د.محمد فراج يكتب : قمة شرم الشيخ «لحظة فارقة» فى جهود إنقاذ كوكبنا (٢)
الدول الصناعية تتكلم كثيرًا وتدفع قليلا.. وأفريقيا أكبر الخاسرين!
ذكرنا فى مقالنا السابق أن انسحاب الرئيس الأمريكى السابق ترامب من اتفاقية باريس للمناخ قد ألحق ضررًا كبيرًا بالجهود المبذولة لمواجهة التغيُّرات المناخية، ومثَّل نكسة لهذه الجهود. ولذلك فقد قابل العالم بالترحيب إعلان الرئيس الحالى بايدن عودة الولايات المتحدة للالتزام باتفاقية باريس، ومشاركته فى قمة جلاسجو العام الماضي COP26، والالتزامات التي أخذتها واشنطن على عاتقها فى مجال مواجهة التغيٌّرات المالية.
وكانت مشاركة بايدن فى قمة شرم الشيخ Cop27 والخطاب الذى ألقاه في القمة، والخطاب المطول الذى ألقاه أمام القمة محل ترحيب دولى أيضًا، وخاصة فيما يتصل بالالتزامات التى تعهدت بها الولايات المتحدة تجاه قضايا التغيُّر المناخى، سواء فيما يتصل بخفض الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحرارى «بما فيها خفض انبعاث غاز الميثان بنسبة ٣٠٪ حتى عام ٢٠٣٠، وخفض الانبعاثات عموما بنسبة ٥٠ - ٥٢٪ بحلول عام ٢٠٣٠، والتزم واشنطن بمضاعفة دعمها لدول العالم النامى فى مجال مواجهة التغيُّر المناخى لتصل إلى ١١ مليون دولار سنويا بحلول عام ٢٠٢٤، بالإضافة إلى ٣ مليارات لدعم جهود التكيف المناخى فى الدول النامية.
وأعلن بايدن عن دعم بلاده لمصر بمبلغ ٥٠٠ مليون دولار لمساعدتها على إنتاج عشرة آلاف ميجاواط من الطاقة المتجدِّدة بحلول عام ٢٠٣٠. وخفض الانبعاثات الناتجة عن إنتاج خمسة آلاف ميجاواط من الطاقة الكهربائية التقليدية المنتجة حاليا، كما أعلن عن تقديم مساعدات أقل بكثير لعدد من بلدان العالم النامى، وخاصة أفريقيا «الأهرام ــ ١٢ نوفمبر ٢٠٢٢».
ملاحظات على خطاب بايدن
وللوهلة الأولى تبدو هذ المساهمات سخية.. إلا أن مراقبين كبارا في مجال المناخ «وخاصة من منظمة (جرين بيس/ السلام الأخضر) الدولية الشهيرة والنافذة أبدوا تحفظات مهمة على خطاب بايدن، فى مقدمتها:
١ - أنه تجنب الإشارة إلى تعهد أمريكا السابق بالعمل على التخلص التدريجى من الوقود الأحفورى، باعتباره مصدر الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحرارى.
٢ - كما أشاروا إلى أن أرقام المساعدات التى أعلن عنها بايدن، أقل بكثير من تعهدات أمريكا السابقة، في قمة جلاسجو، بتوفير ١٧ مليار/ سبعة عشر مليار دولار) سنويا من أصل (مائة مليار) تعهدت الدول الصناعية الغنية بتقديمها للدول النامية سنويا، فى قمة جلاسجو العام الماضى.
٣ - كما انتقد هؤلاء المراقبون عدم تطرق بايدن لملف تمويل «التعويضات عن الخسائر والأضرار» التى تلحق بالدول النامية بسبب التغيُّرات المناخية السلبية الناتجة أساسًا عن الانبعاثات التى تصدرها الدول الصناعية المتقدمة والغنية. ومعروف أن هذا الملف هو بند جديد على أجندة مؤتمرات المناخ، نجحت الدول النامية فى إدراجه على أجندة Cop 27بعد جهود طويلة.
والأمر الأسوأ هو ما أشار إليه هؤلاء المراقبون من أن الدول الصناعية الكبرى ــ وعلى رأسها الولايات المتحدة ــ تعرقل الجهود المبذولة فى قمة شرم الشيخ من أجل الاتفاق على إنشاء «صندوق التعويضات عن الخسائر والأضرار» التي تتكبدها الدول النامية، بالرغم من أن الدول الصناعية الغنية كانت قد وافقت على إدراج هذا البند على أجندة القمة «الشرق الأوسط ــ ١٣ نوفمبر ٢٠٢٢».. وبالرغم من إقرار شخصيات أمريكية رفيعة المستوى مثل جون كيرى وزير الخارجية الأسبق، ومبعوث الرئيس الأمريكى للمناخ حالياً، بأن الدول العشرين الكبرى هى المسئولة عن ٨٠٪ من الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحرارى، وأن ١٥ مليون نسمة يموتون سنويا في البلاد النامية أساسًا، بسبب الاضطرابات والكوارث المناخية الناشئة عن هذه الانبعاثات! (اليوم السابع، ١١/ ١١/ ٢٠٢٢)
خسائر أفريقية فادحة
وإذا كانت الدول العشرون الأغنى والأكثر تقدمًا وعلى رأسها أمريكا والاتحاد الأوروبى والصين وغيرها تتسبب فى ٨٠٪ من الانبعاثات وهى المتسبب الأول في الكوارث المناخية المترتبة على الاحتباس الحرارى، فإن الدول النامية هى التى تدفع الثمن الأفدح لهذه التغيُّرات.. وفى الوقت نفسه فإنها هى الأقل إنتاجًا للانبعاثات، كما أنها هى الأقل قدرة على مواجهة العواقب الوخيمة للمتغيرات المناخية السلبية.
