«صوت المعاناة» في قصائد أحمد الشامي دراسة للكاتب ”الجميلي أحمد”
صدرت حديثًا دراسة للشاعر الجميلي أحمد ـ عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر.. عن شاعر العامية أحمد الشامي " قا ل فيها:
يعد الشاعر أحمد الشامي واحدًا من أقوي الأصوات الشعرية في شعر العامية المصري، وهو من جيل الشعر الحقيقي جيل التسعينات
الشامي شاعر ومثقف حقيقي يحمل ثقافة حقيقية ناتجة عن بحث وجهد لم يكتف الشامي بتثقيف نفسه كشاعر ومثقف ثقافة شفاهيه أو سماعية فقط بل حاول بكل حب أن يجمع كل كتاب يتاح له جمعه منذ التسعينيات وما قبلها
لذا تميز بأسلوب فريد ورؤيه ثرية للواقع في مصر وللثقافة العربية. على الرغم من أن لديه ديوانًا واحدًا فقط يحمل عنوان "خمسينية شاي"، إلا أنه استطاع بقوة شعره أن يحدث له بصمته قلوب كل من قرأ أو سمع الشامي.
تجاوز الشامي العديد من التحديات والظروف الصعبة في حياته، حيث سعى جاهدًا لتوفير حياة كريمة لأولاده، مما أدى إلى ابتعاده عن الوسط الثقافي لفترة طويلة. ومع ذلك، عاد الشامي بقوة ليعمل على تطوير شعره ومواصلة رحلته الأدبية.
نشأته
نشأ وتربى الشامي في حي شبرا مصر، وبدأ كتابة الشعر بعد مرحلة الثانوية عام ١٩٧٧، حيث شهدت أوائل التسعينيات بداية رحلة نضوجه الشعري بمقهى الحاج حسن العجاتي، وبعدها انتقل إلى مقاهي أخرى مثل مقهى زهرة البستان وحوش آدم بالغورية.
تعرض الشامي لمختلف الأوضاع والتجارب في حياته، وقد التقي بعدد من المبدعين والشعراء في المجال الأدبي والثقافي، مما أثر في تطوره الشخصي والأدبي. وبدأت عودته للندوات والصالونات منذ عام ٢٠١٩، حيث عاد ليشارك في مناقشات وأمسيات شعرية.
بالرغم من تجاربه الصعبة، فإن الشامي استطاع أن يثبت وجوده في عالم الشعر العامي، وأصبح له باع طويل في هذا المجال. تركيزه على تجارب الحياة اليومية وتقديمها بأسلوبه الخاص جعل من شعره قويًا ومؤثرًا في نفوس الأخرين.
يمثل أحمد الشامي شاعرًا يحمل في قصائده روح الواقعية والمعاناة الإنسانية، ويعبر عن تجاربه اليومية والتي تجعل من قصائده تمس هموم الناس.
أحمد الشامي وديوان "خمسينة شاي"
يعتبر ديوان "خمسينية شاي" للشاعر الكبير أحمد الشامي واحداً من الأعمال الشعرية المميزة التي تأخذنا في رحلة طويلة إلى زمن جميل يتجلى في وجدان الشاعر. يتضح من عنوان الديوان، "خمسينية شاي"، أن الشاعر يسترجع ذكريات الماضي واللحظات الدافئة التي تصاحب شرب الشاي ومشاركته مع الأحباء، وهذا يعكس جانباً من حنين الشاعر للذكريات الجميلة والأوقات السعيدة.
تتميز قصائد ديوان "خمسينية شاي" بقوة الصورة الشعرية وثبات التجربة الشعرية حيث يبدع الشاعر في استخدام اللغة الشعرية بأسلوب متقن يلامس القلوب ويحمل الكثير من المعاني والرموز. يتناول الشاعر في ديوانه مواضيع متنوعة تشمل الحب والحنين، والطبيعة وجمالها، والوطن والهوية، مما يجعله يتصدر قائمة الأعمال الشعرية المتميزة.
على الرغم من أن هذا الديوان هو الديوان الوحيد للشاعر أحمد الشامي، إلا أنه يحمل تجربة ثرية وكبيرة تدل على حجم شاعريته. يظهر في كل قصيدة من قصائده لمسة فنية راقية تعكس روح الشاعر وإبداعه.
