حدادا علي شهداء الوطن... مصر تتشح بالسواد
أحداث مثيره شهدتها الذكري الثانية لموقعة محمد محمود بالتحرير .. البداية كانت تبدو احتفالية رقيقة وأكثر من رائعة.. البعض كان يمني نفسه بأجواء مثل التي شهدناها في ثوره 30 يونيو خاصة وأن يوم 19 نوفمبر كان يوافق عيد ميلاد الفريق السيسي ولكن يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة وبعض المندسين كان لهم رأي آخر، التخريب طال كل شيء المحلات التي أغلق أصحابها الأبواب خشية التحطيم.. سيارات المواطنين الأبرياء .. الميدان الذي تكلف الملايين من أموال الشعب المصري لإعادة تشجيره وتجميله وتم افتتاحه في أجواء احتفالية جميلة .. لم يستمر علي حاله سوي ساعات معدودة بعدها تغير كل شيء للأسوأ، ولم ينته المشهد عند هذا الحد بل فوجئت مصر بعمليات إرهابية خلال 24 ساعة أودت بحياة جنود وضباط بالإضافة إلي فاجعة مصر في فلذات أكبادها الذين راحوا ضحية الإهمال تحت قطار دهشور ومازالت العمليات السوداء تتوالي لتحصد شباب الوطن..
بدأت بوادر سوء النوايا تظهر ليلة 19 نوفمبر عندما هاجم المئات النصب التذكاري الذي دشنته الحكومة بميدان التحرير لإحياء ذكري شهداء محمد محمود ثم قاموا بتحطيمه، ويلوح في الأفق أن كل شيء كان مجهزا ومعدا مسبقاً الخطة كانت واضحة المعالم للجميع وهي إظهار الوضع الأمني بمصر في أسوأ صورة ورصد ما قد يقوم به الأمن ضد المواطنين، ولنعد إلي قراءة المشهد من بدايته.
في البداية صباحاً أحيا الآلاف من طلاب الجامعات في عدد من المحافظات الذكري الثانية لأحداث »محمد محمود«، وسط مظاهرات للطلاب المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، تنديدًا بالجيش والشرطة والفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي.
وتظاهر المئات من طلاب جامعتي أسيوط والأزهر من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، والمؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي في الذكري الثانية لأحداث محمد محمود، مرددين هتافات مناهضة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية، وسط إجراءات وتمركزات أمنية كبيرة.
وطوقت تشكيلات من الأمن المركزي مدعومة بالسيارات المصفحة التابعة للشرطة، مداخل ومخارج جامعتي الأزهر وأسيوط، لمنع خروج المتظاهرين، ووقعت اشتباكات بين أفراد من الأمن الجامعي والطلاب المتظاهرين، وقام خلالها طلاب »الإخوان« برشق سيارات الشرطة والأمن المركزي بالحجارة، ما أجبر قوات الأمن علي إطلاق القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم.
وتمكنت تشكيلات من الأمن المركزي من إلقاء القبض علي ما يقرب من 34 طالبًا في محيط شارع الأزهر، وعند موقف السيارات، أثناء مطاردات بين الشرطة والطلاب في محيط «النصب التذكاري» بالمحافظة.
وتزامنت مع وقفة «6 إبريل» وقفة أخري لحركة «طلاب ضد الانقلاب»، المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين، للمطالبة بإسقاط ما وصفته بـ«الانقلاب العسكري».
من ناحية أخري خرجت مسيرة ضمت العشرات من الطالبات المؤيدات للفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، بنفس الكلية، ورددن هتافات مؤيدة له من بينها «عبد الناصر قالها زمان.. الإخوان ملهومش أمان».
شرارة الأحداث
عندما أشارت عقارب الساعة إلي الواحدة ظهراً وتحديداً أثناء انعقاد القمة العربية بالكويت بدأت عمليات الكر والفر ومحاولات الهجوم علي المنشات والمباني الحكومية ووسط الأجواء الملبدة بالغيوم كان الأمن يحاول ضبط النفس قدر المستطاع حتي حاول بعض المتظاهرين اقتحام مبني جامعة الدول العربية فتصدي له الأمن بقوة ومنع المتظاهرين من الوصول إلي المبني .. المشهد كان عبثياً اختلط فيه الحابل بالنابل لا نعلم من مع من ضد من.. بعد عدة ساعات من الكر والفر وإطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع نجحت قوات الأمن من السيطرة علي الميدان وإخراج المتظاهرين منه وألقت القبض علي عدد كبير من المخربين الذين تم ضبطهم وبحوزتهم الخرطوش والمولوتوف والحجارة وبعض الأسلحة النارية والذخيرة.
وصرحت وزارة الداخلية في بيان رسمي لها بأن عددًا من المحتجين بميدان التحرير حاولوا اقتحام مقر جامعة الدول العربية بتحطيم زجاج عدد من نوافذ واجهة المبني، فقامت قوات الأمن بالتعامل معهم باستخدام القدر المناسب من الغاز المسيل للدموع وتمكنت من إبعادهم.
وأشاروا إلي أن الاشتباكات أسفرت عن إصابة العشرات بالاختناق والخرطوش، وانتقلت سيارات الإسعاف لنقل المصابين. وكالعادة يكون الاقتصاد المصري هو الخاسر الأكبر.
