البنك الدولي يشرح لـ”الأموال” كيف يتعاون مع مصر لتمكين المرأة
خلق فرص العمل والسكن ميسور التكلفة عاملان أساسيان لتمكين المرأة.
لا يقتصر تمكين المرأة على خلق فرص العمل والتوظيف وإنما يتضمَّن أيضا ملكية الأصول.
يقدم البنك الدولي المساندة لتمكين المرأة من خلال مشروعين مختلفين لخلق فرص العمل.
يساعد البنك الدولي النساء على تحقيق كامل إمكاناتهن وسبل كسب أرزاقهن.
- فاطمة البطاوي وإسلام توفيق:
يواصل البنك الدولي مساندته للجهود التي تبذلها مصر لمساعدة المرأة على الحصول على فرص العمل وتحقيق الدخل من خلال تنفيذ العديد من المشروعات.
وحسب تقديرات البنك الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي في مصر سيرتفع بنسبة 34% في حال تساوي مشاركة المرأة فى العمل مع الرجل.
ويعد زيادة مشاركة المرأة المصرية في قوة العمل من أهم المؤشرات الإيجابية للتمكين الاقتصادي في مصر.
وكانت النسبة حسب تقديرات البنك الدولي، في الأعوام 2011 و2012 حوالى 22.48% و22.75% وهي النسبة الأقل في مؤشرات مشاركة المرأة في سوق العمل، إذ واجهت المرأة في تلك الفترة العديد من المعوقات، لعدم وجود البيئة الداعمة لها سواء على الصعيد المجتمعى أو على صعيد سياسات الدولة حينها.
ولكن منذ عام 2014 توجهت الدولة نحو تمكين النساء وزيادة نسبة مشاركتهن في قوة العمل حتى وصلت النسبة إلى حوالي 23.72% بحلول عام 2020.
والقوانين التى تم صياغتها في الجانب الاقتصادى تستهدف تحسين أوضاع المرأة المصرية، إذ خصص قانون الاستثمار الجديد المادة (2) لضمان تكافؤ فرص الاستثمار لكل من الرجال والنساء.
وتعددت القوانين الداعمة للمرأة مثل اعتراف قانون الضرائب المصرية بالمرأة كعائل للأسرة، ومنح قانون الخدمة المدنية لسنة 2016 الكثير من المزايا للأمهات العاملات، بينما استحوذت المرأة على النصيب الأكبر من التمويل متناهى الصغر بنسبة 63.74%.
وبالتوازي وبخطى ثابتة تستمر جهود الدولة لتعزيز التمكين السياسي للمرأة، وإدماجها في العملية السياسية بشكل فعال.
وحسب وزارة التخطيط، فقد ازدادت نسبة تمثيل النساء في مجالس الإدارة في البورصة المصرية لتصل إلى 10.1% والقطاع المصرفي إلى 14.8% وقطاع الأعمال العام إلى 6.1%، كما وصلت نسبة النساء فى المناصب التنفيذية إلى 7.1%، وهي نسبة أعلى من المتوسط فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يقدر بـ5.4%.
وتقلدت المرأة مناصب لم تؤول لها من قبل ففى عام 2014 عينت المرأة أول مرة مستشارة الأمن القومى لرئيس الجمهورية، كما عينت أول محافظة بمحافظة البحيرة عام 2018، بالاضافة إلى تعيينها لأول مرة نائبة لرئيس البنك المركزي.
وعلى الرغم من هذا التقدم الملموس في ملف المرأة المصرية، إلا أن المؤشرات لم تصل بعد إلى الأرقام المنشودة، وذلك لارتباط معدلات البطالة للنساء بمعوقات مثل الأمية والإنجاب ومتطلبات الأسرة علاوة على بعض التقاليد الموروثة، إذ تعتقد نسبة كبيرة من المجتمع بعدم أحقية المرأة فى الحصول على وظيفة ملائمة لأن وظيفتها الأساسية تكمن في رعاية المرأة للمنزل والأسرة.
وهنا يكمن أهمية جهود الدولة المستمرة فى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة والتى تم إطلاقها فى عام 2017 من أجل أن تكون خارطة طريق لتحسين أوضاع المرأة.