إن ديوان "خمسينية شاي" يعتبر إضافة قيمة إلى مكتبة الأدب العربي، ويستحق التقدير والاعتراف كعمل شعري مميز
وكي نري تجربة الشامي التي أري من وجهة نظري البسطة أنها مدرسة يتعمل منها الآخرين تعالوا معي ندخل عالم الشامي الشعري
ففي قصيدة هاتٌولي شــــومَـــــة
يرسم الشاعر أحمد الشامي في قصيدة "هاتولي شومة" تصوير معاناة الفقر والحاجة والظلم الاجتماعي الذي يعاني منه الكثيرون. يبدأ الشاعر بالتعبير عن رغبته في الحصول على شومة ليكسر بها عظام الفقر ويطحنها ويدفنها في مقابر الصدقة، وهو تشبيه يعكس رغبة الشاعر في التخلص من الفقر وتحمله عن كاهله.
تستخدم القصيدة صوراً قوية ومؤثرة، مثل "لقمة حاف" و"زلعة مش موجودة"، لتوضيح حالة الحاجة والضيق التي يعيشها الكثيرون. كما يصور الشاعر معاناة الفقر بالتعبير عن الأوضاع المتردية والظروف الصعبة التي يضطر فيها الفقراء للعيش، وكيف يتعرضون للظلم والاستغلال من قِبل الأثرياء والسلطات.
تنتهي القصيدة بتأكيد الشاعر على رغبته في إيجاد حلول لمعاناة الفقراء، ولكنه يعبر في النهاية عن الثقة في قدرة الله على تغيير الأحوال وتحسينها، مؤكداً على أهمية الصبر والتفاؤل رغم الصعوبات التي قد يواجهها الإنسان.
والتي يقول فيها
هاتٌولي شــــومـــــة
أكَسًر بيها عضام الفقر
وأطحَنها
أدفنها في مقابر صَدَقة
وأزورها كل أول شهر
أفَكَرها ب ليالي الظلم
في نهارها
أفَكَرها بلٌقمة حاف
محتاجة سِنان تكَسَرها
بزَلعِة مِش .. مٌش موجودة
ودودة هربانة م الزَلعة
بوِلعة نطًفٍي بيها العٌهر
والتطبيل علي المليان
وعـ الفاضي
علي قاضي
باع ضميره
في عز الضهر
وكان راضي
علي حِلم
كان قدامنا وطار ..
علي فار
عامل علينا أسد
بيكلمنا كما الأخيار
وبيفهمنا
بإن أذكَي مافينا حمار
ومصمم يجَوعنا
ويحوِجنا
ويكسرنا في يوم عيدنا
واحنا بدون حسَد
بندوًر لسه عـ اللٌقمة
نقَرقَشها ونِقطٌمها
ونِدِي كل فرد منابٌه
ملعون أبوه الفقر
ملعون أبو اللي جابُه
ملعون أبو اللي بهدلها
نَخٍت جبال الصبر
من نٌدرة مواويلها
أنا كان نِـفـسي
أغنيلها ..
أجمع خيوط الأمل
وأغزِلها ..
أقَطًع خيوط الألم
وأعزِلها ..
ألملِم جراح القهر
وأستٌرها ..
لو كان بإيدي الأمر
أنا كنت هاعمِلها
لكن .. العين بصيرة
والإيد قصيرة
ربك كريم قادر
في طرفة عين
يبدِلها .. يعدٍلها
قصيدة "الضحكة"
أما في قصيدة "الضحكة" للشاعر أحمد الشامي تعبر عن المعاناة والصراعات التي يواجهها الفرد في حياته اليومية، وتستخدم الضحكة كرمز للتظاهر بالسعادة والبهجة رغم الألم والمعاناة الحقيقية التي يختبئ وراءها. يبدأ الشاعر بصورة للضحكة وهي تقف على باب الشارع، تشاور عقلها إذا كانت ستدخل أم لا، خائفة من أن تتعرض لصدمة أو أحزان تجعلها تكش.
تصور الضحكة كمظهر خارجي يختبئ وراءه الكثير من الألم والمأساة، حيث تزعجها التجارب السلبية والظروف القاسية التي يمر بها الشاعر. يتمثل الصراع الحقيقي في الضحكة التي تتظاهر بالسعادة على وجه الناس رغم ألمها الداخلي وتجاربها الصعبة.
تنتقل القصيدة إلى وصف حالة الناس المكبوتة والمخضوضة، الذين يخافون أن يتعرضوا للظلم والسلبية من قبل الآخرين، لكنهم مضطرون للتظاهر بالضحكة رغم حالتهم الداخلية المتألمة.
القصيدة تعكس ايضا الصراعات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الانسان في محاولته للتظاهر بالسعادة والبهجة رغم الظروف الصعبة التي يمر بها.
