«الأموال» تكشف هوية قاتل المصريين في حوادث القطارات
مجلس الوزراء: انفقنا 56 مليار جنيه في 6 سنوات لتطوير السكة الحديد
النقل: 13 مليار جنيه تكلفة تحديث 20% فقط من نظم الإشارات
مكافحة الإدمان: 79% من الحوادث تقع تحت تأثير المخدرات
التضامن: إجراءات رادعة ضد السائقين تحت تأثير المخدر
النقل: 93 مليون يورو تكلفة تطوير خط سكك حديد القاهرة الإسكندرية فقط
لم يكن حادث اقتحام جرار محطة مصر مجرد حادث عادي مثل باقي الحوادث التي يكون فيها الإهمال هو المتهم الأول، ورغم فداحة الخسائر البشرية والإصابات والجرائم الإنسانية التي وقعت، إلا أن الحادث كشف الكثير من العوار والخسائر في كثير من المجالات، مادية وصحية واقتصادية، بل واجتماعية وسياسية، الخسائر طالت الجميع من مواطنين ومسئولين ووزارات واقتصاد حكومي، لم يكن الجالسون على الرصيف أو المارون عليه سواء الذين وصلوا من محطات أخرى أو الذين يستعدون للرحيل إلى محطة أخرى لم يكن الجميع يتخيلون أنهم قريبون من رحلة الموت وأن القطار لن ينتظر ليقلهم إلى رحلة الموت، بل جاء إليهم مسرعًا عبر سائق مهمل قتل أحلام عشرات الأسر ولترتدي مصر السواد حدادًا على أبنائها الذين اغتالتهم يد الإهمال التي لا تقل خطرًا عن يد الإرهاب، حوادث القطارات في مصر سبق وأن أطاحت بأربعة وزراء ابتداء من إبراهيم الدميري الذي استقال بعد حادث قطار الصعيد والذي راح ضحيته 360 شهيدًا، ثم رشاد المتينى بعد حادث أتوبيس أطفال منفلوط، ثم محمد منصور، وأخيرًا هشام عرفات عقب حادث اقتحام جرار محطة مصر.
سكك حديد مصر، كما يطلق عليها، هي الثانية في العالم من حيث تاريخ الإنشاء ومحطة مصر التي شهدت الحادث الأخير أقيمت عام 1853 وبها 11 رصيفا تستقبل يوميًا 300 ألف راكب وهى الأكبر بين 705 محطات قطار فى مصر.. سكك حديد مصر ضخت فيها الدولة 12 مليار جنيه لتطويرها وبدأت شراء 2300 عربة و181 جرارا بمبالغ تتعدى المليار يورو، الحادث الأخير الذي راح ضحيته 20 راكب ليس الأول ولن يكون الأخير مادمنا لا نهتم بالعنصر البشرى الموجود في الهيئة، الاهتمام بالعنصر البشرى ليس فقط برفع علاوته أو مكافأته ماديًا ولكن بتأهيله صحيًا وعلميًا.
«الأموال» رصدت الأسباب الحقيقية لحادث القطار بعد مرور 10 أيام على الحادث الأليم..
منظومة السكة الحديد لا تحتاج إلى تطوير ولكنها تحتاج إلى إعادة بناء من البداية، عربات، جرارات وأرصفة محطات خدمات، والأهم من يدير ذلك، تكرار الحوادث في السنوات الأخيرة فقط أكثر من 500 قتيل وآلاف المصابين منذ حادث قطار الصعيد الشهير مرورا بأتوبيس مزلقان منفلوط والذى راح ضحيته 54 طفلاً حتى حادث محطة مصر الأخير والذي مازالت التحقيقات لم تكشف بعد عن السبب الحقيقى له.
