خبراء : الأسواق الناشئة مازالت تعانى من التضخم المرتفع وضغوط العملة
ويؤكدون تراجع التضخم العالمي وترقب لخفض الفائدة خلال العام
عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية، امس الأربعاء، ندوة بعنوان: “نظرة على الأسواق المالية بالربع الثاني من عام 2024″، تم خلاله عرض ومناقشة ما حدث فى الأسواق المالية عالميا وتأثيراتها على الأسواق الناشئة والاقتصاد المصري خلال الفترة من أبريل – يونيو، وهو التقرير الذى بدأ المركز إعداده شهريا اعتبارا من يناير، ويتم عرض ومناقشة نتائجه بصورة ربع سنوية، بهدف فهم الأسواق المالية فى ظل التشابكات الكبيرة لها وتأثيراته عالميا وإقليميا ومحليا.
ويركز التقرير على عدد من الدول لدراسة أسواقها، وهى الدول التى يركز المركز على دراستها فى تقاريره، وهى مجموعة الدول المتقدمة وتشمل أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والصين وكندا، ومجموعة الدول المنافسة ودول الجوار وهى دول الأسواق الناشئة مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا وتركيا والمغرب والإمارات، ويركز التقرير على دراسة المتغيرات التى تحدث فى الدول المتقدمة وتأثيراتها على الدول الناشئة والاقتصاد المصري، ولا يتضمن وضع توقعات مستقبلية.
وعرض عمر الشنيطي الشريك التنفيذي بزيلا كابيتال والاستشارى بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أهم نتائج التقرير، فعلى المستوى العالمي شهدت فترة الربع الثاني من 2024 تباين فى توجهات أسعار السلع العالمية، ففي حين تراجعت أسعار البترول، ارتفعت أسعار الغاز، وارتفعت أسعار الذهب نتيجة تفضيلات المستثمرين ورغبة كثير من البنوك المركزية للاحتفاظ بالجزء الأكبر من الاحتياطى من خلال الذهب لتقليل الاعتماد على أذون الخزانة الأمريكية، مثل الصين، وهذا التباين له تأثيراته على التضخم. وأضاف أن العام الماضى وما قبله شهدت طباعة النقد بكميات كبيرة أثرت على التضخم العالمي وسياسات رفع الفائدة، ولكن بدأ التضخم يتراجع ويستقر فى الربع محل الدراسة، وبدأت البنوك المركزية التوجه نحو خفض الفائدة، ولكن نظرا لوجود انتخابات رئاسية هذا العام فمن غير المتوقع أن يقوم الفيدرالى الأمريكي والبنوك المركزية الأوروبية بخفض سريع، ولكن المتوقع أن يخفض الفيدرالى الفائدة مرة على الأقل خلال العام الحالى.
وبالنسبة لأسواق المالية العالمية، أشار الشنيطي إلى أنه فى حين شهد الربع الأول من العام ارتفاعا لجميع البورصات، إلا أن الربع الثاني شهد ارتفاع بورصة أمريكا فقط وهو ما يرجع لارتفاع شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، وفيم يتعلق بتكلفة تمويل خدمة الدين فهى ثابتة خلال ربع الدراسة، ولكن هناك تذبذب فى التأمين على الدين فى أيام متتالية وهو أمر غير معتاد بسبب التوترات السياسية.
وفيما يتعلق بالتأثير على الأسواق الناشئة، فمازالت معدلات التضخم فيها مرتفعة، ضاربا مثل بالإمارات التى وصل فيها التضخم فى يونيو إلى 3.9% ومتوقع أن يرتفع إلى مستويات 6- 7% مدفوعا بارتفاع أسعار العقارات والطلب على الخدمات، وتركيا التى وصلت فيها معدلات التضخم إلى 70%، فى حين لا تعانى المغرب من هذه الأزمة حيث ينخفض التضخم دون مستوى 1% نتيجة استقرار السياسات الاقتصادية لفترة طويلة وانعزالها عن التوترات السياسية، وبالنسبة لأسعار الفائدة لا تزال مرتفعة حيث تنتظر الدول الناشئة قرارات تخفيض البنوك المركزية لدول أمريكا وأوروبا للفائدة خوفا على عملاتها من الانخفاض، حيث تعانى الدول الناشئة ضغوطا على عملاتها بسبب ارتفاع التضخم باستثناء المغرب التى تتمتع باستقرار عملتها، وهو ما يعنى أن أسعار العملة ناتجة عن التضخم.
وشهدت أسواق المال بالدول الناشئة حالة من الاضطراب فى الربع محل الدراسة بسبب ارتفاع التضخم، مثل أسواق السعودية والإمارات التى شهدت حالة من التذبذب خلال الفترة متأثرة بالتضخم المرتفع والظروف الجيوسياسية، وعلى جانب تكلفة خدمة الدين فقد شهدت استقرارا خلال فترة التقرير، وهو ما انعكس أيضا على تكلفة تأمين الديون.وفيم يتعلق بالتأثير على مصر، أوضح الشنيطى أن الربع الأول من السنة شهد عددا من الصفقات الهامة وهى مشروع رأس الحكمة، واتفاق صندوق النقد الدولى وقرار التعويم فى مارس الماضي، وهو ما انعكس على بعض المؤشرات خلال الربع الثاني، حيث انخفض الدين الخارجى بقيمة 10 مليار دولار نزولا إلى 160 مليار دولار، ولكن نتيجة التعويم ورفع سعر الفائدة بنحو 8% خلال الربع الأول، فقد ارتفعت تكلفة الديون بشدة حيث وصلت بعد التعويم مباشرة إلى 32% ونتج عن ذلك تدفقات كبيرة للأموال الساخنة، ونتيجة الطلب المرتفع من المستثمرين الأجانب على أدوات الدين انخفض العائد إلى نحو 26 – 25%، ورغم أهمية الأموال الساخنة إلا أنها لا تحقق الاستدامة ولا تؤثر فى معدلات نمو الناتج المحلى، مؤكدا أنه لن يحدث تغيير فى زيادة الناتج المحلى الإجمالى إذا تم التركيز فقط على الأموال الساخنة.
