بنوك «الألبان الآدمية» بين الإباحة والمنع.. العلماء يوضحون ضوابط الانتفاع بها
ظهرت بنوك الألبان الآدمية في أواخر السبعينيات من القرن العشرين بعد ظهور أنواع من البنوك كبنوك الدم وبنوك الأعضاء وغيرها ولم يقتصر الأمر علي البلاد الأوروبية بل امتدت لتصل إلي البلاد العربية
وبنوك " اللبن " هي البنوك التي تحفظ فيها البان النساء التي فاضت عن حاجة أبنائهن أو في حالة وفاة الطفل الرضيع وبقى في الثدي لبن فتحفظ حينها هذه الألبان الفائضة في ثلاجات معينة تحت درجة حرارة معينة ثم تتم معالجتها بطريقة التبريد بمدة أقل من المدة التي يحفظ بها الحليب المجفف لمدة ثلاثة أشهر حيث يوضع في أوان معقمة ويترك في درجة حرارة منخفضة محتفظًا بنسب المواد الأولية فيه ومن ثم يغلي عند الأستعمال ويترك ليبرد ويعطي بعدها للطفل
والعادة في هذه البنوك أن تكون الألبان مختلطة غير متميزة ، اختلف العلماء في حكم إنشاء بنوك الألبان الآدمية فبدأنا نتساءل عن فكرة إنشاء بنوك للبن الآدمي وهل يترتب عليها تحريم النسب مثل الرضاعة الطبيعية
أحمد كريمة: حرام شرعاً ويؤدي لاختلاط الأنساب
قال الدكتور أحمد كريمة، إن إنشاء بنوك للألبان الأدمية محرم شرعًا لأنه يؤدي إلي اختلاط الأنساب وإن بنوك اللبن الآدمي فكرة غربية دخيلة نشأت بسبب تفكك المجتمع الغربي وتقطع أواصره وانتشار الفواحش بشكل مذهل فيه.
وهذه الفكرة تحتف بها مجموعة من المحاذير الدينية والصحية منها: أن جمع اللبن من أمهات متعددات، وخلطه ثم إعطاءه الأطفال يؤدي إلى عدم معرفة المرضعة ومن أرضعت، وبذلك تحدث الجهالة مما قد يؤدي إلى أن يتزوج الرجل بأخته من الرضاع أو أمه أو خالته أو عمته من الرضاع، أو أن يجمع بين المرأة وأختها من الرضاع. وهكذا يدخل الناس في متاهات لا آخر لها.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وقد حدد الفقهاء ضوابط التحريم بأن يصل اللبن إلي جوف الطفل في مدة الحولين بعد الولادة وبالمثال يتضح المقال فلوهبت امرأة لبنها لطفل وكبر ثم تزوج ابنة هذه المرأة وهو لايعلم انها مرضعته فإن عقد الزواج ينفسخ وينسب الأبناء لأبيهم وفي ذلك مشكلة اجتماعية كبيرة
ومنها أيضا أن اللبن يتعرض للميكروبات وتدخل فيه المواد الحافظة التي تؤثر سلبا على الطفل. ومنها: أن وجود هذه البنوك قد يؤدي إلى أن بعض المترفات تعزف عن إرضاع طفلها اكتفاء بوجود هذا الحليب في هذه البنوك، وهذا يؤدي إلى حرمان الطفل من فوائد الرضاعة المباشرة.
ويعتبر الإسلام، الرضاع لحمة كلحمة النسب، يحرم به ما يحرم من النسب بإجماع المسلمين، ومن مقاصد الشريعة الكلية المحافظة على النسب، وبنوك الحليب مؤدية إلى الاختلاط أو الريبة.
وأضاف الدكتور الأمير محفوظ عضو بالمجلس الأعلي للشؤون الإسلامية سابقًا أنه معلوم أن فكرة البنوك بصفة عامة تدل على جمع شيء معين، وادخاره نقول: (بنك المال)، يجمع المال كوديعة فهو أمانة، أو على سبيل المضاربة، أو غير ذلك، فيقوم على قواعد الشريعة، في جميع ذلك، قيامًا بمصلحة المال حيث الحفظ على المال أحد المقاصد الكلية الخمس في الشريعة، ونقول: (بنك الدم)، أي: يجمع الدم بفصائله المختلفة النادرة والشائعة ومشتقاته قيامًا بمصلحة الإنسان حيث الحفظ على النفس الإنسانية وهو أمر كلي من المقاصد الكلية الخمس، ولا أعتقد مخالفته لقولاعد الشريعة.
وأما بالنسبة لـ(بنوك اللبن الآدمي) فهذا يقصد به جمع ألبان الأمهات المرضعات في البنك بغرض تناوله بصورة من صور التعاقد والمعاملة، وهو من القضايا المحدثة المستجدة التي كانت معروضة على طاولة بحث أهل الفقه في ثَمانينات القرن الماضي.
هل يترتب عليها تحريم النسب مثل الرضاعة الطبيعية؟
اللبن الطبيعي لا يفترق قبل دخوله (بنك اللبن) عنه بعد ذلك؛ لأن أمر لبن الأم المرضع لا يكون تحويله وتصنيعه عاملَ تغيير لكونه هو، منبتًا للحم ومنشزا للعظم، وعليه يكون سببًا من أسباب التحريم كما ورد في السنة: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ).
ومعلوم أن تأجير (بنك اللبن) لا يقاس على تأجير المرأة المرضع فهذا لا يجيز إنشاء تأجير (بنوك اللبن) لأنها تأجير غير معين لمعين؛ أما تأجير المرضع في الشرع فتأجير معين لمعين.
الاختلاط والريبة في ثبوت المحرمية بالرضاع
وأكد الدكتور عبدالله الحسيني منسق العلوم الشرعية بالأروقة العلمية للجامع الأزهر أن بنوك الحليب: هي مؤسسات تقوم بجمع الحليب من أمهات متبرعات، يتم أخذ الحليب بطريقة معقمة من المتبرعة، ثم يُحفظ في قوارير معقمة بعد تعقيمه مرة أخرى.
وهذا الأمر قد يترتب عليها من عدة مفاسد من أهمها الاختلاط والريبة في ثبوت المحرمية بالرضاع، عندما يرضع عدة أطفال من لبن نفس المرأة، وذلك تخريجاً على اختلاف الفقهاء القدامى في مسألة وصول اللبن من المرأة إلى الطفل بغير إرضاع سواء عن طريق الأنف أو الحق ، وهو ما عبَّروا عنده بالسَّعُوطُ وَالْوَجُورُ , وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم إنشاء بنوك الحليب على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يحرم الانتفاع ببنوك اللبن الادمي ، وهو قول جمع من الفقهاء المعاصرين، وقد أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
القول الثاني: يجوز الانتفاع ببنوك اللبن الادمي ، وهو قول جمع من الفقهاء المعاصرين، وبه أفتت دار الإفتاء المصرية.
القول الثالث: يجوز الانتفاع ببنوك اللبن إذا دعت الحاجة الشديدة إلى إنشائها، ولكن بقيود، وهي:
-أن تراعى الضوابط الإسلامية عند أخذ الحليب من المرأة ،أن يُكتب على كل قارورة اسم المتبرعة.
-يُكتب اسم الطفل الذي تناول هذا الحليب ،يُعلم أهل الطفل باسم هذه المرضعة.
وقد اختار هذا الرأي قطاع الإفتاء والأبحاث الشرعية بالكويت، واختاره جمع من الفقهاء المعاصرين.
وهو ما أختاره أيضاً، لكن بشرط أن توجد ضرورة ملحة لذلك