البحراوى :بدون عمليات فيلم الممر ما سمعنا صرخات الشعر الإسرائيلى
قال الدكتور ابراهيم البحراوى رئيس منتدى مصر للدراسات الاسرايلية ما زالت استديوهات السينما الأمريكية تنتج أفلاما تاريخية عن معارك التصدى لقوات الاحتلال والعدوان الألمانية واليابانية فى الحرب العالمية الثانية دون أن نسمع احتجاجات لا من ألمانيا ولا من اليابان اللتين تعيشان فى مرحلة سلام بل تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ لذلك لا أفهم سبب الانزعاج الإسرائيلى من فيلم الممر المصرى الذى يسجل نوعا من العمليات العسكرية المصرية التى كان يقوم بها مرارا وتكرار أبطالنا فى فترة حرب الاستنزاف المصرية والتى تمثلت فى الإغارة على قواعد قوات الاحتلال داخل سيناء وتدميرها وأسر بعض ضباطها وجنودها، ثم العودة إلى القواعد المصرية بالضفة الغربية من القناة رغم تدخل الطيران والمدرعات الإسرائيلية لمنع قواتنا من العودة.
وقال الدكتور ابراهيم البحراوى ردا على هجوم السفارة الإسرائيلية له حول كتبه "صرخات الشعر العبرى وأنات الشعراء تحت وطأة الضربات المصرية فى تلك الفترة".
وقال البحراوى كما هو معروف لقد بدأت هذه الحرب تحت قيادة قيادة جمال عبدالناصر فى أكتوبر ١٩٦٧بإغراق المدمرة إيلات أمام بورسعيد وهى التى اعتادت التحرش بقواتنا البحرية وسبق أن أغرقت لنا أحد زوارق الطوربيد. ولقد توقفت هذه الحرب فى أغسطس ١٩٧٠ بقبول عبدالناصر مبادرة روجرز، وزير الخارجية الأمريكى.
واضاف البحراوى انه لا يفهم لماذا عبرت السفارة الإسرائيلية بالقاهرة عن انزعاجها من مقاله الذى يسجل صرخات الشعر العبرى وأنات الشعراء تحت وطأة الضربات المصرية فى تلك الفترة؟، وراحت تطالبنا بعدم الكتابة عن فترات الصراع المسلح بما أننا فى مرحلة التعاقد السلمى المصرى الإسرائيلى. (المقصود مقاله المنشور بالمصرى اليوم يوم الجمعة ١٦ أغسطس ٢٠١٩، تحت عنوان مهمة استطلاع خلف خطوط العدو عبر الشعر العبرى).
وقال البحراوى إن وجود علاقة تعاقد سلمى بين الدول التى كانت من قبل فى حالة صراع مسلح لا يلغى التاريخ السابق على التعاقد، كما أن التعبير الفنى والتاريخى عن التجارب السابقة يجب ألا يثير مثل هذه العاصفة الإسرائيلية. ففى ذكرى حرب أكتوبر السنة الماضية أنتجت إسرائيل فيلما بعنوان الملاك تصور فيه روايتها الملفقة عن تجنيد أشرف مروان بينما الحقائق التاريخية والشهادات تؤكد أن مروان كان جنديا مصريا مكلفا باللعب خلف خطوط العدو فى قواعد عقول القيادات الإسرائيلية إلى أن تقع مفأجأة الهجوم المصرى السورى فى السادس من أكتوبر.
وقال البحراوى إن أهمية عرضه للشعر العبرى الذى أنتج خلال فترة حرب الاستنزاف واكتشفه آنذاك فى الملاحق الأدبية للصحف الإسرائيلية تكمن فى استكمال الصورة الفنية والتاريخية التى يقدمها فيلم الممر عن إحدى عمليات حرب الاستنزاف بكشفى عن تأثير هذه الحرب فى المجتمع الإسرائيلى عبر نافذة الأدب.