وتابع الشنيطي أنه رغم تراجع مستوى التضخم فى مصر من مستويات 35% إلى نحو 30% فى آخر ثلاثة أشهر، إلا أنه لا يزال مرتفعا وليس بالضرورة أن يستمر معدل الهبوط فى ظل الإجراءات المتوقعة من زيادة أسعار الكهرباء والبنزين، مشيرا إلى أن زيادة المعروض النقدى وطباعة النقود أحد الأسباب الهيكلية لارتفاع معدلات التضخم، ولكن فى الفترة الأخيرة هناك محاولات جيدة لتقليل المعروض النقدى وسحب السيولة بشكل كبير.
وأشار الشنيطي إلى تحول صافى الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفي من عجز بقيمة 27 مليار دولار فى الربع الأول، إلى فائض 14 مليار دولار فى الربع الثاني، نتيجة لتأثير تدفقات رأس الحكمة وصندوق النقد والأموال الساخنة، مؤكدا أنه يصعب أن تأتى هذه القفزة من مصادر مستدامة، ورغم أهمية هذا المؤشر الإيجابي للتحول من عجز إلى فائض، إلا أن هذا الأمر لا يستمر طويلا لأنها مصادر غير مستدامة.
من جانبه عقب يحيي أبو الفتوح نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصري، بقوله أنه لا يمكن خفض سعر الفائدة حاليا بسبب التضخم المرتفع، لافتا إلى أن سحب السيولة من السوق أمر مهم لمواجهة التضخم لكن ليس هو الحل وحده ومن المهم رفع سعرالفائدة كأداة مهمة لتقليل الائتمان، لافتا إلى أن سحب 3 تريليون جنيه من السيولة النقدية فى آخر 3 أسابيع أمر مهم جدا.
وأكد أبو الفتوح على أهمية دعم السياحة واستغلال منطقة الساحل الشمالى فى جذب شرائح سياحية مختلفة، معربا عن رأيه بأن قطاع السياحة هو الأهم فى جذب تدفقات العملة الصعبة بشكل أكبر من الصناعة، مبررا قوله بأن نحو 60 – 70% من مدخلات إنتاج الصناعة مستوردة من الخارج، فى حين أن المٌدخل المستورد لقطاع السياحة لا يتخطى 10% فقط، وهو ما يبرر أهميته الأكبر فى جذب تدفقات النقد الأجنبى.
وقال شريف سامى رئيس هيئة الرقابة المالية سابقا، أن هناك أداة دين غائبة عن الحكومة وهى أدوات الدين المتغيرة وهى أدوات دين طويلة الأجل يختلف العائد عليها وفق معدلات التضخم، ولا يضار منها أى من الطرفين سواء الحكومة أو المستثمر، ولفت إلى قيام وزارة المالية بتغيير نظام المتعاملين الرئيسيين مع البنوك، وأصبح هناك إلزاما على البنوك بشراء كل الكميات المطروحة بعكس رأى اتحاد البنوك، وهو يتعارض مع التوجه لسوق أكثر ديناميكية.
وأشار سامى إلى أن البورصات العالمية تعانى جميعا، حيث أن كثير من الشركات تتجه للشطب من بورصة لندن التى تعد أحد أهم البورصات، وأيضا انخفضت أعداد الشركات فى البورصة الأمريكية إلى الثلث، لافتا إلى أن البورصة المصرية تستحق منا الاهتمام وتنويع الأنشطة خاصة الزراعية واللوجستية التى لا تتواجد بشكل كافى.
من جانبه قال هانى توفيق رئيس مجلس إدارة المستثمرون الدوليون، أن ارتفاع أسعار الذهب لأعلى معدلاتها هو أمر طبيعي ناتج عن توقعات تراجع أسعار الفائدة عالميا وليس فقط نتيجة التحوط، حيث أن هناك علاقة عكسية بين سعر الذهب والفائدة، ولفت إلى أن بورصة ناسداك فى أفضل حالاتها تاريخيا بسبب ارتفاع أسهم شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، وعن سوق المال المصري أشار إلى أن البورصة المصرية ارتفعت 170% خلال الأربع سنوات الماضية، فى حين ارتفع سعر الدولار بقيمة 300%، ولذلك لا تعد البورصة مخزنا للقيمة.
وعلقت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، بقولها أن سعر الفائدة المرتفع "يفسد" الاستثمار، مؤكدة أن سعر العملة هو نتيجة للسياسات الاقتصادية، وإذا لم نقم بإصلاحات مؤسسية هيكلية جذرية لم يكون هناك تغيير، لافتة إلى ضرورة تخفيض المعروض النقدي وطباعة النقود لمواجهة التضخم.
وشددت عبد اللطيف على ضرورة الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية، حيث أن الصناعة والزراعة هى أعمدة أى اقتصاد، ولابد من مواجهة مشكلات التعثر وتذليل العقبات أمام هذه القطاعات، لزيادة الإنتاجية والتصدير.