أسامة أيوب يكتب : مشاهد من يوم القيامة في زلزال تركيا وسوريا
المجتمع الدولى أمام اختبار إنسانى حقيقى
إذا كان الزلزال المدمر الأعنف منذ نحو قرن من الزمان الذى ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا قد تزلزل الأرض هناك، فإنه قد زلزل فى نفس الوقت نفوس ومشاعر مليارات البشر فى أنحاء العالم الذين شاهدوا ما أحدثه من خراب ودمار كاملين فى الحجر بقدر ما تسبب في مقتل عشرات الآلاف تحت الأنقاض وحيث أدمت مشاهد انتشال الضحايا وإنقاذ الناجين من الموت قلوب العالم.
ولأن أعداد القتلى التي تجاوزت أربعين ألف قتيل في البلدين حتى كتابة هذه السطور مرشحة للزيادة لحين انتهاء الحصر الكامل للضحايا بعد انتشال جميع الجثث من تحت الأنقاض، التى تجرى عمليات رفعها بصعوبة بالغة رغم تدفق المعدات اللازمة من دول العالم خاصة إلى تركيا، فإن المهمة الصعبة التي تواجه السلطات هى دفن الجثث دون تأخير تجنبًا لأضرار بيئية.
الأصعب بعد مشاهد الدمار والخراب وبعد الأعداد الضخمة من الضحايا وبعد الأحزان على هؤلاء هى مشاهد مئات الآلاف من السكان فى العراء فى طقس شديد البرودة إلى درجة الصقيع بلا مأوى ولا حطام ولا وسائل تدفئة وأغطية كافية، ولذا فإن الأمر الضرورى والمُلِّح هو الإسراع بإيواء هؤلاء الناجين المشردين وتوفير المساعدات الإغاثية العاجلة من خيام وغذاء وأغطية ثقيلة وربما ملابس أيضًا.
<<<
المؤسف حتى اليوم الثامن من وقوع الزلزال كان تدفق المعدات والمساعدات الإغاثية والإنسانية إلى تركيا من عشرات من دول العالم، بينما ظلت غائبة تمامًا طوال أسبوع كامل عن شمال غرب سوريا، وحيث وقفت السياسة عائقا أمام الإنسانية إلى أن تحركت الأمم المتحدة بعد أن اعترف ممثلها بخذلان الشعب السورى.
ورغم التحرك الأممى ورغم تدفق المساعدات الإغاثية لمدة ثلاثة أشهر بحسب تصريح ممثل الأمم المتحدة، إلا أن المشهد على أرض الواقع يؤكد أن الأمر سوف يستغرق أكثر من ذلك خاصة في سوريا لتوفير متطلبات الحياة لعشرات الآلاف حتى تعود الحياة الطبيعية.
<<<
أما إعادة الإعمار وإعادة البنية التحتية وآلاف العمارات السكنية والأبنية التى تم تدميرها بالكامل جراء الزلزال فإنها أيضًا مهمة بالغة الصعوبة على الأقل من حيث الوقت خاصة فى تركيا إذ قد تستغرق سنوات وليس سنة واحدة حسبما صرح الرئيس التركى أردوغان، بينما تبدو أكثر صعوبة فى شمال غرب سوريا سواء من حيث الوقت أو التكلفة.
ثم إن مخاطر تلوث البيئة وتلوث مياه الشرب تمثل تحديا كبيرا فى مناطق الزلزال جراء تراكم عوادم إزالة الأنقاض التى تسببت فى عواصف ترابية ملأت الأجواء وهو التحدى الآخر لتجنب تفشى الأمراض والأوبئة.
<<<
إن هذه الكارثة الطبيعية الفادحة جراء هذا الزلزال المدمر بتداعياتها المأساوية المروّعة تضع أو يتعين أن تضع المجتمع الدولي كله وخاصة الدول الكبرى.. الولايات المتحدة ودول أوروبا والصين أيضاً أمام اختبار حقيقى، حيث تستدعى الكارثة المسارعة بتقديم الدعم اللازم والضرورى من منطلق المسئولية الإنسانية الدولية، ولعل الأمر يتطلب قرارًا أمميًا من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظماتها ومجلس الأمن باعتبار أنه مسئول عن إقرار الأمن والسلم الدوليين، وحيث تعد إعادة الحياة إلى طبيعتها فى مناطق الزلزال من عوامل استقرار الأمن والسلم.