ما كشفت عنه كل تحقيقات القضايا السابقة هي أن تهمة الإهمال تقف وراء كل الجرائم وتنتهي القضية بحكم بالسجن على المتسبب يخرج بعده يمارس حياته العادية فجريمته ليست مخلة بالشرف وهذا عوار تشريعي فالمتسبب خطأ في قتل 50 طفلًا في مزلقان منفلوط وعامل التحويلة في حوادث كثيرة والسائق المهمل كل هؤلاء ينتهي بهم المطاف إلى السجن سنوات والعودة إلى الحياة تاركين مئات الأسر التي تحطمت نفسيا وماديا وانتهت وتغيرت حياة الكثيرين بسبب إهمال أدى إلى قتل خطأ، وفى حين يقبع المئات بتهمة عدم سداد شيك أو إيصال أمانة ويتدخل الرئيس لحل أزمتهم وتظل تهمة خيانة الأمانة معلقة بهم طيلة حياتهم..
الغريب الآن أن الإهمال لم يعد هو المتهم الأول لكن هناك متهم آخر بدأ يلوح في الأفق هو المخدرات والإدمان، خصوصًا بعدما كشفت تحقيقات النيابة أن سائق الجرار المتهم الرئيسي في حادث القطار كان تحت تأثير المخدرات وسبق اتهامه بتعاطي المخدرات قبل عامين من الحادث.
أكد الدكتور عمرو شعث، نائب وزير النقل، إجراء تحليل مخدرات للسائق المتسبب في حادث محطة مصر، منذ عامين، وأثبت تعاطيه المواد المخدرة، وتم توقيع عقوبة عليه بالإيقاف عن العمل لمدة 6 أشهر، ثم إجراء كشفين مفاجئين كانت نتيجتهما «سلبى» وعاد للعمل، مشيرًا إلى أنه بحث مع مجلس النواب تغليظ عقوبة متعاطي المخدرات، لتصل إلى الفصل والاستبعاد النهائي من الخدمة، لأن أمثال هؤلاء يسيئون إلى زملائهم الشرفاء، لافتًا إننا طبقنا أقصى عقوبة على السائق، ورجع الخدمة بسبب الاحتياج له، وعمله داخل الورش نوع من العقاب وكنا متوجسين خيفة منه، وتم تكليفه بالعمل فقط على قطار الورشة، مؤكدًا طبقنا القانون لأقصى درجة ولكن لم يردعه، ونحن بحاجة لقانون خاص بهيئات السلامة، وتطوير مرفق السكة الحديد يستنزف استثمارات أموال ضخمة من ميزانية الوزارة.
13 مليار جنيه تكلفة التطوير
وأضاف شعث، أن الوزارة تعمل على تحديث وتطوير نظم الإشارات في السكك الحديدية الرئيسية خلال الفترة الجارية، مشيرا إلى أن تحديث نظم الإشارات في 20% فقط كلف الدولة 13 مليار جنيه، لافتًا أن تطوير السكك الحديدية يحتاج موارد مالية كبيرة جدا، موضحا أنه يضع الأولوية في التطوير إلى الخطوط الرئيسية التي يسير عليها القطار بسرعة كبيرة، ومن ثم شراء جرارات جديدة للهيئة بدلا من الجرارات القديمة.
تعاطي سائقي القطارات للمخدرات
أما عمرو عثمان مساعد وزيرة التضامن - مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، إنه تم رفع عدد مراكز علاج الإدمان من 12 مركز في عام 2014، إلى 22 مركز علاجي، بجانب افتتاح 5 مراكز علاجية جديدة، مؤكدًا لدينا خطة طموحة لتعميم مراكز العلاج على مستوى جميع محافظات الجمهورية في عام 2022، لافتًا أنه يتم تقديم العلاج في سرية تامة، ولكن إذا تبين تعاطي أحد موظفي الدولة للمخدرات، يتم تحويله للنيابة العامة متابعًا، »السكة الحديد ستعلن عن نسبة متعاطي المخدرات بين موظفيها«.
