من علاج الصداع حتى السرطان .. فوضى إعلانات الأدوية فى مصر
قوانين "الصحة" ومواثيق الشرف والمجلس الأعلي للإعلام تمنع إعلانات الأدوية.. على "الورق"
الضحايا: نجري وراء الوهم بحثاً عن الشفاء!
قنوات فضائية تفتح ذراعيها للنصب على المواطنين وآلاف المرضي يسقطون في الفخ
أدوية البرد والمفاصل والكبد والسرطان تنافس الزيت والسمنة
في الفضائيات والصحف والشوارع وعلى واجهات الصيدليات ومحطات الأتوبيس ووسائل المواصلات العامة تنتشر اعلانات الأدوية، بدءاً من أدوية الصداع والبرد وانتهاء بأدوية الكبد والسرطان والأمراض المستعصية، في حالة نادرة من الفوضى لا يعرفها إلا الشارع المصري، فإعلانات الأدوية ممنوعة بموجب كافة المواثيق والأعراف في العالم كله، إلا في مصر كل شيء مباح، حتى أصبحت الأدوية تنافس المسلي والزيت والصابون في اعلاناتها على كافة الوسائل.
الجديد أن هناك فضائيات أصبحت تفرد مساحات اعلانية لتجار يروجون أدوية لعلاج أمراض خطيرة دون أي رقابة من أي جهة، ولأن المريض »كالغريق يتعلق بقشة« فغالباً ما يدفع هؤلاء الثمن، وقد يفقدون أرواحهم ضحية هذه الاعلانات المضللة، كل هذا يحدث في ظل وجود وزارة للصحة ومجلس أعلي للإعلام ومواثيق للشرف الاعلاني ونقابات للأطباء والصيادلة تمنع مواثيقها كافة أنواع الاعلانات عن الأدوية؟ إذن فمن المسؤول عن هذه الحالة من الفوضي؟ خاصة إذا علمنا أن معظم هذه الأدوية مغشوشة وفقاً لتقارير وزارة الصحة.
حالة فريدة ونادرة من الفوضي الدوائية تعيشها مصر، فمنذ سنوات وإعلانات الأدوية تنتشر في كل مكان، بل أنها أصبحت ظاهرة على واجهات الصيدليات، حيث تقوم الشركات بالاعلان عن منتجاتها الدوائية على أبواب الصيدليات، وجوانبها وعلى اللافتات التي تحمل اسمها في كثير من المناطق، وعلي شاشات الفضائيات فوضي من نوع آخر، حيث تنتشر اعلانات عن أدوية لا تنتجها شركات متخصصة، إنما ينتجها أفراد منهم من يدعي أنه طبيب، وبعضهم ليس كذلك، ولأن هذه المساحات الاعلانية مدفوعة الأجر للقناة، نجد مئات القنوات التي تعلن عن مثل هذه المنتجات دون التأكد من الشركة المنتجة مع الاكتفاء بالكتابة أسفل الشاشة أن المنتج حاصل على تصريح من وزارة الصحة، وهذه الأدوية منها ما يعالج خشونة الركبة والمفاصل، ومنها ما يدعي علاج السمنة والنحافة، وهناك ما يعالج المشكلات الجنسية للسيدات والرجال على السواء، أما الجديد فهو علاج للسرطان ادعي أحد الأشخاص التوصل إليه، وراح يعلن عنه في الفضائيات، وأفردت له العديد من القنوات الخاصة مساحات للحديث عن ابتكاره الجديد، في نفس الوقت الذي مازال الدكتور مصطفى السيد يقوم بتجاربه العلمية لاستخدام تكنولوجيا النانو تكنولوجي وجزيئات الذهب منذ حوالي 10 سنوات .
الغريب أن اعلانات الادوية اكتسحت كل شيء في مصر بما في ذلك وسائل الواصلات العامة ومحطات مترو الانفاق، في ظاهرة نادرة وفريدة لا توجد إلا في مصر، ورغم أن الدكتور محمود عبدالمقصود وكيل نقابة الصيادلة سابقاً أكد أن الاعلان عن الأدوية مجرم في كل المواثيق الطبية، إلا أن ما يحدث الآن هو حالة من الفوضي نتيجة لتوزيع المسؤولية بين الصحة والقنوات الخاصة التي لا تهدف لشيء إلا للربح، فهذه القنوات تقوم ببيع المساحات الاعلانية للمنتج دون التأكد من اجتياز الدواء لمراحل التجريب المختلفة، والمريض يجد في هذه الاعلانات ضالته، فهو كالغريق يتعلق بقشة، وفي النهاية تتأثر حالته وقد يتعرض لمخاطر صحية جسيمة.
وينصح الدكتور عبدالمقصود بعدم الانصياع وراء هذه الاعلانات المضللة، واتباع ارشادات الأطباء واستعمال الأدوية المسجلة التي تباع في الصيدليات، مطالباً بضرورة تفعيل مواثيق الشرف الطبية والإعلانية وضرورة عدم الاعلان عن الأدوية.
