كشف تقرير أصدرته " الهيئة العامة للاستعلامات "، إأن زيارة الرئيسي السيسي لبرلين تكتسب أهمية بالغة تستمدها من طبيعة الزيارة نفسها، ثم من المرحلة التى تطورت إليها العلاقات المصرية الألمانية، وكذلك القضايا الثنائية والإقليمية المطروحة على جدول أعمال الزيارة بشقيها الثنائى والجماعى، فضلاً عن أن هذا هو اللقاء الأول بين الجانبين بعد بدء الولاية الرابعة للسيدة ميركل فى مارس 2018 كمستشارة لألمانيا، وبدء الفترة الرئاسية الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسى فى يونيه 2018.
فالزيارة الرسمية للرئيس السيسى لألمانيا التى تستمر 4 أيام، تتضمن شقين: الأول هو زيارة رئيس مصر إلى ألمانيا بدعوة من المستشارة الألمانية، وزيارة الدولة هى أعلى مستويات الزيارات الرئاسية فى العلاقات الدولية.
وخلال هذه الزيارة الثنائية، تعقد قمة بين الرئيس والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لبحث التعاون الثنائى، وجهود مكافحة الإرهاب، والأوضاع فى ليبيا وسوريا واليمن، إضافة إلى تنسيق المواقف بشأن مواجهة الدول الداعمة للإرهاب؛ فضلا عن لقاءات آخرى ثنائية مع كبار المسئولين والسياسيين الألمان.
والشق الثانى من الزيارة هو للمشاركة فى أعمال القمة المصغرة للقادة الأفارقة رؤساء الدول والحكومات أعضاء المبادرة الألمانية للشراكة مع إفريقيا فى إطار مجموعة العشرين، والتى دعت إليها المستشارة ميركل، حيث إن توجيه الدعوة للرئيس السيسى من المستشارة ميركل لحضور هذه القمة للمرة الثانية جاء تقديراً لمكانة مصر وأهمية دورها فى أفريقيا، حيث سيلقى الرئيس السيسى كلمة خلال أعمال القمة المصغرة تتناول رؤية مصر فى دفع وتعزيز جهود التنمية فى إفريقيا، خاصة أن مصر سترأس الاتحاد الأفريقى العام القادم 2019.
فى الوقت نفسه، تأتى هذه الزيارة فى توقيت مهم بالنسبة للقضايا التى سوف تتناولها، فعلى المستوى الثنائى، كشفت السنوات الخمس الماضية أن التطور الإيجابى الكبير فى العلاقات المصرية الألمانية كان فى صالح الدولتين، وفى صالح السلام والتنمية والاستقرار فى كل من أوربا والشرق الأوسط وأفريقيا، وجميعها أهداف مشتركة تسعى إليها مصر وألمانيا.
كما أن القضايا التى تحتل الأولية للطرفين خاصة قضيتى مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، فقد حققت مصر فيهما إنجازاً أصبح حديث العالم، ولديها الآن خبرة ناجحة فى المجالين معاً يسعى الجميع للاستفادة منها، فلم يخرج من مصر أى مركب هجرة غير شرعية منذ عام 2016، كما نجحت العملية الشاملة سيناء 2018 فى كسر شوكة الارهاب وتأمين حدود مصر فى الاتجاهات الأربعة، وفى طريقها لإعلان استئصال شأفة الظاهرة الأرهابية من الأرض المصرية.
وعلى الصعيد الإقليمى، لاشك أن قضايا الأزمات فى سوريا وليبيا واليمن وكذلك القضية الفلسطينية، جميعها فى مراحل بالغة الأهمية، بالنسبة للدولتين ولأوربا والشرق الأوسط وافريقيا بما لكل من هذه الأزمات والصراعات من انعكاسات فى انتشار الإرهاب وعدم الاستقرار وقضية اللاجئين وغير ذلك.
