أسامة أيوب يكتب : الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين «كورونا» و«باريت»
قبل سبعة عشر يوماً من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى الثالث من شهر نوفمبر المقبل، وبينما يترقب العالم النتيجة مثلما يترقبها الأمريكيون أنفسهم، فإن الولايات المتحدة بإعلامها ومؤسساتها وحزبيها الكبيرين.. الجمهورى والديمقراطى سوف تظل واقفة على قدم وساق فى انتظار ما يسفر عنه ذلك السباق الانتخابى «الماراثونى» شديد الإثارة بين المرشحين المتنافسين.. الرئيس الحالى دونالد ترامب «الجمهورى» الذى يصارع من أجل الفوز بولاية ثانية ومنافسه جو بايدن «الديمقراطى» نائب الرئيس السابق باراك أوباما.
>>>
رغم تراجع فرص ترامب فى الفوز بحسب استطلاعات الرأى والتى يصفها بأنها زائفة ومسيسة، إلا إنه ماض قدماً فى تزكية نفسه من خلال حملته ومؤتمراته الانتخابية التى سارع إلى استئنافها بكل قوة بعدما أعلن شفاءه من كورونا وأنه لم يعد ناقلاً للعدوى، وحيث بدأ بالفعل فى صحة جيدة، وهو الأمر الذى يثير الشكوك فى حقيقة إصابته والتى أراد بالإعلان عنها إثبات أنه بسبب قوته الجسمانية تمكن من الانتصار على الفيروس بقدر ما استهدف فى نفس الوقت التقليل من خطر تفشى الوباء فى أمريكا ومن ثم الاستهانة بالإجراءات الاحترازية التى اتسم بها أداؤه طوال الفترة الأخيرة ومنذ تفشى الوباء.
لذا فإن هذا السيناريو الذى أداه ترامب منذ إعلانه عن إصابته ودخوله المستشفى ليوم واحد وخروجه فى اليوم التالى فى جولة بالسيارة لتحية أنصاره ثم عودته السريعة إلى البيت الأبيض وإعلانه عن أنه تلقى علاجاً «رائعاً».. «لم يتم إعطاؤه للأمريكيين المصابين!».. هذا السيناريو بدا نوعاً من الشو السياسى الانتخابى ولايزال مثيراً للشك والريبة ولغزاً لم يتم التوصل إلى حقيقته.
>>>
المثير أن ترامب الذى حرص على تمرير هذا السيناريو بكل ما ينطوى عليه من شكوك وألغاز سواء بشأن إصابته أو شفائه السريع، فإنه حرص فى نفس الوقت على تكرار التذكير بما يعتبرها إنجازات يصفها بأنها لم تتحقق فى عهد أى رئيس سابق!
ثم إنه فى ذروة حملته الإنتخابية لم يفته أن يواصل هجومه على منافسه بايدن والذى يصفه بأنه ألعوبة في أيدى الشيوعيين!، أما تحذيره من أن فوز بايدن مرشح الديمقراطيين سوف يحول أمريكا إلى اشتراكية وأنها سوف تنهار، فقد جاء بمثابة محاولة أخيرة ومستميتة بالغة التأثير فى المجتمع الأمريكى والدولة الأمريكية القائمة على فلسفة ونهج الاقتصاد الحر، وهى المحاولة التى تستهدف سحب أكبر عدد من مؤيدى بايدن وكذلك الناخبين المترددين لصالحه.
