الأموال
السبت، 4 مايو 2024 03:37 مـ
  • hdb
25 شوال 1445
4 مايو 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : بعد عامين من الحرب في أوكرانيا.. كشف الأرباح والخسائر

د.محمد فراج ابو النور
د.محمد فراج ابو النور

الغرب فشل فى إضعاف روسيا وبوتين فاز فى «لعبة الاستنزاف»

عامان كاملان يمران هذه الأيام على اندلاع الحرب الأوكرانية (٢٤ فبراير ٢٠٢٢) التى هى فى حقيقتها حرب عالمية غير معلنة، وإن كانت عملياتها القتالية قد اقتصرت على أراضى أوكرانيا، مع امتدادات محدودة للغاية داخل الأراضى الروسية، فالحرب التى اشتعلت بسبب رغبة الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى فى ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلنطى «الناتو» تحولت منذ لحظاتها الأولى إلى مواجهة عسكرية - سياسية - اقتصادية - إعلامية شاملة بين روسيا والحلف الأطلسى، وصراع محتدم حول رسم خرائط النفوذ فى النظام العالمى بأسره.

تدفقت المساعدات العسكرية على أوكرانيا من كل بلدان «الناتو» وفى مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ومعها فرق الخبراء العسكريين والمرتزقة وقوات حزم العقوبات الاقتصادية والمالية الغربية علي روسيا، بدءًا من طردها من نظام تسوية المدفوعات العالمية «سويفت» وتجميد الأصول الروسية فى الغرب «حوالى ٣٠٠ مليار دولار» إلى حظر دخول السفن الروسية للموانئ الأوروبية، وحظر استيراد البترول والغاز الروسيين وفق جدول زمنى قصير وصارم، ومنع تصدير عشرات أو مئات السلع الغربية الضرورية إلى روسيا، بما في ذلك الآلاف وقطع الغيار، وأغلقت عشرات الشركات الأمريكية والأوروبية فروعها فى روسيا، وبدأت في سحب استثماراتها منها. وتعرضت موسكو لأقسى حملة عقوبات اقتصادية شاملة كان الهدف المعلن لها هو خنق الاقتصاد الروسى وإصابته بالشلل.

وتم تجميد عضوية روسيا في عدد كبير من المنظمات السياسية والأمنية وحتى الرياضية والثقافية الأوروبية وسحب أعداد كبيرة من الدبلوماسيين الغربيين من موسكو، وطرد أعداد أخرى من الدبلوماسيين الروس وشن الإعلام الأمريكى والغربي حملات شديدة الضراوة ضد روسيا ورئيسها متهمًا موسكو بأنها تمثل أكبر خطر على الأمن والسلم ليس في أوروبا وحدها بل في العالم كله.

وارتسمت ملامح مواجهة روسية ـ أطلسية شاملة، كان من الممكن أن تتخذ شكل المواجهة العسكرية لولا أن روسيا هى القوة النووية الثانية فى العالم وأن الصدام العسكرى معها كان من شأنه أن يؤدى إلى حرب نووية عالمية مدمرة لكل الأطراف.

وقد ردت روسيا على «الحرب الاقتصادية» الغربية ضدها بإجراءات في مقدمتها توسيع توجهها نحو الصين والأسواق الناشئة، وزيادة صادراتها من البترول والغاز إلى الصين والهند وغيرها من البلدان الآسيوية الصاعدة مع تقديم تخفيضات في الأسعار ولما كان التوتر الناشئ عن المواجهة قد أدى إلى ارتفاع أسعار البترول والغاز فإن موارد روسيا من تصديرهما قد عوضتها عن خسائرها فى الأسواق الأوروبية، كما اشترطت على الدول الأوروبية «غير الصديقة» أن تدفع ثمن وارداتها من الغاز بالروبل الروسي الذي اضطرت تلك الدول لفتح حسابات به، وشرائه مقابل اليورو والدولار، وذلك بالإضافة إلي إجراءات اقتصادية مختلفة.