والتي يقول فيها
( الضحكة )
الضحكة واقفة
علي باب شارعنا
بتشاور عقلها
أدخل .. لأ مادخُلش
خايفة تقاوح وتخُش
تشرب صدمة
وتحضن الأحزان وتكِش
الضحكة ..
علي وش الغلابة صعبة
الضحكة ..
في ايدين الديابة لعبة
الضحكة بتزعل
لما تلاقي ناس
تسرق وتنهب
وبميت وِش
وناس حاطًة ايديها
في زلعِة مِش
جسم الضحكة يقشعر
ودماغها توِش
مـ الناس المكبوتة
المخضوضة
اللي خايفة تطلع
علي باب الشارع
تضحك ضحكة
تبان ع الوِش
قصيدة "مش عيب"
وبالدخول إلي قصيدة "مش عيب" للشاعر أحمد الشامي تعبر عن مفهوم الخطأ والنقد في المجتمع، وتقدم رؤية مختلفة تجاه السلوكيات والقيم التي يمكن أن تكون في وجهة نظر بعض الناس عيبًا أو غير مقبولة في العيون الاجتماعية.
يبدأ الشاعر بإشارة إلى أن هناك أمورًا كثيرة يمكن أن تُعتبر عيبًا من وجهة نظر بعض الناس، ولكن في الحقيقة ليست كذلك، مثل الرومانسية في حُب الوطن والثورية ضد الظلم، وهنا يريد الشاعر أن يُظهر أن هذه القيم والمبادئ لا يجب أن تُعتبر عيبًا.
من ثم، ينتقل الشاعر إلى تناول المواقف الشخصية والاجتماعية التي يمكن أن تكون عيبًا، مثل عدم الاستقلالية والتبعية، وعدم التمسك بالمبادئ والقيم الصحيحة.
في النهاية، يعيد الشاعر التأكيد على أن العيب الحقيقي هو عدم الاستقلالية والتبعية للآخرين، وعدم الالتزام بالقيم الأخلاقية الصحيحة، وذلك من خلال التشديد على أهمية الحرية والاستقلالية في الحياة.
القصيدة رؤية للشاعر عن المفهوم الاجتماعي، وتدعو إلى التمسك بالقيم الأخلاقية والثورية وعدم الاستسلام للقيم الخاطئة والسلوكيات السلبية في المجتمع.
والتي يقول فيها
( مُش عيب )
فيه حاجات كتير مِتعَيبة
وحاجات كتير مُش عيب
الرومانسية في حُب الوطن
مُش عيب ..
الثورية ضد العَطن
مُش عيب ..
والحوار مكان الجدل
مُش عيب ..
العيب إنك تكون مملوك
لكن ..
تعيش حرفوش
تعيش صعلوك
تعيش قليل الحظ
وخالي الجيب
مووووش عيب
ولاعيب إنك تعارض
ويقولوا عليك مُعارض
طالما بتنطق حَقْ
لكن عيب إنك تبيع
وتمشي ورا القطيع
وتخاف من كلمة لأ
قول لأ بعِلو صوتك
قولها ولَوْ علي موتَك
خاف علي نفسَك
خاف علي أهلَك
خاف علي قُوتَك
ماتخليش حدْ يزُقَك زَق
العيب إنك تنصُر ظالم
وتمسِكلُه طبلة ورِقْ
الجدعنة مع أهلك وناسك
مُش عيب ..
إنك تقَف في وِش
اللي داسَك
مُش عيب ..
إنك تزرع وتحصُد بفاسَك
مُش عيب ..
العيب إنك تكون مملوك
لكِن ..
تعيش حرفوش
تعيش صعلوك
تعيش قليل الحظ
وخالي الجيب
مووووش عيب
"كل ما أحبك"
وفي قصيدة "كل ما أحبك" للشاعر لشامي تعبر عن الصراع الداخلي والمعاناة العاطفية مع الوطن التي يعيشها الشاعر في علاقته مع الحبيبة الوطن. يتناول الشامي في هذه القصيدة مشاعر الخيبة والغضب والحزن التي تنتابه عندما يشعر بعدم المساواة والظلم في العلاقة.
يبدأ الشاعر بالتأكيد على تضحياته وتحمله للكثير من الأمور والعناء من أجل حبيبتة، مع تعبيره عن استيائه وغضبه من تصرفاتها وتقلب مشاعرها تجاهه الحبيبة الرمز للوطن.
ثم يتناول الشاعر موضوع الخيانة والانتهاك، مع إشارته إلى الإحساس بالذل والاستغلال الذي يعانيه من خلال العلاقة مع الحبيبة.