وأضاف عثمان، إن قضية المخدرات والإدمان تعتبر أمنًا قوميًا، لأنها مرتبطة بالجرائم، وطبقًا لآخر بحث تم إجراؤه في إحدى المؤسسات العقابية وجدوا أن 79% من الجرائم تمت تحت تأثير المواد المخدرة، لافتًا أن المخدر الأساسي الذي تم ارتكاب الجرائم تحت تأثيره هو «الحشيش»، مؤكداً، للأسف نسبة كبيرة من المصريين يرون الحشيش ليس من المخدرات أو أنه من الأنواع الخفيفة، مشيرًا أنه تم تقديم خدمات علاجية في 2018 لعدد 116 ألف مريض إدمان، موضحًا أن مادة مخدرة للمدمنين هي الترامادول بنسبة 56%، يليه الحشيش، ثم الاستروكس بنسبة 24%، يليه الهيروين.
أما محمود صلاح، عضو المكتب الفني لصندوق معالجة الإدمان بوزارة التضامن، فأكد أن الحكومة بدأت إجراءات صارمة ورادعة ضد السائقين الذين يقودون تحت تأثير المخدرات بالتنسيق بين وزارات التعليم والتضامن والداخلية ووزارة النقل، ولدينا قاعدة بيانات واضحة لحافلات المدارس للكشف عن السائقين، مضيفًا أن نسبة التعاطي بين سائقي حافلات المدارس تتراوح من 1 إلى 3% وأجرينا الكشف على 10 آلاف سائق لحافلة مدرسية، والحكومة بدأت إجراءات للتعامل بشكل حاسم مع أي موف يتعاطى المخدرات في الجهاز الإداري للدولة.
تعامل رادع وإجراءات مشددة
من جانبه كلف الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الدكتور هالة السعيد، وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، بمُراجعة اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، بهدف وضع إجراءات تنفيذية واضحة، للتعامل الرادع مع متعاطي المخدرات في الجهاز الحكومي، كما كلف الوزراء بالعمل على تعديل اللوائح الخاصة بالهيئات والأجهزة التابعة لهم، بما يتوافق مع الإجراءات التنفيذية الرادعة التي ستتم من خلال اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، مشدداً على أنه من غير المقبول تكرار الخطأ الفردي الذي حدث في حادث قطار محطة رمسيس، والذي تسبب في حالة حزن عند جميع المصريين.
من جانبها أشارت د.غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي إلى أن الوزارة تعمل إلى جانب كافة الوزارات لإجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة لكشف تعاطي المواد المخدرة على العاملين بالوزارات المختلفة، ونُنَسق مع الجميع لاستكمال هذه الحملة، وهناك منظومة متكاملة لذلك.
56 مليار جنيه تكلفة التطوير
أما المستشار نادر سعد، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، فأكد أن تطوير السكك الحديدية خلال 6 سنوات بداية من 2014 وحتى انتهائها في عام 2020 تكلف 56 مليار جنيه، ولم يخصص هذا المبلغ للسكك الحديدية في السابق.
حملات توعية بالملايين تتكبدها الدولة
من جانبه الدكتور محمد على، مدير إدارة الإعلام بأمانة الصحة النفسية وعلاج الإدمان، إن ضغوط الحياة اليومية ترفع معدلات الاضطراب النفسي لدى بعض الناس، وفى الفترة الأخيرة استقبلت العيادات النفسية أعدادا أكبر، وهو ما يكشف أمرين مهمين، زيادة الوعي، وإيمان المواطن بتوفر الإمكانات والكوادر التي تستطيع مساعدته وتقديم الخدمة له مجانا.
وأضاف أن الأمانة أطلقت سلسلة من حملات التوعية بالمشكلات والأمراض النفسية، وآليات التواصل الفعال وصولا إلى حلها عبر الجلسات النفسية والعلاجية، متابعا: »أطلقنا حملة حياتك تستاهل تتعاش، للتوعية بالمشكلات النفسية المتعلقة بالانتحار، ونساهم في إنقاذ كثيرين سنويا، فعلى سبيل المثال يشهد العالم انتحار قرابة 800 ألف شخص سنويًا، ليحتل الانتحار الترتيب الثاني ضمن أبرز أسباب وفاة المراهقين، وعمليا يمكن إنقاذ شخص من الانتحار كل 40 ثانية«.
