مؤتمر ”مقاصد الشريعة الإسلامية ” يدعو لترسيخ القيم التي تحقق السلم العالمي
نظم المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، وجامعة دار السلام في إندونيسيا، المؤتمر الدولي الافتراضي حول "مقاصد الشريعة الإسلامية بين التأصيل الأصولي والتوظيف السياسي".
وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي للمجلس بمشاركة أكثر من 30 شخصية رفيعة المستوى من علماء وفقهاء وأكاديميين من مختلف دول العالم.
ودعا المؤتمر في جملة توصياته إلى تأصيل علم جديد للمقاصد؛ يتم تدريسه بطريقة منهجية في الكليات والجامعات الإسلامية؛ يخرّج متخصصين في مقاصد الشريعة، لضبط عملية البحث في المقاصد، وتحويلها من موضوع نظري إلى مجال عملي تطبيقي، يحول دون إمكانية توظيفه سياسياً وإيديولوجياً، وكذلك تحرير المقاصد من كل محاولات التوظيف العقائدي والطائفي والسياسي لتبرير مواقف وأفعال لا يمكن تبريرها بموازين الفقه المنضبط، وربط الدرس المقاصدي بصورة فلسفية بالأخلاق والقيم، وتحويلها إلى أن تكون فلسفةً للتشريع والفقه والأصول.
وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر، أشار معالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إلى أهمية اختيار موضوع المؤتمر بسبب توظيف البعض لمقاصد الشريعة في خدمة أجندات سياسية، ولأن المؤتمر ينظر في التحديات التي تواجه المجتمعات المسلمة، في ضوء تجاوز بعض منتسبي العلم المصالح العليا للمقاصد بإصدار فتاوى، بدلاً من أن تكون الأعمال في خدمة الدين، داعياً معاليه لضرورة توعية طلبة العلم بأهمية مقاصد الشريعة بعيداً عن الأجندات السياسية، والتأكيد على مسؤولية الجامعات الإسلامية في تدريس هذه المقاصد ضمن مناهجها، ليتصف خرّيجوها بالحكمة والتوازن والفقه لخدمة المسلمين.
وأكد معالي الدكتور أسامة العبد، أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية، أن القضايا المعاصرة بحاجة لنظر دقيق وفكر واعٍ ومعرفة بمقاصد الشريعة، لجلب المصالح ودرء المفاسد، فالموضوع بحاجة لذوي الفطنة والإدراك دون انحراف عن النصوص الشرعية والتأكيد على صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، موضحاً أن موضوع مقاصد الشريعة يأتي في إطار حركة الإحياء الحضارية والتجديد، وأن "المقاصد روح الأعمال" كما يقول الإمام الشاطبي، وعلينا إبراز محاسن ديننا على الآخرين لدفع الشبهات عن دين الوسطية والسماحة والاعتدال.
كما شدد معالي الدكتور قطب سانو، أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي، على أهمية المؤتمر في كونه يسعى لتمكين الأمة الإسلامية من استعادة عافيتها الحضارية ودورها الريادي في شتى المجالات، موضحاً أن مقاصد الشريعة هي مستقبل وواقع وتطلعات وقدرة الإسلام على إعادة الريادة في كل مجالات المعرفة والعلوم، فهذه المقاصد تحقق أهدف الشريعة الإسلامية وتعاليمها على أرض الواقع، مؤكداً أنه لتجنب التوظيف السيء للفقه وسوء الاستغلال، يجب التقسيم الأصولي للمقاصد لتتحول إلى علم مستقل قائم بذاته خارجاً من الدائرة الجزئية، وبالتالي التخصص الدقيق في هذا المجال.
