”الاستعلامات” زيارة الرئيس لإيطاليا تؤكد عودة التعاون الاستراتيجي لصالح البلدين والمنطقة
محطة اوروبية جديدة تحط فيها طائرة الرئاسة المصرية في مدينة "باليرمو" بجزيرة صقلية الإيطالية التيتشهد لقاء قمة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، و رئيس الوزراء الايطالي " جوسيبي كونتي"... كما يشارك الرئيس السيسي خلال زيارته الرسمية التي تستغرق يومين في أعمال القمة المصغرة للقادة المعنيين بالملف الليبي والتي تعقد بمدينة باليرمو يومي الاثنين والثلاثاء 12- 13 نوفمبر الجاري بحضور أهم اطراف النزاع في ليبيا، فى محاولة لإطلاق عملية انتخابية وسياسية تستهدف انتشال ليبيا من حالة الفوضى... حيث اكد رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى إن "مؤتمر باليرمو خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار فى ليبيا وأمن حوض البحر المتوسط برمته".
كما يشارك ممثلون من دول أوروبية بينها فرنسا والولايات المتحدة فضلا عن دول عربية فضلا عن حضور الشخصيات الرئيسية فى ليبيا وهم : رئيس حكومة الوفاق الوطنى المعترف بها دولياً فايز السراج والمشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح وخالد المشري رئيس مجلس الدولة فى طرابلس ، كما يحضره شخصيات بارزة و عدد من اعيان القبائل والمجتمع المدنيفي ليبيا.
ويقول تقرير اعدته الهيئة العامة للاستعلامات ان زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الى ايطاليا تكتسب اهمية كبيرة – اضافة الى الملف الليبي – حيث انها تعد أهم الدلائل على عودة العلاقات المصرية الايطالية الى سياقها التاريخي والطبيعي ، بعد محاولات اصطنعتها أطراف قامت بتفجير القنصلية الايطالية في القاهرة ، واختلقت ادعاءات حول قضية الباحث الايطالي " جوليو رجيني" ، حيث تؤكد هذه الزيارة وماسبقها من زيارات رفيعة المستوى لمسئولين ايطاليين الى مصر خلال الفترة الماضية ، أن محاولات افساد العلاقات مع مصر قد فشلت ، حيث تغلبت في النهاية الحقائق التاريخية لهذه العلاقات من تفاعل حضاري منذ آلاف السنين ، ، وإرث ثقافي منذ مئات السنين ، وتزاوج شعبي مازالت آثاره ماثلة في احياء الاسكندرية والقاهرة وفي لوحات الفنانين وفي كل مجالات الابداع .
لقد تغلبت حكمة القيادة في الدولتين وأدركت الاهمية الاستراتيجية لهذه العلاقات من أجل صالح الشعبين ، والامن والاستقرار في البحر المتوسط والشرق الاوسط وشمال افريقيا ، فضلاً عن طيف واسع من المصالح الاقتصادية والسياحية والتجارية .
علاقات متجذرة
ويضيف تقرير هيئة الاستعلامات انه على الصعيد الثنائي تمتد جذور العلاقات المصرية الايطالية لآلاف السنين، وقد مرت هذه العلاقة ببعض التحديات، والتي استطاع الجانبان التغلب عليها وتجاوزها بالثقة المتبادلة بين الجانبين واستعادة زخم العلاقات بالزيارات الدبلوماسية والبرلمانية المتبادلة التى تمت بين الجانبين في الفترة الاخيرة ..
وتمتد جذور العلاقات التاريخية بين مصر وإيطاليا الى الفترات التي تُعرف تاريخيًا بـ "شعوب البحر"، وهي الشعوب التي يلعب البحر الدور الرئيسي في كل شئون حياتها،ثم إلى عصور ماقبل الميلاد ثم مع دخول مصر نطاق الدولة الرومانية، حيث ظلت مصر جزءًا من الإمبراطورية الرومانية حتى الفتح الإسلامي سنة 20 هـ، واستمر التفاعل الثقافي بين البلدين بعد الفتح الإسلامي، فخلال عصر النهضة كانت المدن الايطالية هي المعابر التي انتقل من خلالها العلم العربي إلى أوروبا.
وقد تنامت هذه العلاقات، وتشعبت إلى عدة مجالات غير التجارة، مع بداية عصر محمد علي باشا، في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلادي، حين أرسل محمد علي بعثات تعليمية إلى إيطاليا لتعلم فن الطباعة، كما تم الاستعانة في عهده بالخبراء الإيطاليين للمعاونة في بناء دولة حديثة في مصر، وذلك في مجالات البحث عن الآثار والمعادن، وفي رسم أول خريطة مسح لدلتا النيل، كما صمم الإيطاليون مبنى الأوبرا الملكية بناءً على طلب الخديوي إسماعيل، أثناء الاحتفال بافتتاح قناة السويس...وقام أيضًا أحد المصممين الإيطاليين وهو بييترو آفوسكانى عام 1891م ببناء كورنيش الإسكندرية، كذلك قامت شركة بناء إيطالية “جاروزو زافارانى” في عام 1901م ببناء المتحف المصري بالقاهرة.