وسرعان ما اتضح أن العقوبات الاقتصادية الأوربية ضد روسيا هى سلاح ذو حدين، وأن التحول الحاد نحو استيراد الغاز المسال الأمريكى بأضعاف أسعار الإمدادات الروسية الرخيصة والمنتظمة وكذلك شراء النفط والفحم من أسواق أخرى قد أدى إلى زيادة تكلفة إمدادات الطاقة اللازمة لأوروبا بما يقارب «تريليون دولار» فضلا عن نقص الكميات وعدم انتظام الواردات.. وأدى ذلك كله إلى اندلاع موجة تضخم كبيرة، وإلي تراجع النمو في أغلب الدول الصناعية الأوروبية الكبرى ليتراوح حول «الصفر».. بينما أشارت بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن روسيا قد حققت نموا قدره (٢٫٥٪ ــ اثنان ونصف بالمائة عام ٢٠٢٣) وهكذا دفعت أوروبا ثمنا فادحا لارتهانها للسياسة الأمريكية.

أصل المشكلة

معروف أن السبب الحقيقى للمواجهة الحالية في أوكرانيا هى السياسة الأمريكية والأطلسية الهادفة إلى توسيع الناتو شرقا بهدف حصار روسيا وإضعافها وتقزيمها، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو قام «الناتو» بضم دول أوروبا الشرقية والوسطى- الأعضاء السابقين في حلف وارسوــ إلى صفوفه، كما انضمت للاتحاد الأوروبى ثم بدأ فى ضم الجمهوريات السوفيتية السابقة، وتمكن بالفعل من ضم جمهوريات البلطيق الثلاث الصغيرة «استونيا ولاتفيا وليتوانيا» المجاورة مباشرة للحدود الروسية، ومن ثم بدأ يتطلع لضم أوكرانيا الأمر الذى نظرتإليه روسيا كتهديد بالغ الخطورة لأمنها القومى نظرًا لملاحقة أوكرانيا للمنطقة المركزية سكانيا وصناعيا ودفاعيا لروسيا، بحدود طولها ١٥٠٠ كم فضلا عن اعتبارات أخرى سنذكرها لاحقا.

ودون الدخول في تفاصيل أصبحت معروفة فإن التغلغل الأمريكى والغربى فى أوكرانيا قد أدى للإطاحة بالرئيس المنتخب «يانوكوفيتش» في فبراير ٢٠١٤ بمشاركة مخابراتية أمريكية وأوروبية عبر ما يعرف باسم «ثورة الميدان» واتخذت السلطة الجديدة موقفا عدائيا واضحا من روسيا، وطالبتها بإخلاء قاعدة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، بالرغم من وجود اتفاقية لتأجيرها لموسكو حتى عام ٢٠٤٤ ومن أن القرم هى أصلا أرض روسية تم نقلها للتبعية لأوكرانيا في العهد السوفيتى بقرار إدارى لم يصدق عليه البرلمان السوفيتى.. وهو ما كان يعنى خسارة الأسطول الروسى في البحر الأسود لأهم قواعده.

كما أعلنت السلطة الجديدة عن عزمها على الانضمام لحلف الناتو وألغت الاعتراف باللغة الروسية كلغة رسمية ثانية، وألغت الحقوق الثقافية الخاصة لسكان «الدونباس» ذوى الأصول الروسية التى يكفلها لهم الدستور «يمثل الروس ٢٠٪ من سكان أوكرانيا».

ومعروف أن هذه الاجراءات أدت إلى غضب شعبى شديد في القرم «٧٠٪ ـ سبعون في المائة من سكانها من الروس» وفي الدونباس «أغلب سكانه من أصل روسى».

ومعروف أن روسيا كانت قد أهدت منطقة الدونباس وامتداداتها فيما يعرف «بمالايا روسيا» أو «روسيا الصغيرة» إلي أوكرانيا «مقاطعات خاركوف وزايور وجيه وخيرسون» وبعبارة أخرى نقلت تبعية هذه المناطق إداريا إلى أوكرانيا عند تأسيس الاتحاد السوفيتى لتعزيز قوة «الطبقة العاملة» فى أوكرانيا ذات الطابع الزراعى بضم هذه المناطق الصناعية إليها.

وفضلا عن اعتبارات الأمن القومى السابق الإشارة إليها، فإن انضمام أوكرانيا «للناتو» ومعها هذه الأراضي روسية الأصل، كان أمرا رأت فيه روسيا إساءة كبيرة وظلما تاريخيا لها.