ويشير البنك الدولي، على لسان مارينا ويس المديرة الإقليمية المسؤولة عن مصر في البنك إلى أنه "لا يزال ملتزماً بمساندته المستمرة للنساء في مصر، بعدما ألحقت صدمات عالمية متتالية أضرارا بالاقتصادات في شتَّى أنحاء العالم، وكانت النساء غالباً أكثر تضرراً من غيرهن".
وتضيف: "إننا نؤمن بأن الشمول الاقتصادي للنساء مُحفِّزٌ أساسي للنمو في البلدان، ولذلك فإن مساندتنا لتمكين المرأة من خلال المشروعات والأعمال على صعيد السياسات ذات أهمية بالغة".
وتتابع: "إنها محور تركيز رئيسي مشترك في إطار الشراكة الإستراتيجية المقبلة للبنك الدولي مع مصر للسنوات المالية 2023-2027".
من جانبها، تقول رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي، إن برنامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة الجاري تنفيذه مع الشركاء يعمل على تحسين بيئة العمل للمرأة في القطاع الخاص، وتحفيز القطاعات عالية النمو لتتيح فرص عمل أكبر للمرأة وتدعم تكافؤ الفرص بين الجنسين.
وتؤكد على ضرورة تمكين المرأة باعتبارها عنصرًا فاعلاً في المجتمع وقادرة على المساهمة بشكل فعال في تحقيق التنمية.
وتشير إلى أن المنح الموجهة من الجهات الوسيطة للتعليم والصحة تساهم أيضا في تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة.
ويُعد برنامج "فرصة" أحد البرامج الناجحة لتحقيق شمول المرأة في الأنشطة الاقتصادية، وهو البرنامج الذي يسانده البنك الدولي ويجري تطبيقه على أساس تجريبي في 8 محافظات وهي: القليوبية والشرقية والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج والأقصر.
وهذا البرنامج جزء من مشروع تدعيم شبكات الأمان الاجتماعي في مصر الجاري تنفيذه، والذي يساند برنامج شبكات الأمان الاجتماعي الرئيسي في البلاد (تكافل وكرامة).
ويُقدِّم برنامج "تكافل وكرامة" تحويلات نقدية مشروطة وغير مشروطة للفقراء والمسنين من المواطنين وكذلك للأيتام وذوي الإعاقة.
ويبلغ عدد الأسر المستفيدة من البرنامج حالياً 5 ملايين أسرة، منها 4.1 ملايين أسرة في إطار العملية الجاري تنفيذها، بالإضافة إلى 320 ألف أسرة تحصل على مساعدات نقدية من خلال المعاش الاجتماعي القديم (الضمان الاجتماعي) إلى حين إصدار القانون الموحد للتحويلات النقدية، علاوة على 600 ألف أسرة تغطيها مظلة برامج التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي.
وتتولَّى وزارة التضامن الاجتماعي تنفيذ برنامج "فرصة" الذي يساند تحوُّل المستفيدين من برنامج "تكافل وكرامة" من الاعتماد على التحويلات النقدية إلى تحقيق دخول مستدامة لتعزيز صمودهم الاقتصادي في مواجهة الصدمات واستقلالهم المالي.
ويتم ذلك عن طريق استخدام طائفة متنوعة من الإجراءات التدخلية التي تُركِّز على الأنشطة الريفية والنساء، ومنها العمل بأجر وتقديم الأصول الإنتاجية التي تُمكِّن المستفيدين من تحقيق دخول مستدامة.
ويُقدِّم برنامج "فرصة" أيضاً الخبرات الفنية والمالية اللازمة لإدارة تلك الأصول إدارةً فعَّالة وتحقيق أرباح من ورائها.
وبمساعدة منظمات محلية غير حكومية، استطاع البرنامج حتى الآن التواصل على نحو فعَّال مع أكثر من 60 ألفاً من المستفيدين المحتملين من النساء من خلال تدريبات على التغيير السلوكي تتضمن تعريفاً بالبرنامج، وتعميم المعلومات عن أهدافه، والتشجيع على المشاركة في أنشطة الشمول الاقتصادي.
وحصلت نحو 4000 امرأة حتى الآن على أصول إنتاجية تُمكِنهن من الحفاظ على سبل كسب أرزاقهن.
