ضبط 25 مستريحا استولوا على 240 مليون جنيه خلال 3 أشهر فقط
آخرهم حوت روض الفرج
المقرحى : الأمان الكامل في التعامل الرسمي مع البنوك التي قامت برفع قيمة الفائدة
قانونيون يحذرون: شركات توظيف الأموال في مصر.. كيانات وهمية
القانون لا يحمي المغفلين جملة تقال عندما يقع أحد المواطنين ضحية لحسن النوايا، لكن في النهاية تكون النتيجة الحتمية خسارة كبيرة قد تدفع بالمواطن إلى غياهب السجن، وقتها لا تفلح حسن نيته في شئ ما دامت الأدلة كلها ضده، وكذلك الأمر في قضايا النصب والاحتيال فعادة النصاب لا يبحث سوى عن الطماع أو الجشع، لذا يقال دائما إن وراء كل نصاب شخص طماع تلاقت أهدافهم واختلفت النتائج، مسلسل الطماع والنصاب عرض مستمر منذ الثمانينيات في القرن الماضي بداية من الريان والسعد ومرورا بأحمد المستريح الذي سقط في عام 2015 وصاحب أول لقب لكلمة مستريح عرف بمصر، ورغم النصائح المتسمرة والدائمة إلا أن المستريح ينجح دائما في لهف أموال الضحايا عن طريق شركات النصب الوهمية، التي تجمع الأموال بزعم توظيفها ثم تستولي عليها، ويختفي صاحبها فجأة دون مقدمات، وتعتبر عمليات توظيف الأموال خارج الإطار الشرعي الذي تنظمه الدولة عملية مجرمة وفقا للقانون لأن هناك قانونا واضحا لشركات توظيف الأموال ينظم عملها ويحد من المخاطر التي قد يتعرض لها المواطنون جراء التعامل مع تلك الشركات، إلا أنه لا يتم منح تراخيص لما يسمى بشركات توظيف الأموال، الكثير من المواطنين لا يزال يلهث وراء حلم الثراء والاستثمار والأرباح الكبيرة مقارنة بالبنوك، لكن في نهاية المطاف يرفض صاحب رأس المال سداد الأرباح بعد عدة أشهر، ليكتشف المواطن أنه وقع ضحية عملية نصب ضخمة خسر فيها كل شئ، مباحث الأموال العامة تلقت خلال الأشهر الماضية عشرات البلاغات ضد بعض النصابين الذين نجحوا في بيع الوهم للمواطنين والحصول على أموالهم والحصيلة عادة ما تكون بالملايين، »الأموال« رصدت ابرز هذه القضايا بالأرقام لتوضيح المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها المواطنون والاقتصاد المصري وراء هذه العمليات غير النظيفة والموقف القانوني في لشركات توظيف الأموال .
القصة الأخيرة حدثت منذ أيام قلائل في روض الفرج بالقاهرة بعدما أعلنت مباحث الأموال العامة، عن ضبط مستريح جديد، نصب على عدد من المواطنين، واستولى منهم على مبالغ مالية تجاوزت 90 مليون جنيه، وكشفت تحريات المباحث أن المتهم يعمل تاجرًا لقطع غيار سيارات، وصاحب إحدى شركات تنظيف السيارات بمنطقة روض الفرج بالقاهرة، لافتة إلى أنه استولى من المواطنين على مبالغ مالية بلغت 90 مليون جنيه بغرض توظيفها واستثمارها في مجال تجارة قطع غيار السيارات من خلال شركته، مقابل أرباح شهرية بالمُخالفة لأحكام القانون، وامتناعه عن سداد الأرباح، أو رد أصل المبالغ، وألقت المباحث القبض على المتهم أثناء تردده على أحد المقاهي في مدينة نصر، إذ اعترف بالواقعة، وأُحيل إلى النيابة العامة التي تولت التحقيقات.
كما نجحت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، في ضبط 25 شخصًا استولوا على 240 مليونا و500 ألف جنيه من ما يقرب من 200 مواطن بدعوى توظيفها في مجالات متنوعة مقابل أرباح شهرية مُتفق عليها قاموا بسدادها للمجني عليهم لفترة محددة لطمأنتهم ثم امتنعوا عن سداد الأرباح ورد أصول المبالغ.
أزمة ثقة
يقول اللواء محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية الأسبق في تصريحات خاصة، إن جرائم توظيف الأموال تعود في الأساس إلى أزمة الثقة بين الجهاز المصرفي والمواطن واحتياج المواطن للفائدة المرتفعة قائلاً «المواطن ضحية للإغراءات التي يقوم بها النصابون الذين يعرضون فائدة تتراوح ما بين 20 إلى 30%، ورغم أن كثيراً من المودعين يعلمون أنهم يغامرون بأموالهم لكنهم يسيرون في فصول المؤامرة حتى آخرها، وللأسف الشديد بعد أن يستولى المتهم على أموال البسطاء ليس أمام المجني عليهم سوى انتظار حكم المحكمة بالتحفظ على أمواله المتبقية لتقسيمها ليحصل على الفتات من أصل رأس المال الخاص به، مشيرًا إلى أن العقوبة التي وضعها المشرع والتي لا تتناسب مع حجم الجرم الذي يرتكبه من يستولى على أموال الشعب ?حيث إن المادة (1) من القانون رقم 146 لسنة 1988 الخاصة بالشركات العاملة في مجال تلقي الأموال قد حظرت في فقرتها الأولي على غير الشركات المقيدة في السجل المعد لذلك بهيئة سوق المال أن تتلقي أموالاً من الجمهور بأي عملة وبأي وسيلة وتحت أي مسمي لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحاً أو مستتراً، ثم نصت المادة 21 من هذا القانون في فقرتها الأولي علي أنه «كل من تلقي أموالاً علي خلاف أحكام هذا القانون، أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها، يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد علي مثل ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق منها، ويحكم علي الجاني برد الأموال المستحقة إلي أصحابها.
