أسامة أيوب يكتب : أهمها مؤتمر المناخ والانتخابات الإسرائيلية ومونديال قطر
كل هذه المؤتمرات والانتخابات والمباريات فى نوفمبر الجارى
من المصادفات التي استوقفتنى والتى لا تتكرر كثيراً على ذلك النحو هو أن تجرى كل تلك الفعاليات الدولية والإقليمية وتتجمع في شهر واحد.. حيث شهد شهر نوفمبر الجاري الموشك على الانقضاء أكبر عدد من المؤتمرات والانتخابات ومباريات كرة القدم التى تشهدها العاصمة القطرية الدوحة حاليا ومنذ يوم الأحد الماضى فى أهم وأكبر حدث عالمى يقام كل أربع سنوات منذ عام ١٩٣٠ تحت اسم بطولة كأس العالم «المونديال».
الجديد فى كأس العالم في هذه الدورة بدولة قطر هو أنه يقام للمرة الأولى فى تاريخ البطولة فى الشرق الأوسط وتحديدا فى دولة عربية وهى المرة الثانية التى يقام فيها فى قارة آسيا خلافا لما جرت عليه العادة فى أوروبا وأمريكا اللاتينية.
والجديد أيضا أن بطولة كأس العالم تقام لأول مرة في شهر نوفمبر «فى فصل الخريف» بينما كانت تقام منذ عام ١٩٣٠ في فصل الصيف، وهذا التغيير الذى وافق عليه الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» تم بسبب حرارة الجو المرتفعة فى الصيف فى دول الخليج العربية ومن بينها قطر، وهو الأمر الذي استدعى إقامة البطولة لأول مرة في شهر نوفمبر حيث تتراجع درجات الحرارة المرتفعة.
ثم إن الجديد أيضا بل الأهم وغير المسبوق فى تاريخ بطولة كأس العالم هو ذلك الفوز الساحق والتاريخى الذي أحرزه منتخب السعودية وقت كتابة هذه السطور على منتخب الأرجنتين المرشح الأول للحصول على اللقب وأحد أهم وأقوى المنتخبات طوال دورات تلك البطولة العالمية.
ومن ثم فإن إقامة البطولة في دولة عربية للمرة الأولى، وكذا الفوز التاريخى لدولة عربية على أقوى منتخبات كرة القدم هو أمر من شأنه أن يضفى زخما عربيا على كأس العالم هذا العام في هذه الدورة بقدر ما يدعو للفخر العربى.
أما الجديد والطريف أيضًا فهو أن هذه أول دورة من بطولة كأس العالم تقام فى غياب الملكة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا التي رحلت قبل أسابيع والتى تعد أقدم من البطولة التى بدأت فى عام ١٩٣٠ بينما الملكة من مواليد ١٩٢٦.
وإذا كانت بطولة كأس العالم فى دورتها الحالية بنكهتها العربية هى آخر فعاليات وأحداث شهر نوفمبر الجارى من مؤتمرات وانتخابات حول العالم، فإن مؤتمر القمة العربية الذى عقد بالجزائر أوائل الشهر بعد غياب أكثر من عامين هو أولى الفعاليات عربياً وانتهي عربياً.. وتلك مصادفة أخرى.
<<<
وبعد مؤتمر القمة العربية أول شهر نوفمبر توالت المؤتمرات الدولية والإقليمية التى تصادف انعقادها خلال الشهر وفى مقدمتها قمة مجموعة العشرين التى تضم أغنى عشرين دولة فى العالم والتي عقدت في مدينة «بالى» فى إندونيسيا والتي غاب عنها لأول مرة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية والصراع الروسى الغربى، وفى كمبوديا عقد قادة دول جنوب شرق آسيا وبحضور الرئيس الأمريكى المعروفة باسم «آسيان» مؤتمرهم فى العاصمة بنوم بن، وكان لافتا أن الرئيس الأمريكى جو بايدن أخطأ فى كمبوديا وقال كولومبيا وهى من الأخطاء التى تكررت مؤخرا على لسان بايدن والتى يرجعها المراقبون إلى كبر سنه.
وبينما كانت قمة الفرانكفونية للدول الناطقة بالفرنسية التى عقدت في تونس الأسبوع الماضى هى آخر الموتمرات الدولية فى شهر نوفمبر الجارى وحيث من المعلوم أن مصر تشارك منذ سنوات فى اجتماعات تلك القمة بصفتها مراقباً، فقد سبقها مؤتمر إيباك الذي يضم ٢١ دولة فى بانكوك عاصمة تايلاند.
<<<
غير أن مؤتمر المناخ الذي استضافته مصر بمدينة شرم الشيخ فى الفترة من ٦ نوفمبر حتى ٢٠ نوفمبر بعد أن جرى تمديده يومين آخرين بهدف التوصل إلى توافق حول تنفيذ تعهدات الدول الكبرى بشأن الدعم المقدم للدول الفقيرة الأكثر تضررا من تغيرات المناخ.. يُعد أهم المؤتمرات الدولية التى عقدت فى شهر نوفمبر الجارى على الإطلاق باعتبار أنه أكبر تجمع عالمى حضره قادة ورؤساء حكومات وممثلو أكثر من ١٩٠ دولة.