القمة الثانية للشراكة مع أفريقيا
طبقاً لتقرير"هيئة الاستعلامات" فإن الفضل فى إطلاق مبادرة الشراكة مع أفريقيا يعود للسيدة ميركل، التى بادرت من خلال رئاسة ألمانيا لمجموعة العشرين (مجموعة تضم أكبر 20 دولة على الصعيد الاقتصادى) بإعلان الشراكة مع أفريقيا، أو ماعرف باللغة الألمانية (compact with Afrika) حيث إن جنوب أفريقيا هى الدولة الأفريقية الوحيدة العضو فى مجموعة العشرين، ولم يدرج النمو الاقتصادى فى أفريقيا فعلاً على جدول أعمال قمم هذه المجموعة من قبل.
وقال مسؤول فى وزارة المالية الألمانية آنذاك، إن هذه الأولوية لأفريقيا ليس معناها أن السيدة ميركل تريد أعداد خطة مساعدة مالية بل إيجاد "فرصة لاجتذاب الاستثمارات والأرباح والوظائف"، انطلاقاً من أن الدعم السياسى الذى تقدمه مجموعة العشرين يمكن أن يجعل هذه الدول أكثر جاذبية لجهات التمويل الخاصة، حيث ترى ميركل: "أن السبيل الأساسى لوقف التدفق هو معالجة أسباب الهجرة وإيجاد آفاق لهذه الشعوب فى دولها". وأعلنت المتحدثة باسم ميركل أن "التنمية الاقتصادية يجب أن تكون بوتيرة سريعة لتأمين مستقبل مناسب للشباب والحد بالتالى من ضغوط الهجرة".
وبالفعل عقدت القمة الأولى للشراكة مع أفريقيا فى ألمانيا فى يونيه 2017 وحضرها عدد من قادة الدول الافريقية الذين وجهت لهم الدعوة آنذاك وفى مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أكد فى تلك القمة" أننا نعول على المبادرة التى أطلقتها الرئاسة الألمانية لمجموعة العشرين للتعاون مع إفريقيا، والتى تقوم على خلق الشراكات مع المؤسسات الدولية، بهدف خلق مناخ موات لجذب الاستثمارات لإفريقيا بشكل مستدام، لتحفيز نمو الاقتصاد بها، وتوفير فرص العمل، ورفع معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يحقق آمال الشعوب فى إيجاد سبل العيش الكريم، ويحد من تداعيات المشاكل التى تعانى منها القارة.
إن مصر تتطلع بأن تمثل المبادرة المقترحة قيمة مضافة، تحقق ما سبق أن تضمنته مبادرة مجموعة العشرين بشأن دعم التصنيع فى إفريقيا والدول الأقل نموا، وإقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص فى الدول الإفريقية.
وستسعى مصر لأن تكون مساهمتها فى المبادرة مساهمة بناءة تعمل على إنجاحها وتحقيق الأهداف المرجوة منها، خاصة فى ضوء ما تتمتع به مصر من روابط تاريخية وعلاقات قوية مع الدول الإفريقية. وحثها على المساهمة فى دفع عملية التنمية فى القارة بأكملها.
كما قال سيادته فى كلمته أمام القمة: "يواجه العالم فى المرحلة الحالية ظاهرتين تؤثران بشكل كبير على التوازن والاستقرار الدوليين، ومن ثم على تحقيق التنمية فى العديد من دول العالم، حيث أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية، لا تحترم الحدود وخطرًا يهدد الجميع. وعلينا أن نعمل سويًا للتعامل الحازم والشامل مع هذا الخطر الذى يهدد السلم والأمن الدوليين. وذلك من خلال تجفيف منابعه وقطع مسار تمويله وإيقاف إمداده بالسلاح والمقاتلين.
كما أن الهجرة غير الشرعية والتى نتجت عن عدم الاستقرار، وخاصة فى منطقتنا، تؤثر بشكل مباشر على جميع المجتمعات، بما يتطلب عملًا دوليًا أكثر تكاتفًا للتعامل مع هذه الظاهرة.
ولا شك أن هاتين الظاهرتين تشكلان تحديا كبيرا لكافة الدول، سواء فى إطار سعيها نحو تحقيق الاستقرار والأمن، أو تحقيق التنمية والرخاء والنمو الاقتصادى المستدام لمواطنيها".