ونوه سعادة الدكتور أمل فتح الله زركشي، رئيس جامعة دار السلام كونتور في إندونيسيا، إلى ضرورة توسيع دائرة مقاصد الشريعة الإسلامية لتشمل حفظ السمعة والعدل الشامل والمساواة وحرية الممارسة السياسية، داعياً للعمل لتحقيق المقصد الأسمى للشريعة الإسلامية وهو حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه، ودراسة مقاصد الشريعة الإسلامية لفهم الأحكام النصية من القرآن والسنّة، مضيفاً أن المقاصد تتجلى في تكاتف الجهود وتضامن الأيدي في حتمية ضمان الحد الأدنى من الحقوق الأساسية للأفراد، وأنه من حقوق الأفراد توفير العيش الكريم للشعوب، وحفظ حرياتها، وتحقيق الأمن الخاص والعام.
في حين قال سعادة الدكتور محمد البشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إن العلماء اجتمعوا على الكليات المقاصدية الخمس وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، أو النسب، وحفظ والمال، مع التطرق للمصالح الضرورية، والحاجية، والتحسينية، وأن علم المقاصد من الآليات الحاسمة والدقيقة التي يُبنى عليها الفقه الإسلامي، معلناً أن المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، بالتنسيق مع رابطة الجامعات الإسلامية، يؤسس وحدة بحثية تهدف لزيادة الإثراء في الاجتهاد للقواعد الفقهية والأصولية، ويعمل على مراجعة وتنقية ما كُتب في العقود الأخيرة الثلاث خاصة، ويحرر علم المقاصد من "التسييب" و"التسيير" سوياً.
وفي نهاية الفعالية، توصل المؤتمرون إلى اثنتي عشرة توصية وهي:
1-الرصد العلمي الدقيق لتطور الدرس المقاصدي في تاريخ المسلمين، والتدقيق العميق في تطور إسهامات الفقهاء العظام في بناء المقاصد بناءً علمياً منضبطاً.
2-تأصيل علم جديد للمقاصد؛ يتم تدريسه بطريقة منهجية في الكليات والجامعات الإسلامية؛ يخرّج متخصصين في مقاصد الشريعة، لضبط عملية البحث في المقاصد، وتحويلها من موضوع نظري إلى مجال عملي تطبيقي، يحول دون إمكانية توظيفه سياسياً وإيديولوجياً.
3-إعادة المقاصد إلى موضعها الأخلاقي المتعالي، وهو أن تكون ميزاناً لتوجيه بوصلة الفقه الإسلامي إلى تحقيق مصالح العباد في الحياة والميعاد، ودرء المفاسد العامة والخاصة.
4-تحرير المقاصد من كل محاولات التوظيف العقائدي والطائفي والسياسي لتبرير مواقف وأفعال لا يمكن تبريرها بموازين الفقه المنضبط، وربط الدرس المقاصدي بصورة فلسفية بالأخلاق والقيم، وتحويلها إلى أن تكون فلسفةً للتشريع والفقه والأصول.
5-تطوير منهجية شاملة لتجديد الخطاب الإسلامي تقوم على ربط جميع مكونات التفكير الديني خصوصاً الفقهي منه بمقاصد الشريعة، ومن ثم إعادة النظر في الاختيارات الفقهية التاريخية سواء أكانت أحكاما أو فتاوى في ضوء الفهم المقاصدي الرصين والعميق.
6-إدماج التفكير المقاصدي في مناهج التعليم العام لتفكيك الخطاب الديني النصوصي، المنغلق في الماضي، الذي يمهد لظهور الفكر المتطرف والعنيف، والإرهاب المبرر بنصوص دينية، وذلك لأن التفكير المقاصدي هو الوحيد القادر على تحقيق الانفتاح الفكري، وقبول التعدد والاختلاف.
7-تحويل المقاصد إلى مكون أساسي في الثقافة الإسلامية عند عوام المسلمين، وذلك من خلال تركيز خطب الجمعة ودروس المساجد على المقاصد، والتفكير المقاصدي، وربط الأحكام الشرعية والفتاوى بمقاصد الشرع المنضبة بضوابط أصول الشريعة.
8-الاستفادة من الاجتهادات المقاصدية لمواجهة تداعيات جائحة كوفيد 19، والدعوة إلى التوسع المنضبط والمنهجي في توظيف المقاصد لمواجهة النوازل والتحديات والظروف الطارئة التي تواجه المجتمعات المسلمة.
