بين الفساد والمصالح.. كيف كشفت أزمة القمة 130 هشاشة الرياضة المصرية؟

تحولت مباراة القمة بين الأهلي والزمالك، التي كان من المفترض إقامتها أمس الثلاثاء الموافق 11 مارس 2025، إلى أزمة كروية كبرى، أظهرت كيف تُدار الرياضة المصرية وسط شبكة معقدة من المصالح والفساد.
وبدلًا من أن تكون المباراة كرنفالًا رياضيًا يجمع الجماهير حول متعة الكرة، انتهت القصة بانسحاب الأهلي، واحتساب النقاط لصالح الزمالك، لتُكشف بذلك أزمة عميقة تهدد استقرار الكرة المصرية بأكملها.
الآن، وبعد أن هدأت العاصفة، يبقى السؤال الأهم: هل تكون هذه الأزمة نقطة تحول لإصلاح المنظومة؟ أم تكون مجرد محطة أخرى في قطار الفوضى الذي لا يتوقف؟
القمة التي كشفت المستور
الأزمة بدأت بإعلان موعد المباراة فجرا في توقيت غريب، تلاه رفض الأهلي خوض اللقاء بحكام محليين، مُطالبًا بطاقم أجنبي لضمان الحياد.
ومن الناحية الأخرى، أصر الزمالك على خوض المباراة في موعدها، بينما حاول اتحاد الكرة ورابطة الأندية التملص من المسؤولية، لتُترك الأزمة مفتوحة على كل السيناريوهات الكارثية.
والمحصلة كانت انسحاب الأهلي واحتساب النقاط للزمالك، وغضب جماهيري عارم بسبب القرارات العشوائية.
وهذه الأحداث لم تكن مجرد عقبة مؤقتة، بل كانت مؤشرًا خطيرًا على مدى هشاشة المنظومة الرياضية في مصر.
الفساد الإداري.. الجذور التي تخنق الكرة المصرية
أزمة القمة أظهرت كيف أصبح الفساد الإداري عقبة أمام تطور الرياضة المصرية، حيث تداخلت المصالح الشخصية مع غياب التخطيط، ليُكشف وجه منظومة رياضية غارقة في العشوائية والتخبط.
فهناك تضارب في الصلاحيات، حيث يلقي اتحاد الكرة باللوم على الرابطة، والرابطة تتمسك بالجدول، بينما تُترك الأندية في حالة صراع بلا حكم عادل يحسم الخلافات.
بالإضافة إلى ذلك، تُتخذ القرارات بشكل ارتجالي، مع إعلان مواعيد المباريات في أوقات غريبة، وتغيير اللوائح وفق الأهواء دون أي دراسة أو رؤية واضحة.
والأخطر من ذلك هو غياب المحاسبة، فلا أحد يُسأل عن إهدار المال العام أو الفشل في إدارة البطولة، وكأن الجماهير مجرد أداة لملء المدرجات دون أن يُنظر إلى حقهم في دوري منظم وعادل.
وبهذه العقلية، ستظل الكرة المصرية حبيسة الفوضى، عاجزة عن تحقيق أي قفزة نحو المستقبل.
المصالح الشخصية.. عندما تتحول الكرة إلى ساحة نفوذ
كشفت أزمة القمة كيف تحولت الكرة المصرية إلى ساحة صراع مفتوحة، حيث طغت المصالح الضيقة على مصلحة اللعبة، وأصبحت القرارات تُتخذ بناءً على الضغوط بدلًا من اللوائح الثابتة، مما عرقل أي محاولة للإصلاح أو التطوير الحقيقي.
فبدلًا من أن يكون الأهلي والزمالك قاطرة تُحرك الكرة المصرية نحو الأمام، تحولا إلى قطبين متناحرين، يُمارس كل منهما ضغطًا إعلاميًا وجماهيريًا للحصول على امتيازات خاصة، باتت القرارات تُصنع في الاستوديوهات التحليلية ومواقع التواصل بدلًا من غرف الاجتماعات، مما أضعف هيبة المسؤولين الرياضيين.
وتحولت لوائح الدوري إلى نصوص مرنة تتغير بتغير الظروف، فتُطبق أحيانًا بحزم، وتُجمّد في أحيان أخرى لتهدئة طرف قوي.
بالإضافة إلى ضعف القيادة الرياضية، فالمسؤولون يُفضلون التهرب من المواجهة، خوفًا من غضب الشارع الرياضي أو هجوم الإعلام، بدلًا من فرض الانضباط، فغياب القرارات الحاسمة جعل الأندية تُدير المشهد بطريقتها، وترك الدوري رهينة للصراعات بدلًا من أن يكون بطولة تنافسية نزيهة.
هل تكون الأزمة بداية للإصلاح؟
رغم السواد الذي يكسو المشهد، قد تكون أزمة القمة فرصة ذهبية لإطلاق عملية إصلاح حقيقي تُنقذ الكرة المصرية من دوامة الفشل، و لكن ذلك لن يتحقق إلا من خلال خطوات جادة وشجاعة، تشمل:
-
استقلالية القرار الرياضي: فصل السياسة والإعلام عن إدارة البطولات، لضمان أن تكون القرارات رياضية بحتة، تُراعي مصلحة اللعبة فقط.
-
إصلاح ملف التحكيم: تأسيس أكاديمية تحكيم تُخرج جيلًا جديدًا من الحكام المحترفين، مع تطبيق تقنيات حديثة لضمان الشفافية وتقليل الأخطاء المؤثرة.
-
تحديث اللوائح: تثبيت مواعيد المباريات وجدول الدوري بشكل صارم، مع فرض عقوبات رادعة على الانسحاب أو محاولات الضغط لتغيير القرارات.
-
المحاسبة الشفافة: فتح تحقيق علني في أزمة القمة، ومحاسبة كل من تسبب في إهدار المال العام أو تضليل الجماهير، مهما كان موقعه أو منصبه.
و بدون هذه الخطوات، ستظل الكرة المصرية غارقة في دوامة لا تنتهي من الأزمات.