الحصاد الاقتصادى المر لـ«فتنة أسوان».. إلغاء معظم الحجوزات السياحية بسبب الخوف من تجدد الاشتباكات
دائمًا وأبدا يكون الاقتصاد المصري هو الخاسر الأكبر في كل الأحداث السياسية التي تشهدها مصر، الاشتباكات والاحتجاجات أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ويسعى الاقتصاد المصري ومعه كتيبة المقاتلين من الاقتصاديين للسباحة وسط الأمواج المتلاطمة من الأحداث السياسية والحوادث الإرهابية التي تعصف بالأخضر واليابس.. وأخيرا وليس أخرا جاءت المدينة السياحية الجميلة أسوان، لتطل علينا منها فتنة من نوع جديد ربما تكون سابقة لم نعتدها من أهل أسوان المشهور عنهم الطيبة الشديدة والكرم.. شرارة الأحداث بدأت بمعاكسة من احد الشباب من قرية بني هلال وقرية الدابودية.. لتنطلق بعدها شرارة الأحداث الانتقامية والإجرامية التي أتت علي كل شئ وكانت حصيلتها 26 قتيلاً وعشرات الجرحى والمصابين، ناهيك عن فرض حالة الطوارئ واختباء الأهالي داخل المنازل والظلام الدامس الذي شهدته محافظة أسوان بالإضافة إلي الخراب السياحي والاقتصادي الذي طال المدينة نتيجة الغاء كافة الحجوزات والخوف من تجدد الاشتباكات.. »الأموال« رصدت بالكلمة والصورة الخسائر المادية والبشرية في محافظة أسوان الجميلة.
شرارة الأحداث
»عبارات مسيئة تطعن في شرف عائلتين بمدينة أسوان«، كانت عنواناً كتبه طلاب مدارس لا يتجاوز أعمارهم العشرين عاما، وتحرش أحد الطلاب لفظيا بإحدى الفتيات »وفقا لبيان وزارة الداخلية« كانتا السبب الرئيسي للأزمة، لتسبب بركاً من الدماء ما بين رجال ونساء وأطفال.
تفاصيل الأحداث، بدأت عندما قام طالبان ينتمون إلى عائلة »الدابودية« بمدرسة الثانوية الصناعية نظام خمس سنوات باستغلال جدران المدرسة لتصفية خلافات بينهما وبين عدد من عائلة »الهلايل«، وكتبوا عبارات مسيئة تطعن فى شرف العائلة الأخرى، فأراد طلاب »الهلايل« الانتقام، فاستعانوا بمجموعة من الشباب خارج المدرسة، فحاولوا اقتحام المدرسة والفتك بالطالبين، إلا أن طلاب المدرسة الصناعية تصدوا لهم بالحجارة وتبادل الطرفان الاشتباكات، وتعطلت الدراسة.
بعدها بعدة أيام، انتشرت العبارات المسيئة على جدران المنازل والشوارع بــ«نجع الشعبية« بالسيل الريفى دائرة قسم ثان أسوان، فأراد أطراف »الدابودية« الانتقام وأثناء تجمهرهم عقب صلاة الجمعة، فتح أبناء »الهلايل« النيران بالأسلحة الآلية على أبناء »الدابودية« فأسفرت الأحداث عن سقوط 3 قتلى بينهم سيدة، وإصابة 23 آخرين، تم نقلهم إلى مستشفى أسوان الجامعى لتلقى العلاج اللازم.
* ولكن لم تهدأ الأمور وتدخل أنصار كل طرف للانتقام وسادت حالة من الكر والفر والعنف بين الطرفين مما أدى لارتفاع أعداد الضحايا ليبلغ 26 قتيلاً وعشرات المصابين في المستشفيات
** أحداث أسوان تضيف لخسائر البورصة 7.7 مليار جنيه ومؤشرها يتراجع 2.3%، ووفقا لأحداث العنف التي شهدتها أسوان فقد تأثر الاقتصاد المصري بشكل مباشر وغير مباشر، فعلي سبيل المثال تراجعت مؤشرات البورصة خلال تعاملاتها مدفوعة بمبيعات واسعة النطاق من جانب المستثمرين المصريين، وسط سيطرة حالة من الضبابية حول التداولات نتيجة عمليات التفجيرات الأخيرة بمحيط جامعة القاهرة من جهة، وأحداث أسوان من جهة أخرى مما دفع المستثمرين لتخفيف مراكزهم المالية بالسوق لحين اتضاح الرؤية.
