السينما المصرية فى 130 سنة .. أفلام المقاولات أول أسباب الأزمات بعد الانفتاح الاقتصادى
السينما المصرية فى 130 سنة "7"
سينما المقاولات أول أسباب الأزمات بعد الانفتاح الاقتصادى
الأزمات والحلول- 1
الأمير أباظة: على الدولة أن تقوم بما هو منوط بها للنهوض بصناعة السينما
كأي صناعة في مصر واجهت السينما أزمات ومطبات وعراقيل كثيرة جعلتها تتراجع إلى مستويات بعيدة من التدني بل والانحدار والانحطاط أحياناً، وبعد أن كانت تحتل مكانة عالية في الاقتصاد المصري ولها وضعها في الشرق الأوسط بل والعالم أجمع، أصبحت على شفا حفرة تكاد تسقط بلا رجعة.
راجت السينما في مصر كصناعة مدرة للربح ناهيك عن الشهرة والسلطة، وهو الثالوث الذي يجذب الطامعين فيه، فكان أن دخل المجال كل من كان يملك المال ولا يملك الشهرة والسلطة، فكانت نكبة على السينما.
في النصف الثاني من السبعينيات ومع الانفتاح الاقتصادي وجد فئة كبيرة من التجار ورجال الأعمال ضالتهم في السينما كاستثمار مربح في زمن أصبح فيه البيزنس هو لغة العصر، فدخل في الإنتاج تجار الخردة والجزارين وتجار الفاكهة وغيرهم من الفئات التي وجدت معها المال والتف حولهم المتسلقون والمنافقون والمستفيدون من هذه الفئة التي أرادت أن توجد لنفسها مكاناً في الدولة فلم تجد إلا طريق الشهرة كي تصل إلى النفوذ والسلطة، فظهرت أفلام أطلق عليها الوسط السينمائي أفلام المقاولات وساعد على انتشارها هجرة الكثير من الفنانين إلى لبنان للعمل هناك في ظل المناخ الفاسد في نهاية الستينيات، لكن سرعان ما أدرك السينمائيون حجم الكارثة المقبلة عليها السينما المصرية فحمل جيل الثمانينيات على عاتقه عبء العودة بالسينما إلى سابق عهدها وتراجعت قليلا أفلام المقاولات ومع دخول التسعينيات عادت موجة أفلام المقاولات مرة أخرى حتى ظهر جيل جديد من الممثلين روجوا لسينما الشباب الفئة المستبعدة من فكر السينمائيين في ذلك الوقت واستمرت هذه الموجة حتى العام 2010 لتدخل السينما بعد ثورة يناير النفق المظلم وتنسحب شركات الإنتاج جميعاً عدا شركة أو اثنتين من ساحة الإنتاج السينمائي.
بدأ المهتمون بوضع السينما يحاولون أن يشخّصوا الحالة المتأزمة للسينما ويضعوا روشتة علاج لها، يقول الناقد الأمير أباظة، رئيس الاتحاد العام لجمعيات وأندية السينما العربية، في أحد حواراته الصحفية إن مشكلات السينما في مصر قديمة، سواء في الإنتاج أو التوزيع، إضافة إلى أزمة الإنتاج مؤخرا، وهو ما يستدعي تدخل الدولة لدعم قطاع السينما مادياً وفنياً.
وأضاف أباظة أن البعض يضغط لزيادة المسموح به من نسخ الأفلام الأجنبية، وهذا معناه أن الفيلم المصري لن يجد مكاناً في دور العرض.
السينما المصرية تعاني من أزمة منذ البداية، فهي إذن أزمة متواصلة ومتوارثة من مدة طويلة.. نحن نعاني من أزمة في التوزيع، وفي الإنتاج، وأزمات متعددة أخرى.
لكن أنا متفائل، لأن هناك من جيل الشباب من يقدم سينما مختلفة ومتطورة، والتقدم التكنولوجي الذي حدث أعطى الفرصة للكثيرين، فالكاميرات الآن أصبحت بجودة عالية وفي متناول الجميع، وهناك من يستطيع صناعة فيلم بكاميرا هاتف «الموبايل» أو «اللاب توب» الخاص به، ولهذا أنا متفائل بأن مستقبل السينما لم يعد في خطر.
السينما هي فن الشباب، بمعنى أن النجم عندما يكبر يبتعد ويتراجع ليقوم بالدور الثاني أو الثالث، ويأتي الشباب ليتصدروا الدور الأول، وعليه فالنجوم ليس فيهم أزمة بل تقدموا في العمر، وعلى السينما في هذه المرحلة التي تحاول فيها أن تخرج من عباءة الماضي وترتدي عباءة المستقبل أن تقدم فناً مختلفاً.
وأيضا التأليف لا توجد فيه أزمة.
ربما هناك أزمة إنتاج بعد ثورة 25 يناير 2011، وقبلها كانت الأزمة الاقتصادية العالمية في 2009، وقد جعلت هذه الأزمة بعض المنتجين أو المشاركين في الإنتاج يسحبون أموالهم، ثم دخل الإنتاج الخليجي على الخط لفترة ولكنه انسحب.
والحل الأمثل في رأيي- والكلام للأمير أباظة- هو عودة الدولة لدعم الإنتاج السينمائي، وهو حل حقيقي يقيم صناعة سينمائية، والحلول الفردية لا تبني صناعة، وبالتالي لا بد من عودة الدولة لممارسة دورها وأن تعود للإنتاج بشكل ما، مثلاً عن طريق شركة قابضة تضم تراث السينما والأفلام القديمة والاستوديوهات والمعامل.