وبناء على ذلك استعادت روسيا القرم «٢٠١٤»، كما أعلنت دعمها لحقوق سكان الدونباس في الحكم الذاتى وطالبت بوقف الحرب عليهم من جانب الجيش الأوكرانى والميليشيات اليمينية القومية «الفاشية» الموالية له والمسلحة والمدعومة من جانب كييف.

وطالبت روسيا حلف «الناتو» بضمانات أمنية فى مقدمتها التعهد بعدم ضم أوكرانيا إليه وحل الميليشيات المسلحة الفاشية وجعل أوكرانيا منطقة عازلة بين الطرفين بتسليح محدود، مع ضمان أمنها من الجانبين الروسى والأطلسى.

إلا أن الولايات المتحدة رفضت مجرد مناقشة هذه المقترحات الروسية وتقدمت القوات الأوكرانية النظامية والميليشياوية لاحتلال الدونباس والقضاء على الحركة الاستقلالية فيه، مع مطالبة روسيا بسحب حشودها العسكرية من منطقة الحدود.

وهكذا وجدت روسيا ظهرها للحائط.. ولم تجد بدًا من الحرب.

الحرب والحسابات الغربية الخاطئة

تمكنت القوات الروسية خلال أسابيع قليلة من احتلال مساحات واسعة من الأراضى الأوكرانية المجاورة لحدودها بلغت (٢١٪ من مساحة أوكرانيا، البالغة ٦٠٠ ألف كم٣ ـ أى حوالي ١٢٠ ألف كم٢، أو خمس مساحة البلاد» بما فى ذلك سواحل بحر آزوف وجزء كبير من سواحل أوكرانيا على البحر الأسود وصولا إلى شبه جزيرة القرم التى أصبحت متصلة بريا بالأراضي الروسية، وتم ذلك بالرغم من التحصينات القوية التى ساعد الغرب أوكرانيا على إقامتها، ومن الإمدادات العسكرية الضخمة وفرق الخبراء والمستشارين والمرتزقة الغربيين فضلا عن المساعدات الاقتصادية شديدة السخاء.

وكان الغرب يستخف بقوة روسيا، ويتصور أنه سيتمكن من تكبيد روسيا «هزيمة استراتيجية» وإجبارها على الانسحاب بفضل الدعم العسكرى غير المحدود للجيش الأوكرانى وشل الاقتصاد الروسى من خلال العقوبات الاقتصادية شديدة القسوة، وفرض حصار دولي محكم عليها، مما يجعلها مضطرة للانسحاب في نهاية الأمر، بعد أن يتم استنزافها.

واستخف الغرب بقوة روسيا وتجاهل أنها قوة عظمى ليس بامتلاكها للأسلحة النووية المتطورة فحسب، بل وأيضا باقتصادها الضخم والمتنوع «الصناعى والزراعى» وصناعاتها العسكرية المتطورة وجيشها القوى ذى التقاليد القتالية الراسخة فضلا عن مواردها الطبيعية الهائلة التي تحقق دخلا بمئات المليارات من الدولارات، واحتياطياتها الدولية الكبيرة «أكثر من خمسمائة مليار دولار».

ولا يقل أهمية عن ذلك استقرار وتماسك قيادتها، وشبكة علاقتها الدولية الواسعة ومواتاة المناخ الدولي من زاوية اتساع نطاق رفض الهيمنة الأحادية الأمريكية والغربية، والمطالبة بنظام عالمي متعدد الأقطاب، ومن ناحية أخرى فإن الروس هم أكبر شعوب أوروبا «١٤٥ مليون نسمة» وهم شعب معروف باعتزازه بوطنيته، التى يغذيها شعور عميق بالمظلومية والغضب تجاه العدوان الغربى المتكرر على بلادهم «على سبيل المثال فقط: غزو نابليون لبلادهم ـ ١٨١٢ والحرب العالمية الأولى والثانية» مما يجعلهم مستعدين للتضحية وأكثر التفافًا حول قيادتهم التي تتخذ مواقف صلبة ضد الغرب وهو ما يُفسِّر شعبية بوتين الكبيرة.