وخسرت البورصة نحو 7.7 مليار جنيه خلال التعاملات وسط هبوط حاد للأسهم القيادية فى السوق. وهبط مؤشر البورصة الرئيسى
»إي جي إكس30« بنسبة 2.3% مسجلاً مستوى 7524.12 نقطة، وفى نفس السياق هبط مؤشر الأسهم المتوسطة »إي جي إكس70« بنحو 1% إلى مستوى 568 نقطة.
وبلغت قيمة التعاملات نحو 1.3 مليار جنيه من خلال 34 ألف صفقة بيع وشراء على أسهم 190 ورقة مالية ارتفع منها 21 ورقة مقابل تراجع 145 ورقة، بينما ثبت إقفال 14 ورقة مالية عند الإغلاق.
وقال محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أن حده عمليات التصحيح السعرى وموجة الهبوط بالبورصة تزايدت في ضوء استمرار الاندفاع البيعى للمتعاملين الأفراد وهو ما افقد مؤشرات البورصة مكاسبها المبكرة وسط سيولة متوسطة في التداولات.
الكساد السياحي يضرب المحافظة
سيطرت حالة من الكساد على مدينة أسوان بجنوب مصر، على خلفية الاشتباكات الدامية التي وقعت بين قبيلتي الدابودية والهلايل ووفق أبناء المدينة التي تعتمد على السياحة كمصدر رئيس للدخل، فإن أحوال أسوان تراجعت كثيرًا منذ ثورة 25 يناير. غير أن الأزمة الأخيرة جعلت الوضع أكثر سوءًا.
خيبة أمل
ويؤكد محمود، وهو أحد العاملين في مجال السياحة، أن هذه الفترة من العام كانت تشهد رواجًا كبيرًا، خاصة مع اقتراب أعياد شم النسيم.
ويضيف كنا نتوقع قدوم كثير من الزوار خلال هذه الفترة، وكانت هناك أنباء عن وجود تعاقدات لا بأس بها لأفواج أجنبية خلال أعياد شم النسيم إلا أن الحادثة الأخيرة خيبت آمالنا، وأصابت الموسم في مقتل«.
تراجع كبير
ويؤكد ياسين النوبي (عامل مطعم) أن المبيعات تراجعت بنسبة تقترب من 75%، بعد الاشتباكات، خاصة أن أغلب المواطنين يلتزمون منازلهم في ساعة مبكرة من الليل خوفا من اندلاع أعمال العنف لأن الجميع يعلم أن قبيلة الهلايل تحاول فرض سطوتها على الجميع، بينما يسعى النوبيون إلى طرد الهلايل من أسوان نهائيًا.
ويضيف هذه الحالة من القلق والترقب انعكست سلبًا على كل من يعتمد عملهم على البيع والشراء«.
كما تراجعت نسبة الإشغال في الفنادق بشكل كبير، كما يقول »عمر النوبي« الذي يعمل في فندق قريب من أحد المواقع الأمنية.
ويؤكد »عمر« أن حالة الوجود الأمني المكثفة حول الموقع الأمني القريب من محل عمله »أقلقت النزلاء، وجعلت كثيرين ينهون حجزهم ويبحثون عن أماكن بعيدة عن المتاريس والمدرعات والجنود«.
ولفت إلى نسبة الإشغال ضئيلة بصفة عامة ولا تصل إلى 20% أغلبها من السياح المحليين، إلا أنها تضاءلت أكثر بسبب أزمة الدابودية والهلايل، على حد تعبيره.
وتشتهر المحافظة السياحية الشهيرة ببيع بعض المواد المحلية وهي منتجات يعتمد تسويقها في المقام الأول على الوافدين، ولا يكاد المتجول في أسواق المدينة يجد أي أقبال على محلات بيع هذه المنتجات.
وفي السياق ذاته، توقفت البواخر النيلية والفنادق النيلية عن العمل بشكل شبه كامل بسبب الظروف الأمنية للمحافظة.
فقد توقفت الرحلات النيلية داخل المحافظة، وكذلك الرحلات التي كان يتم القيام بها بين محافظتي أسوان والأقصر، بسبب الغياب الأمني والعنف الذي يشهده الشارع من حين لآخر.
ويأمل أصحاب المحال التجارية والفنادق والعاملون بمجال السياحة في التوصل إلى حل سريع للأزمة التي شملت الجميع.
