مهدى عبدالحليم يكتب «الفساد عنوانه الجهل والإرهاب»
قد لا يختلف أحد معى على أن تنوع الفساد كفيل بأن يقضى على الأخضر، واليابس فى حياتنا الدنيا، فيجعل من الحياة «عدم»، ومن الوجود «فناء»، ومن التقدم «تخلف»، ومن العلم «جهل»، ومن العمل «بطالة»، ومن النشاط «خمول»، ويكفينى تأكيدا أن الفساد عنوانه الحقيقى هو «الجهل» بالحقوق والواجبات الوظيفية، وهذا الجهل يخفى بين طياته العديد من مظاهر «الإرهاب» الذى يُلحق الضرر بالنفس البشرية، ومن ثم يُدمِر المؤسسات الوطنية التى نحتاج لدورها الوطنى البارز فى بناء الشخصية المصرية السوية.
ولا أتجنى على أحد، فالأمثلة كثيرة بين الأروقة، فهناك مُدير فاسد بطبعه، وآخر مُتخاذل، وثالث صاحب أيد مرتعشة، ورابع يُفكر بعقول الآخرين من الفاسدين حوله، وخامس يتخيل نفسه قائدا بينما مؤهلاته لا تمكنه من رعاية «هرة»، وليس الحكم عليها، بالإضافة إلى أنواع أخرى من المدراء يكفيك أن «تحسب» لهم ساعات معدودة على أصابع اليد الواحدة عند استلامهم زمام الأمور بإحدى المؤسسات للسقوط بها إلى هاوية «الفساد»، وبعيدا عن كل هؤلاء الفاسدين، لا ننكر أن هناك مُدير تجده «حازما»، و«حاسما» فى قراراته وطباعه، ولا يُعطى أذنيه للمغرضين الباحثين عن أقرب فرص للإطاحة به، واقتناص كرسيه، وإسقاط مؤسسته فى «الهاوية» .. وهذا النوع «الحازم» يستطيع بما أوتى من «عقل»، و«ذكاء»، و«وطنية»، و«حكمة»، و«تدبر» أن يعتلى بمؤسسته، بل ويكون مثالا صارخا فى محاربة «الفساد»، و«قطع» رقاب الفاسدين، واجتثاث «الفساد» من جذوره.
ولا أزايد إذ أؤكد أن لدينا بعض المؤسسات التربوية التى تعج بالفساد المتنوع سواء كان «ماليا، أو إداريا، أو أخلاقيا»، وهذا الفساد يصل مردوده العكسى للأجيال والنشء، خاصة أن الطالب يرى فى القائمين على العملية التعليمية المثل والقدوة الحسنة، فما بَالك بالمدير، فأظن أن الطالب يراه المثل الأعلى والعليا، فيكتسب ويتعلم منه دون «تمييز»، فإن كان هذا المدير «صالحا»، تعلم منه الطالب «الصلاح»، وإما إن كان «طالحا»، فاستطاع هذا المدير «الفاسد» أن يُفسد أجيالا كاملة، ومن ثم المجتمع.
والمدير «الفاسد»، يتمتع بالفشل «الذريع»، حيث تحركه «أهواء» الفاسدين من حوله، فتنعكس هذه الأهواء والمصالح على قراراته المصيرية لمؤسسته، وكأنه «ريبوت» يتحكم فيه الغير بـ«الريموت كونترول»، الذى تقبضه أيادى أهل الفساد، والفشل، ممن لا يقدرون «المسئولية»، ولا يعلمون شيئا عن «الوطنية» أو «الانتماء» لذرات تراب وطننا الحبيب «مصر».
وأخشى على مصرنا الحبيبة الغالية، «وطن، ومواطن» من الإساءة التى قد تلحق به جراء «فساد» أمثال هذا المدير الفاسد، الفاشل، حيث إن البعض يحسبه على النظام والحكومة، فيثير «الضغائن» فى نفوس مرؤوسيه، أو يُسهِّل مساعى الجماعات الإرهابية لاستقطاب النشء بسبب فساده الذى يخفيه ويتغافل عنه بعض المعنيين برقابة أعماله ومتابعتها، وتقييمها.
أما عن الفساد المالى، فمؤسساتنا التربوية بها «أموال»، وفى بعضها قد لا يعرف أحد مصير صرفها الحقيقى، ولعل هذه الأموال تدخل المؤسسات التربوية تحت بند «التبرعات» إما من رجال الخير، والجمعيات، والمؤسسات الأهلية، وإما من الأموال التى تفرضها بعض هذه المؤسسات على أولياء الأمور «شرطا» لقبول طلاب العلم بها، وتصل هذه الأموال إلى أرقام «فلكية».