9-الدعوة إلى تأسيس فقه خاص بالمجتمعات المسلمة في الدول غير المسلمة يقوم على فهم منضبط للمقاصد، وتحقيق مثالي لها، وربطها بمنظومة الأخلاق والقيم والإسلامية.
10-إعادة فهم العلاقة بين المسلمين وغيرهم من منظور المقاصد العليا للشريعة التي تهدف إلى تحقيق مقاصد الخلق جميعا ودرء المفاسد عنهم، وتجعل حفظ النفس البشرية وحفظ الأعراض والأموال من الغايات العليا للشريعة، ولذلك فالمقاصد تقدم ميثاقاً أخلاقياً للسلم العالمي.
11-تحقيق الربط المنهجي المنضبط بين مقاصد الشريعة والعلوم الاجتماعية والإنسانية؛ بحيث تكون مقاصد الشريعة من مكونات النظام المعرفي أو النموذج المعرفي الذي يحدد وجهة البحث وضوابطه الأخلاقية، دون المساس بالموضوعية الملتزمة بحقائق الواقع بموضوعية ونزاهة وحياد.
12-الدعوة إلى تأسيس وحدة بحثية مشتركة بين المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ورابطة الجامعات الإسلامية لتفعيل هذه التوصيات وتحويلها إلى برامج تنفيذية وخطط واقعية، وذلك بالتعاون مع مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
وسعى المؤتمر الدولي الافتراضي "مقاصد الشريعة الإسلامية بين التأصيل الأصولي والتوظيف السياسي" إلى تحقيق عدة أهداف، منها تحرير موضوع المقاصد من خلال رصد وتحليل تطورات الفكر المقاصدي من الشاطبي حتى علال الفاسي وابن عاشور، والفصل والتمييز الدقيق بين تأصيل المقاصد وتوظيفها وتسييسها، وكذلك تحديد دور المقاصد في عمليات الاجتهاد الفقهي، والتنزيل العملي على مستوى الفتاوى والأحكام، ورصد التكامل المعرفي بين مقاصد الشريعة وباقي العلوم وضبط الحدود التوظيفية لكليهما، بالإضافة إلى تيسير الفهم المقاصدي ليسهم في صناعة فتاوي تستجيب لاحتياجات المجتمعات المسلمة وإعطاء نفس جديد لخطاب التجديد الديني في ضوء مقاصد الشريعة.
كما زخر المؤتمر بخمس جلسات ضمن عدة محاور مهمة، هي تأصيل البحث المقاصدي وتجدي فهمه قبل الشاطبي وبعده (مثل علال الفاسي وابن عاشور) أولاً، والاجتهاد في المقاصد.. حدود الجواز والإمكانية والضوابط ثانياً، والاجتهاد بالمقاصد في الحادثات والنوازل في إطار الضوابط الشرعية المعتبرة ثالثاً، وآثار توظيف المقاصد في المشروعات الفكرية والإيديولوجية للأحزاب والجماعات المعاصرة رابعاً، وآثار التوظيف السياسي للمقاصد خارج ضوابط السياسة الشرعية خامساً، وحدود استخدام المقاصد في علوم وموضوعات لا تقع في دائرة الفقه الإسلامي سادساً وأخيراً.
جدير ذكره أن المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة منظمة دولية غير حكومية، يتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقراً له، حيث يُعتبر بيت خبرة لترشيد المنظمات والجمعيات العاملة في المجتمعات المسلمة، وتجديد فكرها وتحسين أدائها.
من أجل تحقيق غاية واحدة؛ وهي إدماج المجتمعات المسلمة في دولها؛ بصورة تحقق لأعضائها كمال المواطنة وتمام الانتماء للدين الإسلامي.
ويسعى المجلس، من خلال عقد العشرات من المؤتمرات والندوات والأنشطة الافتراضية إلى توطين مفاهيم التعددية الدينية والعرقية والثقافية، بما يحفظ كرامة الإنسان واحترام عقيدته ويرسخ قيم الاعتدال والحوار والتسامح والانتماء للأوطان.