وأكد مدير إدارة الإعلام بأمانة الصحة النفسية، أن هناك حملات أخرى لمواجهة إدمان المخدرات وعلاجه، تغطى حاليا 8 محافظات على امتداد مصر، ومنها حملة »عيّد من غيرها« التي تنشط في الأعياد والمواسم لحماية الشباب من تعاطى المخدرات بشكل موسمي، وحملة »آن الأوان نعرف أكتر عن المرض النفسي«، وتستهدف التوعية بكل الأمراض النفسية وتوقير المعلومات الكاملة عن طرق وآليات العلاج، كما أطلقت الأمانة حملة قومية لإزالة الوصمة عن المريض النفسي، في ظل أن »البعض يخشون الكشف والعلاج بسبب الوصمة الاجتماعية، رغم أن المرض النفسي مرض عادى كغيره«.
كشف المتحدث باسم وزارة النقل والمواصلات، محمد عز، عن إعداد خطة شاملة يُجرى دراستها في الوزارة لتطوير وتحديث نظم مزلقانات السكة الحديد على مستوى محافظات مصر.
وأضاف عز أن تكلفة تطوير المزلقانات تصل إلى نحو 56 مليار جنيه، ويشارك في تنفيذ مراحل التطوير مجموعة من الشركات الوطنية مثل الهيئة العربية للتصنيع، والإنتاج الحربي، كما تم التعاقد على 1300 عربة قطار بتحالف مجري ? روسي، بمبلغ ملياري جنيه، على أن تصل 20 عربة منها في النصف الأول من عام 2020.
وتم التعاقد على توريد 100 جرار حديدي من شركة أمريكية، إضافةً إلى إصلاح 81 جرارًا قديمًا، وتدريب حوالي 273 فنيًا ومهندسًا من العاملين بالسكة الحديد، مشيرًا أن وزراة النقل وقعت عقود نهائية لتطوير السكة الحديد تقترب قيمتها الإجمالية من الـ50 مليار جنيه، فضلًا عن مشروعات أخرى أدرجتها فى خطة تطوير المرفق حتى 2030 تقترب قيمتها من الـ150 مليار جنيه بجانب العقود النهائية التي وقعتها بقيمة 50 مليار جنيه..
«الأموال» تقدم روشتة العلاج
أخيرًا يجب الإشارة أن الاهتمام بالطرق وتجديدها وصيانتها نجح في خلق شبكة جيدة أشاد بها الجميع، واليوم علينا أن ننقل هذه التجربة إلى السكك الحديدية التي من الممكن أن تتحول إلى أهم شريان يربط بين مصر وجيرانها سواء من الشرق إلى الغرب أو الجنوب، والاهتمام بها لا يجب أن يتوقف فقط عند تحديث المعدات والأرصفة والقضبان وأجهزة المتابعة اللاسلكية والكاميرات، كل ذلك أساسي في تطوير المنظومة.
تطوير مرفق واحد رغم ارتفاع التكلفة لا يجب أن يقف عائقا أمام دولة استطاعت أن تنتصر فى العديد من معاركها، والتطوير سوف يتم تعويضه من الخدمات المقدمة وعندما يعود القطار إلى سابق عهده منذ سنوات طويلة لن يتأخر الراكب عن المساهمة فى تكلفة التطوير، حادث محطة مصر جرس إنذار مهم وأخير لجهات عديدة عليها أن تفكر فى طرق عملها وتضع أسسا صحيحة ومتابعة جيدة حتى يلحق هذا المرفق بما يحدث فى مصر من نهضة فى مجالات عديدة.
ولكن يبقى العامل البشرى غالبًا السبب وراء الحوادث وتبدأ من الاختيار ثم الاختبار والمتابعة وإلى أن يتم ذلك يجب أن نبدأ فورًا في الكشف والتحليل وأيضًا الفحص لكل العاملين ابتداء من السائق والمساعد وعامل التحويلة حتى مهندسي الصيانة والمشرفين.