تجدر الإشارة إلى أن أسوان التي تبعد عن العاصمة بنحو ثمانمائة كيلومتر، تحتل مكانة هامة في خريطة السياحة العالمية، حيث تضم عدة معالم سياحية شهيرة أهمها السد العالي وجزيرة النباتات وجزيرة فيلة ومعبد أبو سمبل ومعبد كلابشة ومقابر النبلاء ومتحف النوبة والمقابر الفاطمية ومعبد كوم إمبو.
أرجع حزبيون وسياسيون، الاشتباكات الدامية التي وقعت في أسوان على مدى الأيام الماضية، بين قبيلتى »بنى هلال« و«الدابودية«، وخلفت نحو 26 قتيلا، إلى »غياب الدولة، وعدم مبادرة الأمن بالتحرك لمحاصرة العنف«، مطالبين بالتصدي لانتشار السلاح بين المواطنين، تفاديا لتكرار حوادث مماثلة. وذهب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، عبد الغفار شكر، إن الاشتباكات العنيفة، التي تفاقمت في أسوان، بسبب »غياب الدولة عن المجتمع« وقال: »المحافظ ومدير أمن المحافظة، لم يتحركا سريعا لمنعها«، مضيفا، أن المجلس دعا فرعه فى سوهاج، إلى تقصى الحقائق فيما حدث، وإعداد تقرير بشأنه.
وتابع قائلاً: الأزمة الكبيرة وقعت بسبب تراخى أجهزة الدولة فى التعامل مع المشكلة، فأسوان ليس بها حكومة، وعلى الأمن مواجهة تدفق السلاح القادم من ليبيا، التي حولها إلى سوق لتجارة وبيع السلاح.
وقال بيان للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إن أجهزة الدولة: »فشلت فى احتواء الأزمة ومعالجة المشكلات الحقيقة التي أدت لتفجرها، مشيرا إلى أن الدولة عجزت عن مواجهة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة قطاع السياحة على محافظة أسوان، التي أصبحت من أفقر المحافظات على مستوى الجمهورية.
وأضاف: أجهزة الأمن تقاعست عن القيام بدورها الأساسي في حفظ الأمن والحد من انتشار السلاح بين السكان، واقتصرت جهودها على الأمن السياسي ومطاردة تظاهرات الإخوان وحلفائها وإغلاق طريق الكورنيش لحماية مديرية الأمن، بينما تركت شباب المحافظة فريسة لانتشار السلاح والمخدرات والفقر والبلطجة، الأمر الذي أدى لتوسعة رقعة الخلاف ليشمل جميع العشائر النوبية ولازدياد عدد الضحايا بشكل ملفت.
وحذر الحزب من الاعتماد على الحلول العرفية فى مواجهة هذه المشكلات، فقد أثبت مرارا وتكرارا أنها لا تؤدى سوى إلى المزيد من إهدار سيادة القانون وهيبة الدولة.
وفى السياق نفسه، طالب بيان موقع من حزب الدستور و«التيار الشعبي« وأحزاب أخرى، بالإسراع بوقف الصراع القبلي الدائر في أسوان بين قبائل دابود النوبية والهلايل. وذكر الحزب فى بيان له أن محافظة أسوان تشهد صراعا قبليا عنيفا بين النوبيين والهلايل، فى منطقة السيل الريفى.
واعتبر البيان أن الدولة أسهمت فى تفاقم سوء الوضع الذي تشهده أسوان، بسبب »تعاملها مع المحافظة الحدودية على أنها ملف أمنى وحسب، متناسية تعقيد التركيبة الديموغرافية للمحافظة، إلى جانب سيولة الأوضاع بشكل عام، وفى المناطق الحدودية بشكل خاص مما سمح بدخول كميات كبيرة من السلاح، وأدى ذلك إلى تغول بعض العائلات أو الأفراد، خاصة فى ظل تقاعس الدولة عن القيام بدورها فى نشر السلم والأمن فى المجتمع.
مطلوب برنامج اقتصادي قوي وعاجل لأسوان
وطالب وزير التخطيط الدكتور أشرف العربي بتبني برنامج اقتصادي عاجل لخدمة أبناء أسوان، وكذلك توفير فرص عمل لأبناء محافظة أسوان من خلال المشاريع السريعة، على أن تتكفل الدولة بتعويض المتضررين، وبناء المنازل التى تم إحراقها.