في النهاية، يعبر الشامي عن استياءه وتخبطه من تصرفات الحبيبة وتغير مشاعرها تجاهه، مما يجعله يتساءل بعمق عن العلاقة وعن ما إذا كان يستحق كل هذا الحب والكراهية في الوقت نفسه.
القصيدة تعبيرًا شاعريًا عن العلاقات العاطفية المعقدة والصراعات الداخلية التي يمكن أن تنشأ مع وطن لا يحتوي الجميع.
يقول الشامي في قصيدته - كُل ماأحبِك -
بتكرهيني !!
كل يوم كرباج
علي ضهر الغلابة
خلاص بقيتي ساحة
مستباحة للديابة ؟
إحنا اللي كدابين
ولآ انتِي اللي كدابة ؟
كل حاجة فيكي بتِعلَيَ
واحنا نوطيلك
كل حاجة فيكي بتِغلَيَ
واحنا اللي بنشيلِك
ومستحملينك
مهما تعملي فينا
نشتريكي .. تبيعينا
نقرًب منك .. تبعدينا
إحنا الكتاب اللي إختفيَ
والصبر في كُراسِك
يشهد بزمن الوَفا
واللي عادوكي حُراسِك
بيدوقونا الذُل
وكل حاجة :: مافيش
وطعم عسلِك مُر
لا جناح ولا ريش
كل اللي فيكي ضرَر
ولا فيكي حاجة تسُر
أنا كنت عايش حُر
وزرعِي من طينِي
أنا اللي حفرت القنال
والسُخرة علي عيني
وياما شِلت همِك
ولا مرَة شيلتيني
تقومي تصدقيهم
وتكدبيني !!
تريحيهُم وتتعبيني !!
تآمنِي باللي باعك ..
وتكفًريني !!
لا طينِك بقيَ طينيِ
ولا نيلِك بقيَ نيليِ
ولا مالِك فيكي قبر
جواه دفنتيني !!
ولا فاضِل ليًا شِبر
ولا صبرِك بيسقيني
وصدقيني لما أقوللِك
بعد اللي شفتُه منِك
حُزنِك بيكويني
فرحِك بيشجيني
مُرِك وصبارِك ونارِك
علي قلبي زي العسل
فرحِك وحُبِك ودارِك
شيء مابيننا إتوصَل
طب إيه اللي حصل
غيًروا التاريخ
رجعوا بينا لوَرَا
وبدِلوا التواريخ ؟
إيه اللي حصل يابلد
وموديينِك فين ؟
مقطعينِك حِتَت
ومقسمينِك زين
أنا يامَا ضهرِي إنحنَيَ
ودُقت فيكي الضنَا
وكان عشمِي تحبيني
وزي ماراعيتِك
كان لازم تراعيني
هو أنا ليه كل ماأحبِك
تحبيهُم وتكرهيني
"خمسينية شاي"
في ختام دراسة قصائد ومشروع الشاعر الكبير أحمد الشامي وديوانه الوحيد "خمسينية شاي"، نجد أنه قدم تجربة شعرية فريدة ومميزة تعكس عمق الوجدان وتجربته الشخصية في مواجهة الحياة ومعاناتها. تنوعت قصائده بين الواقعية والتجريبية، مرسخاً مكانته كشاعر يستطيع استحضار الصورة الشعرية بقوة وعمق.
ديوانه "خمسينية شاي" يعكس تجربة شاعرية غنية، حيث يتناول فيه مواضيع اجتماعية وسياسية وشخصية بأسلوب مباشر وصادق، يترجم من خلالها أحاسيس الفقر والظلم والقهر بطريقة مؤثرة تلامس أوتار القلوب.
يجب أن تنظر الدوائر الثقافية والمؤسسات ووزارة الثقافة المصرية إلى مثل هذه التجارب الشعرية الراسخة بإعتبارها جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي والأدبي للمجتمع. ينبغي دعم وتشجيع الشعراء الذين يساهمون في إثراء المشهد الثقافي والأدبي بأعمالهم المتميزة والملهمة.
باعتباره أحد رموز الشعر العامي المصري، يظل الشاعر أحمد الشامي شاهدًا على تجارب الحياة وشاعرًا يعبر عن تفاصيلها بأسلوبه الساحر، مما يجعله إضافة ثمينة للتراث الأدبي والثقافي المصري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراسة : الجميلي أحمد
شاعر وكاتب ـ عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر
رئيس مجلس امناء مؤسسة برادايس
مدير دار وعد للنشر والتوزيع