أسامة أيوب يكتب : فى تفسير تغير المناخ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس
هذه الاختلالات والتحولات المتناقضة فى المناخ التى تشهدها كل بقاع العالم هذه الأيام.. هى إنذار بخطر داهم محدق بالبشرية وبالحياة كلها فوق كوكب الأرض.
فبينما ترتفع درجات حرارة الجو ارتفاعا مروعًا وتقترب من نصف درجة الغليان في بلاد ذات أجواء باردة كما حدث في أوروبا وعلى نحو غير مسبوق في التاريخ، فإن بلاداً أخرى ذات حرارة مرتفعة تشهد أمطارًا غزيرة وسيولا مغرقة، وبينما تجتاح الحرائق الغابات في أوروبا وغيرها، فإن ثمة بحيرات وأنهاراً تجف تمامًا فى نفس الوقت.
إن هذه الاختلالات والتحولات المناخية التي تجتاح العالم وما أسفرت عنها من كوارث طبيعية أو فى الطبيعة وإن كانت ليست طبيعية أو بفعل الطبيعة، ولكنها فى الحقيقة من صنع البشر أنفسهم من سكان الكوكب، حتى وإن وصفها العلماء بتغيُّر المناخ.
هذا التغيُّر في المناخ كان متوقعًا منذ عقود وحذر منه العلماء، غير أن حكومات دول العالم خاصة حكومات الدول الصناعية الكبرى بل كل حكومات العالم والشعوب أيضًا لم تصغ جيدًا إلى تلك التحذيرات ولم تأخذها بجدية كافية وضرورية.
<<<
إن المسئولية الأولى عن التغيُّر المناخى تقع بالدرجة الأولى على تلك الدول الصناعية الكبرى مع تزايد الأنشطة الصناعية الضخمة عامًا بعد عام منذ منتصف القرن الماضى حتى بلغت ذروتها لاحقا مع التقدم الكبير والطفرة العلمية الصناعية، ومن ثمَّ صارت عوادم وانبعاثات هذا النشاط الصناعى الضخم تمثل أكبر عدوان على البيئة والمناخ حتى بلغ التغيُّر ذروته فى السنوات الأخيرة إلى أن بات خطرًا داهمًا حسبما يشهد العالم حالياً.
المثير أن حكومات الدول الصناعية الكبرى لم تشرع فى اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدى لهذا الخطر والوقاية من تداعياته منذ ظهور بوادره وحتى الآن وبعد أن صار تغيُّر المناخ مهددًا للحياة فوق الكوكب.
ولأن التصدى لظاهرة تغيّر المناخ يتطلب البدء فورًا باعتبار أنه سوف يستغرق سنوات، فإنه يتعين على حكومات الدول الصناعية الكبرى.. في أوروبا وأمريكا وآسيا أن تمارس سلطاتها بحكم مسئولياتها على الأقل تجاه شعوبها لفرض إجراءات تقليل الانبعاثات الكربونية على الشركات والاحتكارات الصناعية الرأسمالية الكبرى التى لا يعنيها إلا أرباحها ولو كانت على حساب البشر والحياة فوق الأرض.
<<<
حتى في الدول غير المتقدمة صناعيًا وذات النشاط الصناعى المنخفض ومعها الدول الفقيرة، فإنه من غير الممكن أيضاً إغفال ما يجري فيها من عدوان غاشم على البيئة والذى استشرى في السنوات الأخيرة وكان سببا أيضاً في تغيُّر المناخ لديها بفعل استخدامات الطاقة غير النظيفة، إضافة إلى إساءة التعامل مع الأنهار والمسطحات المائية وحرق المخلفات بطرق ووسائل عشوائية بدائية، مع ملاحظة تزايد معدلات الانبعاثات الكربونية وعوادم السيارات مع تزايد أعداد السكان في تلك الدول والزيادة النسبية في الأنشطة الصناعية دون مراعاة للضوابط والمعايير الضرورية للتقليل من آثاره الضارة.