وفي الفترة التالية ظهرت الصلات العميقة بين إيطاليا ومصر في عدة مجالات؛ منها الحضور المميز والكثيف للجالية الإيطالية في مدينتَي الإسكندرية والقاهرة في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ومنها أيضاً الحركة النشطة للاستشراق الإيطالي، وهي حركة امتدت لقرون طويلة مازالت مستمرة حتى اليوم.
وقد بدأ تبادل السفراء بين الدولتين عام 1914، ولكن توقفت هذه العلاقات خلال الفترة من عام 1940 حتى عام 1945 خلال الحرب العالمية الثانية ، وفي نهاية الثمانينيات جاء المشروع العالمي لإحياء مكتبة الإسكندرية والذي حصل علي دعم إيطالي كبير، ولم يقتصر هذا الدعم على المستوى الحكومي فقط؛ بل امتد للمؤسسات الإيطالية والأفراد، وكل ذلك يعد مؤشرات دالة على مستقبل طيب للعلاقات الوثيقة بين البلدين.
وتدعم الحكومة الإيطالية مصر في حربها ضد الإرهاب، وترى أن مصر تخوض حربًا ضد الإرهاب ليس فقط للدفاع عن نفسها بل دفاعًا عن أوروبا بإكمالها... كما يوجد تقارب كبير في التوجهات بين القاهرة وروما في القضايا المتصلة بأمن البحر المتوسط، ومكافحة الإرهاب والتطرف، فضلًا عن تحديد السياسات التي يتعين اتخاذها من أجل مواجهة تصاعد التيارات الأصولية المتطرفة، سواء في منطقة القرن الأفريقي أو شمال أفريقيا، وانعكاساتها على أمن البحر المتوسط.
ويُعد الموقف بشأن الوضع في ليبيا على درجة عالية من التوافق حيث إن الدولتين تتأثران بما يجري في ليبيا وتعملان على دعم جهود بناء الدولة الليبية ومنع سقوطها بيد التنظيمات الارهابية .
واضاف التقرير تتوزع الاستثمارات الإيطالية في مصر على عدة مجالات منها: مجالات الصناعة والخدمات والتمويل وتكنولوجيا المعلومات والمقاولات والزراعة إلى جانب الاستثمارات في مجالات الغاز، و تُمر 60 % من تجارة ايطاليا عبر قناة السويس، وتحل في المرتبة السادسة في قائمة الدول التي تُصدر سائحين إلى مصر .. وبلغ حجم السياحة الايطالية الي مصر في عام الذروة السياحية لمصر عام2010 نحو مليون سائح .
كما تعبر ايطاليا دائما عن رغبتها فى ضخ المزيد من التمويل لدعم قطاع الصناعات لصغيرة والمتوسطة فى مصر، وكذا دعم قطاع الزراعة وتزايد الاعتماد على الصادرات الزراعية المصرية.
وشهدت السنوات الثلاث الماضية ضخ الشركات الإيطالية استثمارات كبيرة فى مجالات الصناعات التحويلية والطاقة النظيفة والمتجددة والخدمات اللوجيستية، بالإضافة إلى التعاون فى مجال النقل البحرى والدعم الإيطالى للمشروعات الصغيرة، بما يخدم أهداف التصور الاستراتيجى للتنمية الاقتصادية فى إطار رؤية "مصر 2030".
ايني وظُهر والغاز
التعاون القائم في مجال الغاز بين مصر وإيطاليا والذي أرسى نموذجًا يحتذى به في المنطقة، و الدور المصري وسعيه للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز في جنوب المتوسط إلى أوروبا، يأتي مكملاً للسعي الإيطالي للتحول إلى مركز إقليمي لاستقبال الغاز بشمال المتوسط، نظرًا لأن مصر تمتلك مصادر الغاز الهائلة ولديها أكبر منشآتين لتسييل الغاز في الجنوب، فيما تمتلك إيطاليا ثلاث محطات لاستقبال الغاز المسال، فضلاً عن امتلاكها للشركات الرائدة بمجال الغاز والتي تعمل بالفعل في مصر.
كما تلعب ايطاليا دورا محوريا لمساندة مصر في مساعيها للتحول إلى مركز إقليمي لتداول الطاقة ونقلها إلى القارة الأوروبية، حيث تستمر عمليات التنقيب والاستكشاف التي تقوم بها شركة ENI، التي اكتشفت حقل ظهر العملاق للغاز في البحر المتوسط فضلاً عن العقد الموقع مؤخراَ بين وزارة البترول وشركة TECHNIP الإيطالية لرفع القدرة التكريرية لمعمل MIDOR بالإسكندرية بتكلفة تتجاوز 1.5 مليار دولار.