وحول الأفلام التي تنتج تجارياً بحجة أن الجمهور يريد ذلك يقول أباظة: هناك من يرى أن الفن محاكاة للواقع كما يريد أن يراه هو، وأنا لست من أنصار هذا الرأي، لأن عرض أفلام بها مثلا أسلحة بيضاء وألفاظ بذيئة وسلوكيات خاطئة قد يدفع المشاهدين إلى تقليدها، فلماذا لا يقدم هؤلاء نموذجا جميلا حتى يقتدي به الآخرون؟! يجب أن يقدموا سينما ودراما لا تضر بالمجتمع.
أما عن الأفلام الإباحية، فلا توجد سينما في مصر فيها هذا المعنى، وهناك رقابة تمنع ذلك، ولكن هناك ألفاظ أو مشاهد قد تؤذي الذوق العام، وهذه مسئولية الفنان نفسه الذي يقول أنا أحاكي الواقع، وهذا ليس محاكاة بل هو تقديم لواقع مرير نحن لا نحبه.
ويرى أباظة أن الحل للخروج من أزمة السينما يقع على عاتق الدولة فعليها أن تقدم الدعم للمساعدة على إنتاج الأفلام، وأيضاً لأن السينما تحتاج إلى دعم لوجيستي من استوديوهات ومناطق تصوير، وغيرها.
وهناك مشكلة أخرى وهي أن الأماكن الأثرية والسياحية والمطارات وغيرها تطلب مبالغ وإيجارات باهظة للساعة الواحدة، وهذا يؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج، والأماكن الأثرية والتاريخية ومعالم البلد لم تكن تستنزف المنتج للتصوير فيها قديماً، أما الآن فهي تستنزف وتجهد القائمين على الفيلم، وبعض المنتجين لا ينتجون عند الدولة بل يذهبون بعيداً، وحتى الأفلام الأجنبية التى كانت تأتي للتصوير في مصر بدأت تذهب إلى المغرب مثلاً للتصوير هناك.
ومنذ سنين وهناك لجان تجتمع وتضع حلولاً للمشاكل، وفي النهاية لا يحدث أي جديد!
ولأن قضية أزمة صناعة السينما أصبحت قضية الساعة الآن وضع القائمون على معرض القاهرة الدولي للكتاب على عاتقهم مهمة وضع الأزمة في بؤرة الحدث لإيجاد الحلول لها فكانت الندوة التي أقامها المعرض بعنوان «كيفية النهوض بالسينما المصرية» واستضاف فيها المنتج هاني فوزي والسيناريست ناصر عبدالرحمن والمنتج محسن صلاح.
«السلطة تخشى السينما وتشعر بالخوف منها» هكذا اختصر المخرج هاني فوزي أزمة السينما بمصر، والتي شهدت تراجعاً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، حيث بات إنتاج الأفلام يقل من ثمانين إلى أربعين فيلماً، والآن أصبح عشرين فيلماً فقط في السنة، وفق أحد المنتجين المصريين.
وقال فوزي إن «السلطة غير قادرة على التعامل مع الحرية والإبداع، والسينما تواجهها دائما بالعيوب وتناقش المشكلات والأزمات، ولذا فالرقابة قائمة حتى تعطلنا عن كل إبداع!».
وتساءل المشاركون في الندوة عن أوجه أزمة صناعة السينما في مصر: هل هي أزمة نصوص وأدب، أم صناعة اقتصادية وإنتاج، أم نجوم وترويج، أم أزمة سياسة تمر بها السلطة والمجتمع المصري في السنوات الأخيرة، أم كل هذه الجوانب معا؟.
ودعا فوزي إلى «إلغاء جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وإعطاء السينما مساحة أكبر من الحرية والجرأة والإبداع».
كما طالب بضرورة أن تدعم الدولة الإنتاج السينمائي، وأن يقدم المنتجون أعمالاً فنية بممثلين من الشباب الصاعدين، بعيداً عن النجوم الكبار، لأن هذا جانب مهم لإثراء الحياة الفنية.
ويعترف الكاتب والسيناريست ناصر عبد الرحمن بأنه «توجد في مصر بالفعل أزمة صناعة سينما، حيث شهدت هذه الصناعة تطورات هائلة وصلت إلى بعض الدول العربية والأفريقية، ولم تعد التكنولوجيا سرا، بينما لا تزال عندنا في أزمة».
ويؤكد أن عناصر إنتاج أي فيلم سينمائي- المتمثلة في الإنتاج والصناعة والفنانين والتوزيع- تشكو من غياب الترابط في الحالة المصرية، ووصف ذلك بأنه أحد جوانب أزمة الفن السابع في مصر التي كانت رائدة في ذلك المجال طوال عقود طويلة.
وذهب المنتج محسن صلاح الدين بعيداً في تشخيص حالة السينما في مصر، وقال إن أزمتها استحكمت في السنوات الأخيرة، لأن الدولة لم تعد تعترف بأهميتها في الجذب السياحي والتعريف بالوطن وإبراز الوجه الحضاري له، وهذا ما جعل «إنتاج الأفلام يقل في السنوات الأخيرة من ثمانين إلى أربعين فيلماً، والآن أصبح عشرين فيلماً فقط في السنة». وأشار محسن صلاح الدين إلى أن دعم الدولة للإنتاج أصبح محدوداً للغاية، وهذا يؤدي إلى نفور المنتجين من إنتاج الأفلام ذات التكاليف الباهظة. وقال صلاح الدين إن «أزمة السينما المصرية تعود- في جانب منها- إلى افتقادنا للروايات الأدبية لكبار الكتاب والروائيين، فأين في أيامنا هذه من هم في قامة نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس، وغيرهم؟».