ولا شك أن القمة الثانية فى إطار هذه المبادرة، من المقرر أن تقدم خطوات عملية وإجراءات فعالة لدعم التنمية فى أفريقيا.
علاقات متنامية
شهدت العلاقات الألمانية - المصرية تطورات كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية، حيث انتقلت مما يمكن وصفه بالجمود عقب ثورة 30 يونيو 2013 إلى التوافق والتعاون الوثيق فى جميع المجالات، بعد أن استطاعت مصر تصحيح الصورة المغلوطة عما جرى فى مصر من أحداث عقب ثورة 30 يونيو 2013.
وقد لبى الرئيس السيسى، تلبية لدعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بزيارة إلى ألمانيا فى الثانى من يونيو 2015 استمرت لمدة يومين، التقى خلالها المستشارة الألمانية وكبار المسئولين الألمان، وجرى خلالها بحث تعزيز التعاون فى مختلف المجالات، خصوصا الاقتصادية والعسكرية والأمنية.
وقد أدت زيارة الرئيس السيسى الأولى لألمانيا إلى تصاعد وتيرة التعاون المصرى ــ الألمانى فى جميع المجالات خاصة فى مجال جذب الاستثمارات والسياحة الألمانية إلى مصر.
ثم كانت قمة الرئيس السيسى مع المستشارة ميركل فى نيويورك فى سبتمبر 2015 حيث أكد الرئيس على الأهمية التى توليها مصر لعلاقاتها المتميزة مع ألمانيا، مشيدا بالدور الإيجابى الذى قامت به الشركات الألمانية للمساهمة فى دفع عملية التنمية فى مصر من خلال العمل على إنجاز مشروعاتها فى أقل وقت ممكن وبأعلى معايير الجودة مع إبداء التفهم اللازم لضرورة خفض التكلفة.
ومن جانبها، أشادت المستشارة الألمانية بمستوى الاتصالات الجارية والتنسيق المستمر بين الجانبين المصرى والألمانى فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية لمتابعة الموضوعات المشتركة وما يتم الاتفاق عليه بين الجانبين، كما وأعربت المستشارة الألمانية عن توافقها مع الرؤية المصرية الداعية إلى المواجهة الشاملة للإرهاب، معربة عن استعداد بلادها للانخراط فى أى جهود إيجابية بناءة تهدف لتحقيق الأمن والاستقرار، وتكافح العنف والتطرف والإرهاب."
ثم قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة للقاهرة فى مارس2017، وتناولت المباحثات المصرية- الألمانية العلاقات الثنائية، والتطورات التى شهدتها على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والثقافية، كما تم التشاور حول الملفات والقضايا الإقليمية والدولية التى تهم القاهرة وبرلين، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، والأوضاع فى كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن وغيرها من دول الشرق الأوسط، والتى تفاقم من ظاهرتى الإرهاب والهجرة غير المشروعة، وهو ما يفرض ضرورة السعى المشترك من أجل إيجاد حلول سلمية للنزاعات فى المنطقة.
ثم كانت زيارة الرئيس السيسى الثانية لألمانيا فى يونيو 2017، فى إطار استمرار تطوير التعاون بين البلدين على جميع المستويات والعمل المشترك على النطاق الإقليمى والدولى، وللمشاركة فى قمة الشراكة مع أفريقيا.
العلاقات الاقتصادية
يرى تقرير "هيئة الاستعلامات" أن الجانب الاقتصادى يمثل أحد أهم جوانب العلاقات بين مصر وألمانيا، وجاءت مشاركة ألمانيا بوفد رفيع المستوى فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، ترجمة للتوجه الالمانى لدعم الاقتصاد والاستثمار فى مصر، وتعبيراً عن إدراكها أن مصر مقصد استثمارى مهم وسوق واعد، حيث تم توقيع مجموعة من مشروعات فى مجال الطاقة بنحو 12 مليار يورو مع شركة "سيمنز" الألمانية، حيث شاركت هذه الشركة الألمانية العملاقة بنصيب كبير فى إنجاز ملحمة تطوير قطاع إنتاج الكهرباء فى مصر فى السنوات الأربعة الماضية.