يشار إلى أنه نظرا لالتزام مصر بتمكين نسائها، فقد قامت بإطلاق الإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 عام 2017، والتي تتسق مع إستراتيجية التنمية المستدامة للبلاد، وتستهدف تمكين المرأة المصرية من الارتقاء بقدراتها وإمكاناتها وتحقيق ذاتها.
وستسهم هذه الخطوة بدورها في تنمية البلاد وتطورها، حيث تمثل حافزاً على خلق المزيد من فرص العمل المستدامة.
تقول "صابرين عبدالظاهر" (39 عاماً) وهي أمٌ لثلاثة أطفال وتعيش في محافظة الأقصر بصعيد مصر، وهي إحدى المستفيدات من توفير أصول الإنتاج ونقل ملكيتها: "تعرَّفتُ على برنامج (فرصة) حينما زارني فريق العمل في بيتنا، وشرح ما يُقدِّمه هذا البرنامج".
وتتابع: "انضممتُ إلى البرنامج واستلمت 3 من الأغنام، منها شاتان وكانت إحداهما حاملاً ولدت في الآونة الأخيرة شاة أخرى سأبيعها".
ووتضيف: "سوف أجمع النقود التي أحصل عليها مقابل الشاة المبيعة وأضيفها إلى بعض النقود الأخرى التي كنتُ أدخرها وأشتري شاتين أخريين ستلدان المزيد من الأغنام.. وأملي أن أتمكن من توسيع نشاطي وتحقيق دخلٍ يتيح لي توفير كل شيء تحتاج إليه أسرتي."
وتشرح "إيمان عبدالرحمن" (41 عاماً) من محافظة المنيا بصعيد مصر، كيف استطاعت أيضاً إعالة أسرتها من خلال برنامج "فرصة"، فتقول: "لديَّ سبعة أطفال، وزوجي عاطل في الوقت الحالي، ويحتاج أصغر أولادي إلى الكثير من الأدوية نظراً لشدة مرضه".
وتضيف: "لكي أعول أسرتي، فإنني أقوم بشراء الخضراوات من السوق ليلاً وأبيعها أمام منزلي في اليوم التالي.".
وتشير "إيمان" إلى أنها كانت تقوم بالاستدانة، لأنه لم يكن لديها ما يكفي من المال لدفع ثمن الخضراوات التي تحتاج إليها، وكذلك لدفع تكاليف زواج بناتها الكبريات وأدوية ولدها الأصغر.
وتتابع: "لكنها عندما سمعت عن برنامج (فرصة)، تقدَّمت بطلب الانضمام إليه وحصلت على تدريب على قطف فاكهة الخوخ، وحصلت على فرصة عمل في هذا المجال".
وتزيد: "الآن وقد أصبح لدي دخل ثابت أستطيع سداد ديوني".
كما تستطيع "إيمان" الآن شراء المزيد من الخضراوات وبيعها، وتوفير الدواء لابنها، ودفع نفقات تعليم أطفالها.
وتمضي قائلةً: "بالإضافة إلى الخبرة المهنية، تتيح لي هذه الوظيفة التفاعل مع كثير من الناس. إنني أشعر بالسعادة وأتمتع بالعافية.. وأعتقد أنه يجب على جميع النساء أن تكتسبن خبرة العمل، وأن يرين أشياء مختلفة، وأن يتمتعن بمباهج الحياة."
وحسب البنك الدولي، فإنَّ مساندة ريادة الأعمال لمساعدة النساء في الحصول على فرص العمل وخلق المزيد منها يُعد هدفاً رئيسياً للبنك الدولي في شتَّى أرجاء المعمورة.
ففي عام 2021، أطلقت مصر مشروع تحفيز ريادة الأعمال لخلق فرص العمل الذي ساند حتى الآن أكثر من 76 ألف مصرية على بدء مشروعاتهن التجارية.
ولكن المشروع يساعد بوجه عام طائفةً واسعةً من منشآت الأعمال في أنحاء البلاد من خلال تقديم المساندة المالية وغير المالية التي تُغطِّي المشروعات التقليدية المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وكذلك الشركات الابتكارية ذات معدلات النمو المرتفع من خلال أدوات التمويل بالدين ومساهمات رأس المال.