المحلات أغلقت أبوابها
حالة من الخوف سيطرت علي أصحاب المحلات الواقعة بالقرب من ميدان التحرير، بل وتوقف عدد كبير منها تماما عن العمل، بسبب الاضطرابات السياسية مما كبدها خسائر ضخمة.
وقد رصدت «الأموال» الحركة الشرائية بتلك المنطقة قال أمير عزمي «صاحب محل أدوات كهربائية ومكتبية بالتحرير» إنه يفكر بكل جدية في عرض محله للبيع، نظرا لانعدام حركة البيع والشراء التي سببتها الأحداث السياسية المتتالية، معربا عن أسفه الشديد لوصول المبيعات التي كان يحققها يوميا 30 ألف جنيه قبل الثورة لتصل إلي الصفر، مؤكدا أنه أصبح من النادر الإقبال علي الشراء مما انعكس علي الحالة الأسرية لأصحاب المحلات والذين اعتمدوا منذ الثورة علي مدخراتهم السابقة للإنفاق إلا أن هذه المدخرات نفدت ولم يعد سوي الإفلاس أو الهجرة إلي خارج مصر خيارا أمام العديد منهم.
واستكمل المشهد محمد علي صاحب كشك بالقرب من السفارة الأمريكية قائلا، إن حالة السكون التي سيطرت علي معظم مناطق مصر ومنها جاردن سيتي تسببت في خسائر كبيرة، لافتا إلي أنه كان يحقق مبيعات يومية تتعدي 2000 جنيه إلا أن اليوم لم تحقق حصيلة مبيعاته سوي 100 جنيه.
وأشار حسن حسني صاحب مكتب عقارات بحي جاردن سيتي إلي أن الإقبال علي إيجار الشقق والمحلات كان يتعدي أحيانا 100% قبل الثورة لافتا إلي الحساسية الشديدة التي يشهدها هذا القطاع العقاري خاصة بالمناطق الحيوية والمركزية التي كانت تسجل أعلي أسعار لتوافد المقبلين عليها خاصة السياح، وهو ما تراجع تماما مسجلا نسبة لا تتعدي 20% مما كانت عليه سابقا، مشيرا إلي انه يتم الآن عرض الشقة للإيجار في الشهر مقابل 3 آلاف جنيه بدلا من 7 آلاف جنيه نظرا لحالة العزوف من المؤجرين عن الإيجار واعتبار مصر مؤخرا منطقة أحداث ملتهبة دوليا.
وأشار أصحاب المحلات إلي أن قرار الحكومة بغلق المحلات قبل منتصف الليل والذي أرجئ العمل به، نظرا للظروف الحالية لو طبق لم يكن له هذا الأثر السيئ علي الأرزاق، لافتين إلي أن حالة القلق والذعر التي تسببها الاضطرابات كانت الأقوي والأكثر مرارة باعتبارها نوعا من الإجبار علي الغلق.
وقالوا إن الباعة الجائلين هم المستفيد الأول في مثل هذه الأحداث، حيث إن تحقيق المحلات لخسائر بسبب الغلق يسبب المكاسب للباعة الجائلين مما يؤدي إلي لجوء المزيد منهم إلي الميدان للكسب السهل والسريع وسط الأحداث والمعتصمين والأجواء التي تسود الميدان دون ضوابط.
خزانة الدولة تتكبد خسائر لافتتاح الميدان
كما أعربت محافظة القاهرة عن أسفها لقيام بعض الأشخاص بإتلاف حجر الأساس للنصب التذكاري لشهداء ثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013 والذي وضعه الدكتور حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء.
وقد أكد د. جلال السعيد أن إعادة افتتاح ميدان التحرير بعد كل ما لحقه من تخريب تحملته خزانة الدولة وقد كبد الدولة ملايين الجنيهات لتجميله ورصفه وإعادة افتتاحه مرة أخري ولكن جاءت بعض العناصر المخربة لتضيع كل هذا المجهود هباء.
ومن جانبه فقد وجه رئيس مجلس الوزراء بإعادة تأهيل حجر الأساس، وإعادته إلي هيئته التي كان عليها تأكيداً علي حرص الحكومة علي تكريم الشهداء وتخليد ذكراهم، اعترافًا بدورهم في ثورتي 25 يناير و30 يونيو .
ومن جانبها، ستقوم محافظة القاهرة بتنفيذ تكليفات رئيس مجلس الوزراء خلال الأيام القليلة القادمة.
مشهد رئيس الوزراء استفزازي
أما اللواء أحمد إدريس رئيس حزب العمل الاشتركي أن الحزب يستنكر ما حدث من نزول الجماهير سواء المؤيدة والمعارضة إلي ميدان التحرير وما حدث من اشتباكات مؤكدا أن إخلاء ميدان التحرير والشوارع المؤدية له هي مسئولية الشرطة والقوات المسلحة لعودة الهدوء .
كما أضاف إدريس في تصريحات إعلامية أن تواجد رئيس الوزراء حازم الببلاوي بالتحرير وتدشين نصب تذكاري أستفز الشباب من مختلف الانتماءات وهو ما أدي إلي تدهور الأوضاع وخاصة أنه تزامن مع حادث قطار دهشور الذي راح ضحيته 24 شخص والشهيد العقيد محمد مبروك الضابط بجهاز الأمن الوطني مطالبا رئيس الوزراء بتحمل تكلفة الزيارة والنصب المحطم هو ووزير التنمية المحلية ومحافظ القاهرة.