وتشير دراسة علمية مقدمة إلى مؤتمر شرم الشيخ نشرتها جريدة «الجارديان» البريطانية وعرضتها جريدة الأهرام المصرية بدرجة كبيرة من التفصيل إلى أن القارة الأفريقية البالغ عددها ٥٤ دولة يمثل سكانها (خمسة عشر بالمائة/ ١٥٪) من سكان العالم، تُسهم بأقل من (أربعة بالمائة) من الانبعاثات المتسبِّبة فى الاحتباس الحرارى، بينما تُسهم الصين «بسبعة وعشرين/ ٢٧٪» والولايات المتحدة «بخمسة عشر بالمائة/ ١٥٪» ودول الاتحاد الأوروبى «بسبعة عشر/ ١٧٪» بينما تتعرض الدول الأفريقية للجانب الأكبر من الخسائر المترتبة على الاحتباس الحرارى وكوارثه المناخية، من سيول وفيضانات وجفاف وتصحُر..إلخ، الأمر الذى يهدِّد بفقدان القارة السمراء ٦٤٪ من ناتجها المحلي الإجمالى (أى حوالى الثلثين على مدار القرن الحالى)، بينما تواجه ثمانى دول منها هى «السودان وموريتانيا ومالى والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وچيبوتى والصومال» خطر فقدان (٧٥٪ ــ أى ثلاثة أرباع ــ من ناتجها المحلى الإجمالى، ويواجه عشرات الملايين من البشر فى القارة الأفريقية عموما أخطار المجاعة، ويضطر كثيرون منهم إلى النزوح داخل بلادهم أو الهجرة خارجها بحثًا عن لقمة العيش والمأوى «الأهرام، ١٧/ ١١/ ٢٠٢٢».
وبديهى أن ما يحتاجه هؤلاء قبل كل شيء، هو التعويض عن الخسائر والأضرار الفادحة التى يتعرضون لها دون ذنب جنوه.. وتقديم كل أشكال المساعدة الاقتصادية والإنسانية الممكنة لهم.. وبالطبع انتهاج الدول الصناعية لسياسات فى مجال الطاقة والمناخ من شأنها تقليل الانبعاثات، وصولا إلى وضع «صفر انبعاثات» بحلول عام ٢٠٥٠، والحيلولة دون ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار ١.٥ درجة مئوية، بما يعنيه ذلك من تطوير الطاقة النظيفة والمتجددة..إلخ.
ويستدعى هذا إقامة صندوق دولي لتعويض الدول الفقيرة والمتأثرة بالنتائج السلبية للتغيُّر المناخي.. وهو صندوق يجب أن تكون موارده ضخمة بكل معنى الكلمة، فضلا عن الالتزام القائم بدفع المساعدات المقررة «مائة مليار دولار سنويا» التى سبق لنا الحديث عن وجوه إنفاقها «الأموال - ١٣ نوفمبر» وفيما سبق من هذا المقال.
لذلك فإن عرقلة إنشاء هذا الصندوق أو إقامته بموارد رمزية أو ضعيفة أمر يمثل جريمة فعلية في حق شعوب القارة الافريقية، والدول المعرضة للكوارث المناخية فى جنوب آسيا وفى أمريكا اللاتينية.. وهو تعبير عن انعدام الشعور بالحد الأدنى من المسئولية الإنسانية، ومثل ذلك بالطبع تقاعس الدول الصناعية عن انتهاج سياسات في مجال الطاقة والمناخ تؤدى إلى خفض الانبعاثات طبقا للاتفاقات الدولية السابق الحديث عنها.
ونكتب هذا المقال قبل يوم من انتهاء قمة شرم الشيخ وصدور بيانها الختامى، ولذلك فإننا لا نستطيع تقييم نتائج القمة.. وهذا ما سنحاول فى مقالنا القادم بإذن الله.. ويظل الأمر الأكثر أهمية فى جميع الأحوال هو التزام الدول الصناعية الكبرى والغنية بما سيتم الاتفاق عليه حتى وإن كان دون المأمول.. وألاّ يكون مصير التزاماتها فى شرم الشيخ هو نفس مصير تلك الالتزامات الصادرة عنها في قمة جلاسجو..
وللحديث بقية..