فشل الهجوم الأوكرانى المضاد

وتأسيسًا على ذلك كله تمكنت القوات الروسية من وقف واحتواء الهجوم الأوكرانى المضاد المدعوم غربيا بكل قوة، بعد أن حقق مكاسب محدودة في بدايته في شهر يونيو الماضى ٢٠٢٣ وانتقل الروس إلى وضع الدفاع النشيط ليلحقوا بالقوات الأوكرانية خسائر بشرية فادحة، ويصدوا هجماتها الواحدة تلو الأخرى، كما تكبدت القوات الأوكرانية خسائر فادحة فى المعدات وأصبحت تعانى من نقص شديد فى الذخيرة، بعد أن استنفدت مخزونات الذخائر لدى جيوش «الناتو» وأصبح الحديث عن هذه الأمور يجرى علنًا وأدت هذه الخسائر إلى إقالة زيلينسكى لرئيس الأركان الجنرال «ززالوجنى» وسط خلافات حادة بينهما، وعين مكانه الجنرال «سيريسكى».

كما بدأت القوات الأوكرانية تعانى من نقص كبير فى أعداد المجندين بعد خسائرها البشرية الفادحة لدرجة التفكير في تجنيد النساء بينما يوجد ملايين من الشبان الأوكرانيين اللاجئين إلى أوروبا والذين يرفضون العودة خوفا من التجنيد.

ومن ناحية أخرى بدأت الخلافات تدب في دول المعسكر الأطلسى حول جدوى إهدار المساعدات العسكرية والاقتصادية علي أوكرانيا بينما تتوالى التقارير عن سرقتها وعن انتشار الفساد بل وبدأت الأحاديث حول إمكانية تغيير زيلينسكى الذي ظل طويلا فتي الغرب المدلل. ولابد هنا من الإشارة إلى الخلاف حول تقديم المساعدات لأوكرانيا إلى الكونجرس الأمريكى وإلى التعثر الذى يواجهه مشروع تقديم (٦٠ مليار دولار) لكييف واحتمال سقوطه فى مجلس النواب ذى الأغلبية الجمهورية.

أفدييفكا.. انتصار روسى مهم

وعلى الجانب الآخر نجحت روسيا فى تعزيز صناعتها العسكرية بحيث تجاوزت النقص فى الذخيرة كما بدأت فى إنتاج كميات كبيرة من الطائرات المسيرة وغيرها من الأسلحة، وفي صيانة وإعادة تشغيل أعداد كبيرة من الدبابات والأسلحةالأخرى، بينما تواصل ضرب مواقع إنتاج وتخزين السلاح في أوكرانيا.

ومن ناحية أخرى حافظ الاقتصاد الروسى على تماسكه، وحقق نموا قدره ٢٫٥٪ خلال العام الماضي، حسب تقرير لصندوق النقد الدولى.

وقبل أيام تمكنت القوات الروسية من الاستيلاء على مدينة «أفدييفكا» الاستراتيجية بعد «انسحاب غير منظم» للقوات الأوكرانية «فرار» وتستعد لتطوير هجومها فى هذه المنطقة القريبة من دونيتسك، وهو انتصار ذو أثر معنوى كبير وقد أحدث إحباطا كبيرا فى «كييف».

وباختصار فقد ربحت روسيا لعبة «الاستنزاف» وفشل الغرب فى إضعافها اقتصاديا وعسكريا، وهو ما يفتح الباب لتسوية لصالحها بعد فترة تطول أو تقصر.

وبعد سنتين من الحرب أصبح واضحًا أن موقف روسيا هو الأقوى فى مواجهتها الشاملة مع الغرب، وأن خطة ضم أوكرانيا «للناتو» قد اصطدمت بجدار صلب، وهذا فى حد ذاته فشل استراتيجى للغرب.

ويصعب بالطبع التنبؤ بموعد انتهاء الحرب الأوكرانية أو الملامح العامة للتسوية المرتقبة، لكن المؤكد أن بوتين سيذهب إلى الانتخابات القريبة وفي جعبته انتصارات لبلاده ولنفسه، والعالم يخطو خطوة أخرى نحو التخلص من الهيمنة الأمريكية وبناء عالم متعدد الأقطاب.

مصر للطيران
الحرب. أوكرانيا.كشف الأرباح والخسائر
بنك الاسكان
NBE