ودون مبالغة، فبعض المدراء يقوم بإثبات هذه الأموال قيمة «توريدا، وصرفا»، وفى المقابل بينما مُدراء آخرين يُثبتون هذه الأموال فى حياتهم الشخصية، و«حافظة» نقودهم فقط، فتنقلهم من حياة «الفقر» الشديد، إلى «البذخ» الكبير، و«الثراء» الفاحش، كل هذا بأموال هى فى الأصل مخصصة للصرف على كل الأنشطة التربوية، لكن تجد الكثير ممن يُفتِى لنفسه بأنها أموال «حلال»، ولا شك فى «حرمانيتها»، وبين عشية وضحاها، تكتشف أن هذه الأموال «فص ملح وداب»، وتبخرت مع «الرياح»، وتسمع بشأنها الروايات التى «تشيب» لها «الرؤوس» و«تقشعر» منها «الأبدان».
وأما الفساد الإدارى، فحدث ولا حرج، فأغلب المدراء الفاسدين، تأخذهم «العزة» بـ«الإثم»، فيظنون أنهم ألو «قوة» و«بأس» شديد، وأصحاب «عزب» ومن يعمل تحت رئاستهم، يعمل فى هذه العزب، فيسيئون استخدام «السلطات» التى خولها لهم «القانون»، فيُحلِون «التزويغ»، و«الإعفاء» من «التوقيع»، للموالين لهم، من حاشيتهم وبطانة «السوء»، ويَحْرمُون مَن يستحق هذا «الإعفاء»، من غير الموالين، كوسيلة ضغط على الملتزمين بمهامهم ورسالتهم السامية، للرضاء بأية قرارات عقابية دون ارتكابهم أية «أخطاء» تذكر، وبالطبع فكل هذا ينجرف بالمؤسسة إلى «الهاوية».
وأما الفساد الأخلاقى، ففيه ترجمة حرفية لتربية المدير الفاسد منذ الصغر، فقد تكون الأموال التى تربى بها من «السُحْت»، حيث تجده يبحث عن تنفيذ «المُؤَامَرَات»، وتحقيق «الاشتباكات» لتعطيل وعرقلة مسيرة المرؤوس «الناجح»، والعمل على «تلويث» سمعته والإساءة لشخصه ببث «الشائعات» من خلال حاشيته «بطانة السوء».
ولا أنكر أن الحديث فى فساد المدير يحتاج إلى مجلدات فالروايات لا تنضب، ولكن الحل أبسط كثيرا مما نتخيل، ولا يحتاج إلا لإعمال «الضمير»، فلو أن كل مسئول رقابى، استخدم «رخصته» التى يكفلها له «القانون»، والتزم بالقسم الذى أقسمه أو لم يقسمه، لأسهم فى تقويم هذا الفساد، ومنعه منعا «باتا» بإنزال العقاب على الفاسد، فيكون هذا العقاب، رسالة مباشرة لكل الفاسدين، بالالتزام، كما أن جميع المرؤوسين «الصامتين» عن «المدراء» الفاسدين فهم «شركاؤه» فى الفساد، وإن كان عقابه عند الله شديد فهم شركاء معه لأن حديث الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم-، فى هذا الأمر، واضحا وضوح الشمس، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن رَأى منكم مُنكرًا فليُغيرهُ بِيدهِ فإِن لم يستطع فبلسانِه فإن لم يسْتطِع فبقلبِه وذلِك أضعفُ الإيمَان»، صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وما يحزننى أن الغالبية العظمى فى قضية مكافحة «الفساد» يبحث عن الموقف الأضعف، مبررا ذلك بأنه لا يمتلك «سلطة»، والغريب أيضا أنه يرى أن تغيير المنكر بالقلب «جهاد» مع الله، ولا يحمل أى نوع من «الضعف».
ورسالتى لكل الجهات المعنية.. «بادروا بالرقابة الحقيقية، لمؤسساتنا قبل فوات الأوان»، «اجتثوا الفساد من جذوره لينعم المجتمع بحياة هادئة مستقرة آمنة»، فـ«الوطنية» تعنى بما لا يدع مجالا للشك، أن نتكاتف ونتوحد من أجل زود المخاطر عن وطننا الحبيب «مصر»، أعزنا الله وإياكم من هذا الفساد الذى قد يؤذى أجيالا كثيرة قادمة.
وللحديث بقية !