الحكومة تعلن التقشف والغلابة يدفعون الثمن
هل يتم خفض الدعم أم لا، جملة أثارت الجدل منذ فترة ليست بالقليلة، وكأنها كانت بالون اختبار ترسل به الحكومة إلى الشعب من حين لآخر لبيان وقياس ردة الفعل تجاه هذا الأمر.. وفى كل مره كانت ردود فعل المواطنين تنذر بكارثة أو بثورة جياع مما يجعل الحكومة تتراجع وتؤكد أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة.. ولكن بين الحين والآخر والمواطن المصري يعيش في قلق.. فالظروف الاجتماعية والحياتية تكاد لا تكفى متطلباته اليومية واحتياجاته الأساسية..
ولكن بعد رفض الرئيس السيسى التوقيع على إقرار ميزانية الدولة إلا بعد خفضها أصبح قرار خفض الدعم أمراً لا يخرج عن كونه مسألة وقت فقط.. ولكن الأهم من ذلك هل هذا القرار صدر فى التوقيت المناسب أم لا ؟ وهل هذا القرار سيكون بالفعل فى صالح مستقبل مصر.. ردود فعل مختلفة أثارها قرار الرئيس السيسى بضرورة البحث عن بدائل وبالمقابل قررت الحكومة برئاسة المهندس إبراهيم محلب رفع الدعم رويداً رويداً عن بعض السلع والخدمات والوقود.. الأموال رصدت ردود الفعل المختلفة حول هذا القرار فى سياق التقرير التالى..
البداية كانت أثناء حضور الرئيس السيسي لحفل تخرج الدفعة 108 حربية، وأوضح خلال كلمته بأنه رفض إقرار الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2014/2015، معللا رفض الموازنة بسبب ارتفاع نسبة العجز بشكل كبير، وهو ما سوف يرفع من إجمالي الديون إلى 2.1 تريليون جنيه، مشيرًا إلى أنه طلب من الحكومة تخفيض العجز في الموازنة.
ويذكر أنه بلغ حجم الإنفاق العام بمشروع الموازنة العامة نحو 8.7 مليار جنية بزيادة قدرها 65 مليار جنية عن الموازنة المعدلة للعام المالي الحالي أي بنسبة نمو تقارب 10%، بينما بلغ حجم الإيرادات العامة 517 مليون جنيه، وهو أقل من الإيرادات المقرر تحصيلها هذا العام، بحيث شهد هذا العام ورودا استثنائيا من المنح والمساعدات الخارجية، والتي بلغت قيمتها 20 مليار دولار في حين أن جملة المنح المدرجة على مشروع الموازنة 2.4 مليار دولار فى صورة منح نقدية وبترولية حتى أغسطس 2014.
ووصل العجز الكلي فى مشروع الموازنة العامة للعام المالى الجديد إلى نحو 288 مليار جنيه أو ما يعادل 12% من الناتج المحلى.
قرارات الحكومة
وعقب تصريحات الرئيس السيسى أصدر مجلس الوزراء برئاسة المهندس إبراهيم محلب بعض القرارات التى من شأنها خفض عجز الموازنة ومن المنتظر عرضها على الرئيس لإقرارها، أما على المستوى الشعبي، انقسمت ردود الأفعال بين اتجاه قاده العديد من الشخصيات للتبرع لدعم اقتصاد مصر أسوة بالسيسي، واتجاه آخر لأصحاب المصالح الخاصة لرفض التبرع بل وبيع نصيبهم من الأسهم فى البورصة، ما أدى إلى تراجع كبير فى مؤشرات البورصة الأسبوع الماضى .
وعقب هذه التصريحات، شهدت مصر عدة ردود أفعال اقتصادية من جانب الحكومة والمستثمرين والمواطنين وهي:
أولا: من جانب الحكومة:
صرح السفير حسام القاويش، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، أن المجلس وافق على الاقتراحات التى قدمها «هانى قدرى دميان»، وزير المالية لتخفيض العجز فى مشروع الموازنة للعام المالى 2014/2015.