<<<
إننى إذ أكتب هذه السطور بعد ثمانية أيام من وقوع الزلزال أجدنى مازلت أتوقف طويلا أمام مشاهد الانهيار والدمار والخراب المأساوية ومشاهد انتشال جثث الضحايا، بينما أدمت قلبى المشاهد الإنسانية المؤثرة لإنقاذ الناجين خاصة الأطفال، وأحسب أن هذه المشاهد سوف تبقى عالقة فى الأذهان ولسنوات مقبلة.
لقد تجلت العناية الإلهية الرحيمة فى بقاء أطفال صغار قيد الحياة لساعات وأيام بينما مات الكبار مثلما تجلت أيضًا فى بقاء سيدة مسنة (٨٣ سنة) على قيد الحياة حتى تم إنقاذها حسبما شاهد العالم على شاشات التليفزيون وعلى نحو لا تفسير له سوى الحِكمة الإلهية وأن لكل أجل كتاب مهما كانت الأسباب.
ولذا فإن هؤلاء الناجين من الأطفال وكبار السن الذين عاشوا تحت الأنقاض لساعات وأيام بين رائحة الموت المحيط بهم وبين الأمل والرجاء فى النجاة.. يحتاجون بالضرورة إلى علاج ودعم نفسى ضرورى حتى يتخلصوا من هول ما جرى لهم قبل وبعد إنقاذهم.
<<<
أما عشرات الآلاف من الضحايا الذين لقوا حتفهم تحت الأنقاض والذين من المتوقع أن تزداد أعدادهم فحسبهم أنهم ماتوا شهداء مثواهم الجنة حسبما جاء فى الحديث الشريف بشأن الموتى تحت الهدم، بل حسبهم أيضًا نجاتهم من معاناة وعذاب الحياة بلا مأوى في برد قارس وبلا حطام ولا تدفئة مثلما حدث مع الناجين، ومن ثمَّ فإنهم أفضل حالا بحسبانهم شهداء رغم الأحزان على موتهم هذه الميتة المؤلمة، ورغم أحزان ذويهم وعائلاتهم وأحبائهم.
<<<
لقد كان مشهد ذلك الزلزال المدمر غير المسبوق منذ مائة عام يشبه مشهد يوم القيامة حيث زلزلت الأرض زلزالها فى جنوب تركيا وشمال غرب سوريا وحيث شاهدنا إحدى علامات الساعة فى حالة موت أم بعد أن ولدت طفلتها التى بقيت حية وتم إنقاذها.. تمامًا كما ورد عن مشاهد ذلك اليوم حيث تضع كل ذات حمل حملها، بل إن مشهد الزلزال كان أصعب من يوم القيامة باعتبار أنه سيكون نهاية الكون والأرض والحياة كلها ولن يبقى إنسان تحت الأنقاض حيًا أو ميتًا.
<<<
لكن يبقى القول الفصل بشأن هذا الزلزال حتى وإن كان مشهده يشبه أو يقترب من مشهد يوم القيامة هو أنه ظاهرة جيولوجية طبيعية قد تكون مدعاة لتذكير البشر بهول ذلك اليوم ولو نسبيًا، لكنه من المؤكد أنه ليس كما يزعم البعض أو يفتى بدون علم غضباً وانتقاماً من الله ولكنه امتحان وابتلاء ليس إلا.
<<<
يبقي أخيراً أن ثمة ملاحظة مهمة بعد هذا الزلزال المدمر وهى أنه الكارثة الرابعة التى ضربت الأرض والبشرية في ربع سنوات.. بداية من كارثة جائحة «كورونا» التى اجتاحت العالم ثم كارثة تغير المناخ ثم الحرب الروسية الأوكرانية بتداعياتها من أزمة طاقة وغذاء وتضخم وركود أصاب العالم كله، حتى داهم الزلزال سوريا وتركيا وإن كانت آثاره وتداعياته المأساوية من نصيب شعبى البلدين فى جنوب تركيا وشمال غرب سوريا فقط.
فى سياق هذه الملاحظة يتضح أنه إذا كانت كارثة الزلزال طبيعية، فإن الكوارث الثلاث الأخرى من صنع البشر الذين يدمرون الحياة فوق كوكبهم، وفي نفس السياق أيضا بدا واضحًا أن العشرية الثالثة من القرن الحالى التى بدأت بجائحة «كورونا» تخبئ الكثير للبشرية ولكوكب الأرض وأن سنواتها ستكون صعبة وسيئة.. وإن بقى الأمل والرجاء في أن يكون القادم من بقية سنواتها أفضل وأهدأ.