ثم إنه يُعد أهم نسخة من نسخ مؤتمرات المناخ الـ(٢٦) السابقة باعتبار أنه عقد تحت عنوان مؤتمر التنفيذ بهدف تنفيذ الدول الكبرى لتعهداتها السابقة بتقديم الدعم للتصدى لتغيرات المناخ الكارثية التى أصابت الدول الفقيرة، ولذا فقد انتهت فعاليات المؤتمر بتخصيص صندوق لمواجهة الأضرار والخسائر الناتجة عن الانبعاثات الكربونية التى تعد الدول الفقيرة الأكثر تضررا منها.
<<<
وإلى جانب كل تلك المؤتمرات الدولية وأكبر عدد من مباريات كرة القدم تشهدها بطولة كأس العالم المقامة فى قطر، فقد كان شهر نوفمبر هو شهر الانتخابات حول العالم فى أكثر من دولة كان من بينها الانتخابات في مملكة البحرين والتي تعد تجربة ناشئة وواعدة فى تلك الدولة الخليجية العربية.
وبينما أسفرت الانتخابات البرلمانية المبكرة التى جرت في ماليزيا بشرق آسيا عن فوز المعارضة بزعامة أنور ابراهيم، فقد أسفرت الانتخابات الرئاسية التي جرت فى كازاخستان عن فوز قاسم توكاييف فى تلك الدولة التى كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق.
ومن أقصى الشرق فى آسيا إلى أقصى الغرب فى أمريكا اللاتينية «الجنوبية» أسفرت الانتخابات الرئاسية فى البرازيل عن عودة الرئيس لولا دا سيلفا إلى الحكم مرة أخرى بعد فوزه على الرئيس المنتهية ولايته جائير بولوتار والمتهم بالفساد والديكتاتورية، وبعودة دا سيلفا إلى الرئاسة مرة أخرى فإن البرازيل التى شهدت فى عهده نهضة اقتصادية واجتماعية هائلة بعد أن نجح فى القضاء على الفقر والبطالة والفساد.. تكون قد تخلصت من حكم فاسد وأعادت رئيسا يحظى بشعبية كبيرة بقدر ما يحظى بالحب والاحترام من جموع الشعب.
وفي الولايات المتحدة حيث جرت انتخابات التجديد النصفى للكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ.. كانت المفاجأة هى فشل الحزب الجمهورى في الحصول على أغلبية ساحقة فى مجلس النواب.. على العكس من كل التوقعات، حيث حصل على أغلبية ضئيلة بفارق محدود عن مقاعد الحزب الديمقراطي الذى وإن كان قد خسر أغلبيته السابقة فإن خسارته لم تكن فادحة حسبما كان يخطط ويتوقع الجمهوريون، وفي نفس الوقت فقد ضمن الحزب الديمقراطى الأغلبية في مجلس الشيوخ.
اللافت فى تلك الانتخابات النصفية هو خسارة كل المرشحين من الحزب الجمهورى الذين كان يدعمهم الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو الأمر الذى يلقي بظلاله السلبية على فرصة نجاحه في الانتخابات الرئاسية عام 2024 سعيا للفوز بولاية رئاسية جديدة بعد هزيمته فى الانتخابات السابقة، بل على فرصة ترشيح الحزب الجمهورى له لخوض تلك الانتخابات، خاصة بعدما يتردد داخل أوساط الحزب من غير الموالين له بضرورة تجديد شباب الحزب وترشيح وجوه جديدة، فى نفس الوقت وفى المقابل فإن احتمالات ترشح الرئيس جو بايدن لولاية ثانية تتضاءل يوما بعد يوم بالنظر إلى تقدمه فى السن إذ يعد أكبر الرؤساء سنا فى تاريخ أمريكا.
<<<
وتبقى الانتخابات التشريعية الإسرائيلية واحدة من أهم الانتخابات التى جرت فى شهر نوفمبر الجارى بل إنها الأهم بالنسبة للقضية الفلسطينية والصراع العربى الإسرائيلى خاصة بعد عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم مرة أخرى بعد فوز تكتله اليمينى الذى يضم حزبه الليكود والأحزاب الأكثر يمينية وتطرفا وفى مقدمتها حزب الصهيونية اليهودية بزعامة المتطرف بن غفير الذى يرفع شعار الموت للعرب والداعى لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الخارج.. فى الأردن!!
إن فوز تكتل اليمين المتطرف فى تلك الانتخابات من شأنه أن يزيد من وتيرة المواجهات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة مع تزايد إجراءات القمع والاجتياحات وقتل الشباب، بقدر ما يزيد من تعقيد القضية الفلسينية بحيث تتراجع كثيراً فرصة حل الدولتين وإلى أجل غير مسمى.
<<<
وسط زخم تلك الأحداث الدولية والإقليمية التى جرت فى شهر نوفمبر الموشك على الانقضاء يبقي أن إقامة بطولة كأس العالم في دولة قطر التى نجحت نجاحا مبهرا فى تنظيم المسابقة العالمية بشهادة الجميع مع الفوز الكبير للمنتخب السعودى.. هى الحدث الأهم الذى من شأنه أن يكون شهر نوفمبر شهرا عربيا بامتياز.