من جانبه قال الخبير القانوني محمد مهران، إنه لا يوجد أصلاً فى القانون ما يسمى بشركات توظيف الأموال وليس لها أي أوراق رسمية أو تصاريح خاصة بها أو تراخيص يتم منحها لأصحاب تلك الشركات وإنما هي في الأصل عملية نصب ممنهجة، يقوم بها بعض الأشخاص المتخصصون في »تفتيش« جيوب الغلابة والاستيلاء على أموالهم بعد أن يقوموا بنصب شباكهم حولهم للإيقاع بهم من خلال عروض وهمية ومكاسب زائفة يبدأون في تسديدها ثم يختفون فجأة دون مقدمات.
أما اللواء دكتور علاء الدين عبد المجيد الخبير الأمني، فأكد أنه بالرغم من توالى سقوط المستريحين، وإثارة الإعلام لذلك، إلا أنه كل يوم تقع ضحية جديدة في هذا الفخ، مشيرا إلى أن لجوء المواطنين لوضع أموالهم لدى شركات توظيف الأموال الوهمية بعيداً عن البنوك، سببه » ثقافة الطمع« أملاً في الحصول على ربح شهري أكبر، مشددًا على ضرورة التحري عن شركات توظيف الأموال قبل التعامل معها، وضرورة اللجوء لمباحث أموال العامة للاستفسار عن بعض الشركات التي تعمل في هذا المجال حتى لا يقع المواطن ضحية لهذه الشركات.
أما اللواء فاروق المقرحى مساعد وزير الداخلية الأسبق، فأكد أن »الطمع« هو أساس الأزمة، لافتًا أنه » طالما أن الطماع موجود فلا بد أن يكون هناك نصاب يغريه ويلهف أمواله«، مشيرًا إلى إنه منذ عام 1983 وحتى الآن مازالت ظاهرة توظيف الأموال مستمرة، وذلك بسبب رغبة المواطنين في الكسب السهل والسريع، لافتًا أن الأزمة تكمن في أن المعاملات تتم جميعها في الخفاء، حيث يتردد الكثيرون على النصاب، وعندما تقع الكارثة، يلجئون إلى الشرطة لتحرير المحاضر، و المعاملة تتم في سرية تامة حفاظا على ما يحصل عليه الضحايا من أرباح من أموالهم وتكتشف الواقعة حينما يتوقف النصاب عن السداد، مؤكدًا أن الأمان الكامل في التعامل الرسمي مع البنوك التي قامت برفع قيمة الفائدة لتصل في بعضها إلى 20%، وكذلك من خلال الدولة والشركات التي يتم الإعلان عنها وعن نشاطها بشكل رسمي، وأن توظيف الأموال عملية نصب كبيرة، ليست لها حلول والحل الأوحد هو الابتعاد عن الوقوع في براثن النصابين.
أما الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فيقول، إن هذه الظاهرة كان المفروض أنها ستنحسر بعد قرار محافظ البنك المركزي برفع سعر الفائدة على الودائع فى البنوك إلى 20% مرة واحدة منذ عام تقريبًا، خصوصًا أنه سعر الفائدة مغرى جدا لأي شخص يريد أن يضاعف أمواله ومدخراته، فهو تقريبا نفس سعر الفائدة الذي كانت تطرحه شركات توظيف الأموال في الماضي لجذب زبائنها، لكن مع ذلك فلا تزال الظاهرة مستمرة، ولا تزال قضايا النصب متجددة، ومحاربة هذه الشركات من خلال رفع سعر الفائدة يبدو أنه لم يكن كافيا، فهذا القرار أدى لضرب فرص الاستثمار والتنمية لأنه لا يوجد مشروع استثماري يمكن أن يحقق مكسبا 20 % من رأسماله ومن ثم فإن هذا القرار سوف يدفع بأصحاب المشروعات للتوقف ووضع الأموال فى البنوك والاستفادة من أرباحها ومن ثم ترتفع معدلات البطالة ويتم طرد العمال ويتوقف الإنتاج ويزيد الطلب ويقل العرض وترتفع الأسعار وهنا تعود مرة أخرى دوافع الصراع بين البنوك وشركات توظيف الأموال برفع الفائدة إلى 30 % مثلا لدى هذه الشركات ومن ثم تزداد قدرتها على جذب المزيد من الضحايا.