>>>
على الجانب الآخر فى الحزب الديمقراطى فإن جو بايدن ماضٍ قدماً هو الآخر فى حملته الانتخابية حيث يواصل فضح ترامب خاصة فشله فى إدارة جائحة كورونا وهو الفشل الذى أودى بحياة نحو ربع مليون أمريكى وإصابة عدة ملايين وهى أعلى معدلات إصابة ووفيات فى العالم، وهذه الكارثة الصحية التى تعرضت لها أكبر وأقوى دولة وأكثرها تقدماً علمياً دفعت بايدن إلى استغلالها فى هجومه على ترامب باعتبار أنه يتحمل المسئولية الأولى بسبب استهانته بالفيروس والتقليل من خطورته وإلى درجة أنه شخصياً رفض ارتداء الكمامة بل شجع الأمريكيين على عدم ارتدائها فى نفس الوقت ظل يسخر من بايدن لارتدائها، ولا شك أن هجوم بايدن على ترامب سبب كورورنا يأتى بمثابة ضربة انتخابية قوية قد تكون السبب المباشر فى سقوطه فى الانتخابات وخروجه من البيت الأبيض.
>>>
وبالتزامن مع انتقادات كبار الأطباء من خارج البيت الأبيض والعديد من خبراء الفيروسات والعلماء لصحة التقارير الطبية التى صدرت عن أطباء ترامب، فقد جاء تشكيك بايدن فى إعلان ترامب عن شفائه التام خاصة أن البيت الأبيض تحول إلى بؤرة للوباء بعد إصابة العديد من الموظفين ومساعدى ترامب المقربين بالفيروس.. يزيد من شدة الضربات التى يتلقاها ترامب فى الأيام الأخيرة القليلة، وفى هذا السياق لم يفت بايدن أن يعطى ترامب درساً قاسياً وهو ضرورة احترام العلم والعلماء وتحذيرات الأطباء .
>>>
إضافة إلى جائحة كورونا وفشل ترامب فى إدارتها ومسئوليته عن تفشيها، فإن ثمة ما يمكن وصفها بـ«جائحة» أخرى تواجهه وسيكون لها دور مهم فى الانتخابات، وهى قضية القاضية إيمى بارست التى اختارها لشغل المقعد الشاغر فى المحكمة العليا، والتى من المؤكد أن مجلس الشيوخ بأغلبيته الجمهورية سوف يصدق على تعيينها قبيل موعد إجراءات الانتخابات الرئاسية.
ورغم أن قرار ترامب بتعيين هذه القاضية أمر يتيحه القانون والدستور، إلا أن المواءمة السياسية والنزاهة الرئاسية كانت تقتضى تأجيل القرار لما بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، خاصة أنها تنتمى إلى اليمين المحافظ المؤيد للجمهوريين ولترامب.
إصرار ترامب على تمرير قرار تعيين القاضية إيمى باريت أشعل معركة برلمانية ساخنة داخل مجلس الشيوخ بين الأغلبية الجمهورية والأقلية الديمقراطية، حيث يتجه النواب الجمهوريون إلى المصادقة على القرار قبل الانتخابات بأيام قليلة بينما يصارع النواب الديمقراطيون لإقناع الآخرين بالتريث فى التصديق لما بعد الانتخابات باعتبار أن التصديق المتعجل يصادر حق الرئيس الفائز فى الانتخابات والذى قد يكون بايدن.
الأمر الآخر الذى أثار غضب الحزب الديمقراطى ومرشحيه بايدن هو أن تعيين إيمى باريت المتعجل من شأنه أن يزيد من أغلبية القضاة المتماهين مع الحزب الجمهورى واليمين الأمريكى داخل المحكمة العليا والتى تضم تسعة قضاة، وبذلك سيكون العدد ستة مقابل ثلاثة لصالح الحزب الجمهورى.
ولأن القاضية إيمى باريت المعروفة بمعارضتها لقانون أوباما كير للرعاية الصحية الذى يستفيد منه ملايين الأمريكيين، فإن الديمقراطيين يتوجسون من إقدام المحكمة العليا على إلغاء القانون والذى يعارضه وينتقده دائماً الرئيس دونالد ترامب.
فى انتظار ما تسفر عنه الانتخابات بعد أقل من ثلاثة أسابيع، فإنه من غير الممكن إغفال أن «كورونا» و«إيمى باريت» ستكون من عاملين مهمين فى النتيجة سواء بفوز ترامب أو فوز بايدن.