وأضاف القاويش أن خطة وزير المالية تتضمن خفضاً إضافياً فى مخصصات بعض الوزارات والتمثيل التجاري والدبلوماسي وفقا لنتائج تقرير لجنة تخفيض التمثيل الخارجي لمصر وبعض الإجراءات لتحصيل المتأخرات الضريبية والقضاء على التهرب الضريبي والجمركي وتحصيل مستحقات الدولة لدى الغير والمزيد من ضبط الإنفاق فى الموازنة بما سيوفر للدولة مليارات الجنيهات، وبعض الإجراءات الأخرى الخاصة بإصلاح منظومة الدعم عبر تدشين نظام البطاقات الذكية لمراقبة استهلاك الوقود فى المحطات ومراقبة توزيعه مع تحريك تدريجي لأسعار الوقود من بنزين وسولار للصناعات كثيفة الإنتاج، وأيضا شملت الإجراءات زيادة رفع أسعار الكهرباء للشرائح الأعلى استهلاكا، وضبط منظومة بيع الخبز، بالإضافة إلى موافقة مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن الحد الأقصى للدخول للعاملين بأجر لدى أجهزة الدولة، والذي ينص على ألا يزيد صافي الدخل الذي يتقاضاه أي شخص يعمل لدى الجهاز الإداري بالدولة عن 35 مرة ضعف الحد الأدنى وبما لا يتجاوز 42 ألف جنيه شهريا وهو ما ينص عليه الدستور، والاتجاه نحو إلغاء عطلة يوم السبت الفترة المقبلة.
وفى سياق متصل، صرح الدكتور مصطفى عبد القادر، وكيل أول وزارة المالية ورئيس مصلحة الضرائب، أنه لا نية للتراجع عن إقرار مشروع قانون الضريبة على الأرباح الرأسمالية وتوزيعات الأرباح النقدية فى البورصة والذى كانت قد وافقت عليه الحكومة ورفعته إلى رئيس الجمهورية لإقراره.
وأشار «عبد القادر»، أن القانون لم يشهد تعديلات جديدة بعد إحالته للرئيس وأنه تم الاتفاق قبل إحالة مشروع القانون على إعفاء الأسهم المجانية دون حد زمني أدنى لاحتفاظ المستثمر بها ورفع حد الإعفاء على التوزيعات النقدية إلى 15 ألف جنيه.
ثانيا: البورصة
تراجعت مؤشرات البورصة لتصل إلى أدنى مستوياتها فى الثلاثة أسابيع الأخيرة مع تراجع جماعى مدفوع بعمليات بيع من قبل المستثمرين المصريين والأجانب مسجلين صافى بيعى 736,580 مليون جنيه مما أدى إلى خسارة رأس المال السوقى للأسهم المقيدة فى البورصة نحو 4.8 مليار جنيه، فى حين مالت تعاملات المستثمرين العرب نحو الشراء، فيما انخفضت مؤشرات الأسهم الصغيرة والمتوسطة (EGX70) بنسبة 1,23% إلى 576014 نقطة ، وامتدت الخسائر لتشمل المؤشر الأوسع نطاقا (EGX100) بنسبة 1,24 أو مايعادل 1012,38 نقطة ليصل إلى 1012,39 نقطة.
من جانبه، قال إيهاب رشاد، الرئيس التنفيذى لدى مباشر للخدمات الدولية، إننا كنا نتوقع استمرار التراجعات لكن هذا التراجع ليس سببه هذه التصريحات فقط، وإنما التفجيرات التى شهدتها مصر طوال الأسبوع الماضى فى بعض محطات مترو الأنفاق وميادين أخرى وقصر الاتحادية هو ما أثار مخاوف المستثمرين من احتمالات عودة الاضطرابات الأمنية مجدداً.