وتتضمن المساندة غير المالية عَقدَ دورات تدريبية وبناء القدرات التي تُمكِّن المستفيدين منها من إدارة مشروعاتهم وتنميتها.
ولا يُركِّز المشروع على النساء فقط، ولكنه يركز أيضاً على الوصول إلى المحافظات التي تعاني نقص الخدمات والفئات المُهمَّشة والشباب.
ومن المستفيدين من هذه المبادرة "سميرة نجم" (35 عاماً) والتي استفادت من هذا المشروع من خلال العمل مع صندوق رأس المال المخاطِر "إندور كابيتل" الذي يعمل تحت مظلة المشروع، ويساند الشركات الناشئة عالية النمو، وبالتمويل المُقدَّم من مشروع تحفيز ريادة الأعمال لخلق فرص العمل.
تقول "سميرة": "رأت شركة (إندور كابيتل) أن خبرتي التكنولوجية ستكون مناسبة لشركة "الشونة"، وهي أول شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية في مصر التي تساند مشروعات صغار المزارعين بتزويدهم بمستلزمات زراعية عالية الجودة مثل الأسمدة، وأحدث الممارسات الزراعية وأفضلها، وربطهم بشكل مباشر بالشركات التي تشتري محاصيلهم دون وسطاء.
وتتابع: "قامت بتوصيلي بشريك أعمالي، وأعطتنا التمويل الذي ساعدنا على بناء قدراتنا التكنولوجية، والوصول إلى المزارعين بكفاءة، وزيادة عدد فريق عملنا، علاوة على القدرة على تتبُّع المحاصيل عبر جميع مراحل سلسلة الإمداد. ونأمل أن يكون لنا بصمة في جميع أنحاء البلاد وأن نقوم بتوسيع نطاق أعمالنا".
يقول البنك الدولي، إنَّ تمكين النساء لا يتضمَّن فقط حصولهن على فرص العمل والدخل، فملكية الأصول المُنتِجة تُعد عقبةً وتحدياً هائلاً يعوق استقرارهن وتحقيق كامل إمكاناتهن.
وأحد أكبر الأصول التي يُمكِن امتلاكها والاستفادة منها هو المسكن، حيث تُظهر نتائج الدراسات أن العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنها مصر، لديها أعراف اجتماعية وثقافية تجعل ملكية هذه الأصول الكبيرة للرجال وحدهم.
وفي عام 2018، كانت 5% من المصريات فقط يمتلكن أصولاً (سواء بشكل منفرد أو مشترك) مقابل 95% من الرجال.
وأحد هذه البرامج التي تساعد في تذليل هذا التحدي، هو برنامج التمويل العقاري الشامل في مصر، الذي يهدف إلى توفير مسكن لائق ميسور التكلفة لمحدودي الدخل.
ويساند هذا البرنامج منذ إطلاقه النساءَ في امتلاك عقارات خاصة بهن، إذ تبلغ نسبة المستفيدات من المشروع 23% من إجمالي عدد المستفيدين الذي يزيد على 480 ألفاً من محدودي الدخل، كما أن 80% من هؤلاء المستفيدات ينتمين إلى أفقر 40% من السكان.
ويُسهم المشروع في تضييق الفجوة بين الجنسين في ملكية الأصول. ولا يزال المشروع يحتل أولوية كبيرة في اهتمامات الحكومة ويواصل أداءه الجيد.
تقول "رشا سليمان" (40 عاما) من سكان القاهرة: "تقدَّمت بطلب إلى برنامج الإسكان الاجتماعي سعياً لتحقيق الأمن والاستقرار من أجل زوجها وأطفالها".
وتضيف: "حينما كنا نعيش في شقة مستأجرة، كثيراً ما كان المالك يُهدِّد بإنهاء عقد الإيجار أو رفع قيمته".
وتتابع: "أشعر الآن بالأمان لكوني مالكة لمنزلي، ونحن ندفع قسطاً أقل كثيراً مما كنا ندفعه للإيجار، ونسكن بالقرب من مدرسة أطفالنا الثلاثة. ومكَّنني الموقع الجيد لمنزلنا أيضاً من العثور على وظيفة جيدة في مكان قريب."