فيما حذر الدكتور أسامة عبد الحي، رئيس الهيئة التأديبية بنقابة الأطباء، من هذه الفوضي الاعلانية مؤكداً أنها تمثل خطورة كبيرة على حالة المرضي، خاصة في حالة الأمراض المستعصية، حيث يستغني المريض عن علاجه الحقيقي ويلجأ لاستخدام هذه العلاجات المضللة التي قد تودي بحياته خاصة أن معظمها مجهولة المصدر، وكشف أن المادة 8 من لائحة آداب المهنة تنص على أنه «لا يجوز للطبيب السماح باستعمال اسمه في ترويج الأدوية أو العقاقير أو مختلف أنواع العلاج لأغراض تجارية على أي صورة من الصور»، كما تنص المادة 10 على أنه «لا يجوز للطبيب أن يقوم بالدعاية لنفسه على أي صورة من الصور سواء عن طريق النشر أو الإذاعة المسموعة أو المرئية أو عبر وسائل الانترنت أو أي طريقة أخري للإعلان، وأشار إلى أن النقابة قامت من قبل بمراسلة الأطباء للالتزام بقواعد المهنة ومخاطبة القنوات الفضائية بذلك، ولكن هذه القواعد يتم تجاوزها، وفي حالة توجه المواطن بشكوي للنقابة في هذا الصدد تقوم لجنة التحقيق باستدعاء الطبيب المتهم للتحقيق معه، ومن تثبت إدانته، تقوم اللجنة بتحويله إلى الهيئة التأديبية بالنقابة.
يذكر أن أي دواء يتم انتاجه يمر بـ4 مراحل بدءاً من الأبحاث ثم التجريب على الحيوان ثم الانسان وأخيراً وحتي الانتاج العام، إلا أن الأدوية المغشوشة التي يتم الاعلان عنها لا تمر بهذه المراحل، حتى أن منظمة الصحة العالمية حظرت من انتشار هذه الظاهرة في العالم، مشيرة إلى أن حجم تجارة الأدوية المغشوشة تبلغ 200 مليار دولار حول العالم، وقد كان لمصر نصيب كبير منها طوال الأعوام الماضية ودائماً ما كانت الفضائيات هي المروج الأساسي لها، مما دفع نواب البرلمان إلى التقدم بطلب احاطة حول هذه الاعلانات المضللة، أشار فيها النواب إلى أن اعلانات الفضائيات لا تراعي هذه المراحل، ويتم انتاجها في أماكن مجهولة ثم يعلن عنها في الفضائيات دون التأكد من سلامتها، وقد تزيد نسبة المواد الكيميائية في بعضها مما يعرض حياة المريض لخطر الوفاة?، مطالبين بضرورة تجريم هذه الاعلانات وتقنين الأدوية التي يتم الاعلان عنها في الفضائيات?,? خاصة أن شروط نقابة الصيادلة وميثاق شرف المهنة تنص على عدم المنافسة في الاسعار بين الشركات المنتجة للأدوية والصيدليات وعدم تغيير النسب الكيميائية الفعالة في الأدوية، وهذا كله لا يراع في أدوية الفضائيات.
من ناحية أخري، كشفت دراسة الدكتوراه التي أجراها الباحث أحمد فؤاد الدهراوي، الباحث بجامعة الأزهر، أن الإعلانات الطبية تستحوذ على مساحة زمنية كبيرة من بث القنوات الفضائية تقدر بـ35.8% من إجمالي مساحة الإعلانات التجارية المقدمة في الفضائيات العربية، وأشارت الدراسة التي حملت عنوان «الإعلانات الطبية في الفضائيات العربية واتجاهات الجمهور نحوها«، أن هذه الإعلانات تسع لبناء قاعدة جماهيرية عريضة باستهداف الجمهور العام في المقام الأول بنسبة 39%، ثم الأزواج بنسبة 19%، والمرأة بنسبة 17.1%.
وأكدت الدراسة أن التجاوزات الأخلاقية في هذه الاعلانات تبلغ 26.4%، تليها التجاوزات الخاصة بثقافة التداوي بنسبة 20.9%، ثم تجاوزات تدني الذوق بنسبة 14.8%، والتجاوزات المتعلقة بالمقارنة والمنافسة 14.1%، والتجاوزات الأخلاقية المتعلقة بظهور المرأة في المرتبة الخامسة بنسبة 12.5%.
ورغم كل هذه الدراسات والرصد غير القانوني واللا أخلاقي لهذه الاعلانات إلا أنها مازالت مستمرة.?
كثيرون انخدعوا من إعلانات الأدوية المضللة المنتشرة في الشوارع، وعلي الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، فالمريض كالغريق يتعلق بقشة، ولأن هذه الأدوية دائما ما تلعب على وتر الشفاء العاجل، ويستخدم بعضها فنانين وأطباء للترويج لها، فغالبا ما ينساق وراءها الغرقي وتكون النتيجة تأثر حالتهم الصحية أكثر وأكثر.
نجلاء واحدة من هؤلاء الضحايا الذين انخدعوا بإعلان أحد الأدوية الذي ملأ الدنيا ضجيجا بقدرته على القضاء على مرض السكر وتغني له أحد المطربين المشهورين، اتصلت نجلاء بالشركة الموزعة عبر أرقام التليفونات الموجودة على الشاشة أسفل الإعلان، ووصلها الدواء بعد يومين ودفعت مقابله 1250 جنيها، إلا أن حالتها لم تتحسن رغم استخدام الكورس كاملا لمدة أسبوعين وفقا لما هو مدون على العبوة، بل والأخطر أنها حينما توجهت لطبيبها أبلغها أن السكر مرتفع عن معدله العام بكثير قائلا: إحمدي ربنا أنك لم تدخلي في غيبوبة بسبب هذا الارتفاع، مشيرا إلى أن هذه الاعلانات نصب وأن مرض السكر من الأمراض التي لا شفاء منها، إلا في حالة أن يكون المرض من الدرجة الثانية المرتبط بالسمنة، فإذا شفي الإنسان من السمنة يشفى من السكر.