وقال البحراوى مهم أيضا استكمال الإطار التاريخى لتلك المرحلة من الصراع العسكرى أن نذكر الإسرائيليين أنه كان فى مقدورهم أن يتجنبوا حرب الاستنزاف وأيضا حرب أكتوبر لو أنهم قبلوا تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ والذى أصدره مجلس الأمن فى نوفمبر ١٩٦٧ وقبلته مصر وإسرائيل والدول العربية.
واوضح البحراوى فى رده هنا عبرة تاريخية لسلامة الشعوب، يوجزها للإسرائيليين فى العبارة التالية (إن أطماع التوسع الإسرائيلية ورفض الانسحاب أدّيا إلى كوارث لكم وتضحيات من جانبنا كان يمكن تفاديها) وهو ما يجعل الشعب المصرى يلح على الإسرائيليين لاستكمال السلام الشامل بالانسحاب من الضفة الغربية وتمكين الشعب الفلسطينى من دولته المستقلة.
واستكمالا لنفس العبرة التاريخية يذكر البحراوى الإسرائيليين بأن الجنرال ديان وزير الدفاع قد قدم اقتراحًا للحكومة الإسرائيلية بعد توقف حرب الاستنزاف بسحب القوات الإسرائيلية للخلف بعيدا عن القناة لبدء عملية السلام ولتجنب هجوم مصرى جديد غير أن الحكومة رفضت اقتراح ديان؛ لأن الفترة كانت فترة هدوء بعد قبول عبدالناصر مبادرة روجرز. لقد قدم الرئيس السادات أيضا مبادرة للسلام الشامل، بعد أن تولى الحكم تبدأ بانسحاب مشابه لما اقترحه ديان غير أن الحكومة الإسرائيلية رفضت أيضا فاضطرتنا إلى شن هجوم أكتوبر.
ويرى الدكتور البحراوى الحقيقة هى أن الشعراء والقصاصين فى إسرائيل أثناء حرب الاستنزاف كانوا أذكى من قادة الحكومة والجيش والمخابرات الذين ظلوا على عجرفتهم ورفضهم الاستجابة لدعوات السلام المصرية.
وكان الشعراء والقصاصون والمسرحيون فى إسرائيل يصرخون تحت وقع ضربات حرب الإستنزاف مطالبين بالحكمة والتراجع عن عجرفة القوة والاستجابة لمتطلبات السلام لكن جنون العظمة الذى ركب عقول القيادات منع الاستجابة العاقلة من جانب القيادات إلى أن نزل بإسرائيل زلزال أكتوبر فانتبه القادة إلى حماقتهم التى تسببت لإسرائيل فى موت الآلاف وجرح عشرات الآلاف على مذابح الأطماع التوسعية وجنون العظمة.
وقال البحراوى استمعوا معى إلى الشاعر يقوڤ باسار فى قصيدته (الحرب المقبلة) وهو يحذر عام ١٩٦٨ من مواصلة الغباء السياسى والاستمرار فى العناد الحكومى الإسرائيلى الذى يعنى تربية وتنشئة واستيلاد الحرب المقبلة.
ويقول باسار: الحرب المقبلة.. ننشئها نربيها.. ما بين حجرات النوم وحجرات الأولاد. النعاس آخذ فى الاصطباغ بالسواد.. ونحن من ملامسته فى فزع.
ذراع الكهرباء تتحرك تجاه الحرب.. على محورها الملفوف بالصمت.. إنها الحرب التى تسير وسط أحاديث النساء فى المطابخ.
فى عتمة الحجرات.. نسمع وقع خطاها ونحن نواظب على إغفاءة الظهيرة. وفى قاع العيون.. جملان فى لون الليل البهيم.. يرشف كلاهما من فم الآخر.. مياه الرعب الخضراء الآسنة. ذلك لأننا نستنبت فى تأنٍ وثقة.. زهرات الحديد للحرب المقبلة.. ما بين حجرات النوم وحجرات الأولاد. (انظر إبراهيم البحراوى، أضواء على الأدب الصهيونى المعاصر، كتاب الهلال، يونيو ١٩٧٢).