الفلسطينية عجزت عنه كل مفاوضات التسوية طوال عشرات السنين.
<<<
أهمية عملية «طوفان الأقصى» أنها أول هجوم ناجح داخل الكيان في تاريخ الصراع، إذ إن كل الحروب والعمليات العسكرية التى خاضتها إسرائيل كانت تجرى خارج أراضيها، وهو الأمر الذى يعكس بحسب «طوفان الأقصى» أن جيشها جيش هش وأن جنودها وضباطها جبناء يفتقدون شجاعة المواجهة المباشرة ولا يقاتلون إلا من الطائرات أو داخل مدرعات أو خلف جُدر محصنة.
<<<
أهمية عملية «طوفان الأقصى» أنها أوضحت للرأى العام العالمى ولشعوب الغرب الأمريكى الأوروبى أن حركة المقاومة ليست منظمة إرهابية ولكنها حركة تحرر وطنى تقاوم الاحتلال الصهيونى وممارساته الإجرامية العنصرية ضد الشعب الفلسطينى ومن ثمَّ فإن عملية «طوفان الأقصى» جاءت ردًا على تلك الجرائم وسعيًا للتحرر من الاحتلال أى أنها لم تأت من فراغ حسبما عبّر أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة منذ الأسبوع الأول للعدوان الإسرائيلى على غزة والذى وصفه مؤخرًا بأنه حوّل غزة إلى مقبرة للأطفال، بينما لم يستطع مدير «الأونروا» أن يمنع نفسه من الإجهاش بالبكاء على الهواء إزاء مشاهد الأطفال المقتولين وأشلاء جثثهم وإزاء الأيدى والأرجل المقطوعة التي فقدها الأطفال المصابون.
<<<
أهمية عملية «طوفان الأقصى» أنها زلزلت الكيان الصهيونى من الداخل وأسقطت أوهام الجيش الذى لا يقهر وصلابة أجهزته الأمنية وقدراته التكنولوچية لمنع أى تسلل عبر الحواجز الأمنية مع القطاع بقدر ما حطمت غطرسة نتنياهو وأربكت حكومته اليمنية اليهودية المتطرفة جراء الاتهامات المتبادلة بالفشل أمام «طوفان الأقصى»، وحيث يواجه مجرم الحرب نتنياهو غضبًا شعبيًا سوف يسفر عن نهاية مستقبله السياسى ودخوله السجن.
<<<
أما الأهمية الكبرى لعملية «طوفان الأقصى» هى أن حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيونى بعدوانه على الشعب الفلسطينى في غزة وتدميرها وحصارها قد كشفت أو بالأحرى قد عجلت بكشف المخطط الصهيونى الأمريكى الذى جرى الإعداد له منذ سنوات لتصفية القضية الفلسطينية لاغتصاب وضم أراضى الضفة الغربية وغزة لدولة إسرائيل وتهجير الفلسطينيين إلى الأردن وسيناء ومن ثمَّ إنهاء مبدأ حل الدولتين، وهو الأمر الذى يتعين الانتباه له والتصدى العربى بكل قوة وبكل الوسائل لتمرير هذا المخطط حسبما تبدى فى ٬وقف مصر والأردن وفي رفض الفلسطينيين أنفسهم وتمسكهم بالبقاء فى أراضيهم رغم كل جرائم الاحتلال.
<<<
خلاصة القول إزاء هذا المشهد هى أنه رغم المجازر ضد فلسطينيي غزة ورغم قتل الأطفال والنساء ورغم الحصار الشامل ورغم التدمير وعرقلة إنفاذ المساعدات بالقدر الكافي إذ إن ما سمحت إسرائيل بدخوله طوال شهر كامل لا يتعدى ٥٠٠ شاحنة هى ما كانت تحتاجه غزة فى اليوم الواحد، ورغم الجريمة الأحقر بمنع دخول الوفود اللازم لتوليد الكهرباء وتشغيل المستشفيات وعلاج الجرحى الذين يموتون فى الطرقات.. رغم كل ذلك الإجرام فإن إسرائيل لاتزال مهزومة لم تحقق أى نصر حاسم حتى القصف الجوى فإنه لا ينطوى على شجاعة أو بطولة عسكرية وهى هزيمة نكراء مقترنة بالعار وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفى نفس الوقت وفى المقابل فإن الشعب الفلسطينى في غزة رغم القتل والحصار هو المنتصر مرتين.. الأولى بصموده الذى لا نظير له بين كل شعوب العالم والذى يستوجب الانحناء له تقديراً واحتراماً، والثانية ببسالة وصمود المقاومة حتى الآن في مواجهة التوغل البرى داخل غزة وحيث أحرزت كتائب عزالدين القسام انتصاراً على قوات الاحتلال وكبدتها خسائر كبيرة في الأرواح والآليات وعلى النحو الذى أوهن عزيمتها وحيث تفكر عشرات المرات قبل إقدامها على الاجتياح البرى الكامل خشية المواجهة على الأرض.
<<<
ولأنه بدا واضحًا أن إسرائيل ليس لديها حتى الآن رؤية واضحة لمتى وكيف توقف عدوانها، ولأنه فى حالة وقف العدوان ولأن القضاء على حماس حسبما تراهن وتتوهم إسرئيل وأمريكا لن يتحقق، ومع تنديد الرأى العام العالمى حسبما أوضحت مظاهرات أمريكا وأوروبا وأكدت التعاطف مع الشعب الفلسطينى ومقاومته للاحتلال الإسرائيلى، فإنه يبقي السؤال ماذا سيحدث في اليوم التالى أو ماذا بعد؟
غير أنه ما يتم تداوله في الكواليس ليس يشير إلى ثمة سيناريوهات وخيارات متعددة من بينها وضع غزة تحت إدارة دولية أو إقامة إدارة فلسطينية بدون حماس أو إخضاع حكم القطاع للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وهو الاقتراح الذى وافق عليه أبومازن .
<<<
ولأن القضاء على حماس والمقاومة لن يتحقق بكل تأكيد تحت أى ظرف حسبما تتوهم وتراهن إسرائيل ولأن مخطط التهجير يتراجع ويتأجل، ولأن الوضع في غزة المدمرة يبدو شديد الالتباس والتعقيد، فإنه لا أحد من الأطراف.. إسرائيل وأمريكا والعرب أن يحدد ماذا بعد؟
<<<
لكن يبقى مؤكدًا ورغم أنف إبراهيم عيسى أن قتلانا الفلسطينيين فى الجنة وقتلاهم الصهاينة فى النار بحسب عقيدتنا الدينية، ويبقى مؤكدًا أيضا رغم أنف إسلام البحيرى أن إسرائيل إلى زوال بحسب عقيدتنا الدينية أيضا وبحسب ما ورد فى سورة الإسراء في القرآن الكريم.