واقع الأمر.. إن كل دول العالم الكبرى منها والصغرى على حد سواء وعلى اختلاف قدراتها وأنشطتها الصناعية تشترك في المسئولية عن ظاهرة تغيُّر المناخ التى تداهم الكوكب من أقصاه إلى أقصاه، باعتبار أن السماء واحدة والغلاف الجوى واحد والأرض واحدة مهما تباعدت أو اقتربت دولها، وإن كانت الدول الصناعية الكبرى تتحمل المسئولية الكبرى.
<<<
وفى نفس الوقت فإن الأنشطة الصناعية الضخمة وما ينتج عنها من انبعاثات كربونية ليست وحدها المتهم الأول فى ظاهرة تغيُّر المناخ وإن كانت المتهم الأكبر، لكن الحروب متهم آخر باعتبار ما تسفر عنه من انبعاثات ناتجة عن الصواريخ والقنابل والمدافع في المعارك التي دارت وتدور في أرجاء العالم والتي كان أخطرها الحرب الروسية ـ الأوكرانية الدائرة منذ أشهر.
<<<
هذ الحرب الدائرة حاليا وإن كانت بين دولتين فقط.. روسيا وأوكرانيا، إلا أنها بفعل تداعياتها الاقتصادية والغذائية على كل شعوب العالم صارت حربًا عالمية، وهى حرب سوف يطول أمدها بسبب الدعم الأمريكى والأوروبي للجانب الأوكرانى بالأسلحة الحديثة والمساعدات المالية والاقتصادية.
<<<
وإذا كانت هذه الحرب قد تسببت في أزمة غذاء عالمية نتيجة نقص إمدادات القمح والحبوب والمواد الغذائية من روسيا وأوكرانيا إلى الأسواق العالمية، وحيث بات شبح المجاعة يخيّم على شعوب العالم الفقيرة خاصة فى أفريقيا، فإن اللافت أن أزمة الطاقة التى تسببت فيها هذه الحرب طالت أوروبا بل كانت أول وأكثر المضارين منها وحيث تصل الأزمة ذروتها في الشتاء المقبل، ومع ذلك فإن أوروبا تواصل عنادها ودعمها لأوكرانيا ضد روسيا دون مبرر سوى الانقياد للولايات المتحدة فى محاولتها الأخيرة للانفراد بقيادة العالم.
<<<
إن استمرار تداعيات الحرب الروسية ــ الأوكرانية مع المسعى الأمريكى الأوروبي لإطالة أمدها ومع أزمة الطاقة التى تواجهها دول أوروبا والتي سوف تضطرها إلى استخدام الفحم بديلاً للغاز والبترول، ومع مضى الدول الصناعية الكبرى قدمًا فى إغفال مطالب التصدى للتغير المناخى وفقاً لاتفاقية باريس وقرارات مؤتمرات المناخ المتعاقبة، فإن ظاهرة تغير المناخ سوف تتفاقم ويظل العالم يدور فى دائرة مفرغة.. عاجزاً عن إنقاذ الأرض من خراب محدق يهدّد بفناء الحياة فوق الكوكب أو فى أقل تقدير العودة إلى الحياة البدائية.
<<<
وإذا كانت بعض الأصوات في أوروبا تتحدث حالياً عن أن ظاهرة تغيُّر المناخ التى يشهدها العالم وما أسفرت عنه من حرائق غابات ودرجات حرارة تقترب من درجة نصف الغليان ضربت دول أوروبا الباردة وسيول وأمطار غزيرة وجفاف الأنهار والبحيرات وعلى النحو الذى يهدّد الزراعات.. هي غضب إلهى نزل على الأرض من السماء، وهو تفسير جديد ومفاجئ ومن الغريب أن يصدر عن الأوروبيين الذين لا يؤمنون إلا بالتفسيرات العلمية فقط.
.. فإننى من جانبى أجدنى ألجأ وبكل الثقة واليقين إلى تفسير ديني إسلامى من القرآن الكريم باستدعاء الآية الكريمة رقم (٤١) من سورة الروم وهى: «ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون» صدق الله العظيم..
<<<
ومع ملاحظة أن لفظ «ظهر» يعنى علا وارتفع وزاد على الحد، فإن تغيُّر المناخ الذى تشهده الأرض هو نتيجة فساد أحدثه الناس ولذا فإنهم يذوقون نتيجة بعض أفعالهم في العدوان على البيئة وعلى المناخ فى الكوكب.