”خبير آثار”: القرآن الكريم روي قصص أمهات سجلت بحروف من نور
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن أعظم أمهات سجلت بحروف من نور على جدران الزمن حسب التسلسل التاريخى هن السيدة هاجر وأم موسى والسيدة مريم.
وأوضح الدكتور ريحان أنه عندما قدم إبراهيم عليه السلام إلى مكة مع زوجته هاجر وابنهما إسماعيل أسكنهما بوادٍ غير ذي زرع عند بيت الله المحرم وحيدة مع طفلها وليس بمكة يومئذٍ أحد وليس بها ماء، فوضع عندهما جرابًا فيه تمر وسِقاء فيه ماء، وتركهما.
فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ وقالت له ذلك مرارًا وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا، ولم تمضِ أيام حتى نفد الزاد والماء.
ذهبت السيدة هاجر إلى جبل الصفا فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم ترَ أحدًا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مراتٍ، وهي في غاية ضعفها البدني .
ولكن في غاية الثقة بالله، والله قادر على أن يرزقها الماء من غير جهد ولا عناء، ولكن سنة الله في الخلق أن يرزق العبد بقدر سعيه واجتهاده، ثم تفجرت بئر زمزم بفضل الله، فصارت قوتًا لهما، ورزقهم الله من كل الثمرات والخيرات وجاءت قبيلة يمانية فسكنت مكة، وارتبطت قلوب الناس بمكة ورغب الكثير في الإقامة بها.
وهناك موقع يتم فيه الهرولة حين السعى بين الصفا والمروة وهو الموقع الذى كان يغيب وليدها اسماعيل عن عينيها حين تهبط الوادى بين الجبلين فتهرول حتى تراه أمام أعينها ويسعى كل الحجاج والمعتمرين كما سعت السيدة هاجر ويهرولون موقع هرولة السيدة هاجر.
ثم جاء الاختبار الثانى بعد أن كبر الطفل فى أمر المولى سبحانه وتعالى لسيدنا إبراهيم بأن يذبح ابنه الوحيد إسماعيل "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ" سورة الصافات آية 102.
وامتثلت الأم والإبن لأمر الله ولسيدنا إبراهيم ورموا إبليس بالجمرات حين جاء ليحرضهم على معصية الله ورفض الذبح حتى جاء الفداء استجابة لتسليمهم لأمر الله "وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ " الصافات من 104 إلى 107
ويشير الدكتور ريحان إلى أعظم اختبار تعرّضت له أم موسى حين أمرها سبحانه وتعالى أن تلقى وليدها فى الماء وهذا الأمر ليس بصعب على أى أم فقط بل هو مستحيل، والمولى عالم بهذه العاطفة التى لا تدانيها عاطفة فى الوجود لذلك كان الاختبار مصحوبًا بالنتيجة .
وهى الأمر بأن تلقى وليدها فى الماء ولكن يطمئنها بأنه مردود إليها ليس فقط بل سيكون له شأن عظيم "وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ" القصص 7".
وعاشت ترضع وتربى ابنها دون أن تفصح عن ذلك خوفًا عليه، وخلّدت قصتها فى القرآن الكريم والتوراة وأكرم الله وليدها نبى الله موسى ونجّاه وأهله من كل مكروه
ويتابع الدكتور ريحان قصة السيدة مريم العذراء الذى اصطفاها المولى عز وجل على نساء العالمين.
وعانت قبل أن تلد السيد المسيح من لوم أهلها عن حملها بدون زواج وعانت فى ولادته وحيدة تستند إلى جذع نخلة وحين ولد الطفل أصدر هيرودس أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين خوفًا على ملكه.
ولكن كان الملاك قد ظهر للقديس يوسف النجار في الحلم وأخبره بأن يأخذ الطفل والسيدة مريم إلى مصر، قائلًا: خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلًا وانصرف إلى مصر، كما جاء فى إنجيل متى الإصحاح الثانى.
وينوه الدكتور ريحان إلى أن المقصود بالربوة التي أوت إليها العائلة المقدسة والمذكورة في سورة المؤمنون آية 50 (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)، هي أرض مصر التي لجأت إليها العائلة المقدسة وهى أرض بها نبات.
وبدأت رحلة المعاناة والمشقة فى رحلة السيدة مريم تحمل طفلها الرضيع ودليلهما في الرحلة القديس يوسف النجار واستغرقت الرحلة ثلاث سنوات و11 شهر وقطعت الرحلة بمصر 3500كم ذهاب وإيابًا وقد جاء السيد المسيح وعمره أقل من عام أى جاء مصر طفلًا وعاد صبيًا .
وقد باركت العائلة المقدسة العديد من المواقع بمصر من رفح إلى الدير المحرق تضم حاليًا آثار وآبار وأشجار ومغارات ونقوش صخرية.
وقد جاءت عن طريق شمال سيناء ثم اتجهت إلى الدلتا ثم إلى وادى النطرون فمنطقة حصن بابليون لتأخذ طريقها فى نهر النيل إلى نهاية الرحلة بدير المحرق بالقوصية محافظة أسيوط .
وشملت المحطات بمسمياتها الحالية وكانت لها مسميات قديمة أثناء الرحلة رفح، الشيخ زويد، العريش، الفلوسيات، القلس، الفرما، تل بسطة، مسطرد، بلبيس، منية سمنود، سمنود، سخا، بلقاس، وادي النطرون، المطرية وعين شمس، الزيتون، وسط القاهرة حارة زويلة وكلوت بك،
ومصر القديمة وحصن بابليون، المعادي، منف، دير الجرنوس، البهنسا، جبل الطير، أنصنا، الأشمونين، ديروط، ملوي، كوم ماريا، تل العمارنة، القوصية، ميرة، الدير المحرّق .
وفى طريق العودة مرت العائلة المقدسة على جبل أسيوط الغربي "درنكة" إلى مصر القديمة ثم المطرية فالمحمة ومنها إلى سيناء.
وصورت أيقونات السيدة العذراء تحمل الطفل بمناظر تمثل السيدة العذراء المرشدة حيث تشير بيدها اليمنى إلى السيد المسيح طفلًا، ومناظر تمثل السيدة العذراء الحنونة تحمل السيد المسيح الذى يضع وجه على وجهها تعبيرًا عن الحنان والمعاناة فى طفولة السيد المسيح.