ثالثا: استجابة المصريين لمبادرة السيسي
لاقت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى بشأن الموازنة العامة للدولة بالإضافة إلى تبرعه بنصف ثروته ونصف راتبه الشهرى لدعم الاقتصاد المصر قبولا كبيرا من قبل بعض المواطنين والإعلاميين ورجال الأعمال وكثيرا ممن أعلنوا تبرعهم أسوة بالسيسى، فبعد تصريحات السيسى بساعتين أعلن التليفزيون المصرى أنه تقرر فتح حساب لدى البنك المركزي المصري برقم 37037 لتلقى التبرعات من أبناء الشعب المصري لدعم الاقتصاد الوطنى.
أهم ملامح خطة انقاذ الاقتصاد وخفض الموازنة
قال إبراهيم محلب رئيس الوزراء المصري إن الحكومة قررت خفضت دعم المواد البترولية نحو 40 بالمئه في الموازنة المعدلة التي أقرها الرئيس السيسى الأسبوع الماضى، وسترفع أسعار الكهرباء للشرائح العليا هذا العام بين 15 و20 بالمئه.
وأعلنت وزارة المالية أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وافق علي ميزانيه معدله تتضمن عجزا أقل للسنة المالية 2014-2015 في أول خطوه علي الطريق نحو تقشف اقتصادي مؤلم.
وكان حجم دعم الطاقة 104 مليارات جنيه في مشروع الموازنة الذي عرضته الحكومة في مايو قبل أن يطلب السيسي مراجعته. وبلغ دعم الطاقة في الموازنة المعدلة للسنة المالية 2013-2014 حوالي 134.3 مليار جنيه.
وتوقع محلب أن تستمر أزمة نقص إمدادات الكهرباء لمده عامين وقال أن مصر تستهدف إلغاء دعم الطاقة تماما خلال ثلاث سنوات.
وقال محلب في تصريحاته: “هناك تحريك لأسعار الكهرباء بالنسبة للشرائح العليا تدريجيا خلال 5 سنوات وسوف تزيد بنسبة من 15 إلي 20 بالمئه هذا العام. “نتحدث عن توفير 40 مليار جنيه (في دعم الطاقة) من اصل 104 مليارات جنيه... دعم الطاقة خلال 3 سنوات فقط سيكون صفرا”.
وتتسبب أزمة نقص الغاز المتفاقمة في مصر في انقطاع الطاقة بشكل متكرر ومتزايد مع إقبال المواطنين علي تشغيل أجهزه تكييف الهواء لمواجهة حر الصيف.
وقالت وزاره المالية إن عجز الميزانية الذي يبلغ 240 مليار جنيه ستكون نسبته عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنه بعجز متوقع نسبته 12 في المئة في ميزانيه السنة المالية 2013-2014.
وأسعار الطاقة في مصر من أقل الأسعار في العالم إذ تنفق الحكومة التي تواجه نقصاً في السيولة أكثر من 20 بالمئه من الميزانية علي دعم الطاقة.
ويعيش نحو 25 مليونا من سكان مصر تحت خط الفقر.
وأضاف محلب إن موعد تحريك أسعار المواد البترولية “ لا يعلمها أحد ولن يعرف احد بها حتى تعلن.” لكن رصدت الأموال بعض الشواهد التي تؤكد اتجاه الحكومة إلى إقرار خفض الدعم عقب عيد الفطر مباشرة تجنبا لغضب المواطنين.
أكدت تقارير صحفية أجنبية أن المستكشفين في مجال الطاقة في مصر يتوقعون وضع قيود على أسعار الطاقة المحلية، لدفع الاستثمارات الجديدة في مجالات النفط والغاز الطبيعي.
وأضاف تقرير نُشر بموقع بلومبيرج المعني بالشئون الاقتصادية ، أن هناك توقعات بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيعطي وعوداً بتخفيض الدعم بأكثر من 20 مليار دولار سنويا.
وأوضح التقرير أن هذه التغييرات سوف تتيح للحكومة أن تخفض عجز الميزانية وتدفع الأموال المستحقة الموردين للحصول على الوقود، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ضرورية لتستطيع مصر أن تجذب المستثمرين مرة أخرى بعدما خرجوا من البلاد بسبب الاضطرابات الأخيرة، في محاولة من الحكومة لزيادة الصادرات وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة المحلية.