الأموال
الأموال

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : فى اليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى

أسامة أيوب
-

الدولة الفلسطينية وعضويتها الكاملة فى المنظمة الأممية.. حق قانونى تاريخى وفقاً ‏لقرار التقسيم عام ١٩٤٧‏


فى صحوة تأخرت لأكثر من عشر سنوات بفعل أحداث وثورات الربيع التي شهدتها ‏المنطقة العربية.. جاء إحياء جامعة الدول العربية لليوم العالمي للتضامن مع الشعب ‏الفلسطينى قويًا هذا العام يوم الثلاثاء الموافق يوم ٢٩ نوفمبر، وهو اليوم الذى أقرته ‏الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٧٧، وحيث جاء أيضًا بمثابة مناسبة لتذكير ‏المجتمع الدولى بقضية الشعب الفلسطيني حسبما قال أحمد أبوالغيط أمين عام ‏الجامعة‎.‎
اللافت أن قرار الجمعية العامة الذى صدر يوم ٢٩ نوفمبر ١٩٧٧ باعتبار هذا اليوم ‏يومًا عالميًا للتضامن مع الشعب الفلسطينى جاء بعد ٣٠ عاما وفى نفس التاريخ من ‏إصدارها القرار رقم ١٨١ يوم ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧ والقاضى بتقسيم فلسطين ‏التاريخية بين دولتين.. يهودية على ٥٢٪ من الأرض وعربية فلسطينية على ‏‏٤٧.٥٪ مع خضوع القدس وبيت لحم 2/1٪ للوصاية الدولية‎.‎
وبعد مرور ٧٥ عاما على قرار التقسيم وبعد ٤٥ عاماً من إقرار اليوم العالمى ‏للتضامن مع الشعب الفلسطينى.. لا الدولة الفلسطينية أقيمت على المساحة المحدودة ‏فى القرار ولا التضامن العالمي أسفر عن تحرير الشعب الفلسطينى وحصوله على ‏حقوقه المشروعة ولايزال الفلسطينيون يرزحون تحت الاحتلال الصهيونى ‏وإرهاب الدولة الإسرائيلية‎.‎
الأمر الآخر المسكوت عنه أمميًا ودوليًا هو أن التوسع الاستيطانى الإسرائيلي قد ‏التهم أكثر من نصف الأراضى الفلسطينية المحتلة وفقاً لقرار التقسيم، حيث لم يبق ‏للفلسطينيين سوى نحو ٢٠٪ من فلسطين التاريخية، والأخطر هو أن هذه المساحة ‏غير متصلة وباتت مقطعة الأوصال إذ اخترقتها المستوطنات بحيث لم تعد صالحة ‏لإقامة دولة متصلة الأطراف في حالة الموافقة على قيام هذه الدولة المرجوة‎.‎
‎<<<‎
بعد ٧٥ عامًا من قرار تقسيم فلسطين الذى مَنَحَ الشرعية الأممية والدولية لإقامة ‏دولة يهودية لإسرائيل حتى لو كانت شرعية زائفة وتمثل عدوانًا على الفلسطينيين ‏أصحاب الأرض الحقيقيين عبر التاريخ بقدر ما يمثل اغتصابًا لأرض عربية ومنحها ‏لعصابات صهيونية ومهاجرين يهود من أوروبا.. كان من مصلحة أوروبا التخلص ‏منهم وإبعادهم، فإن هناك سؤالاً محيراً تطرحه الأجيال العربية التى لم تعاصر تلك ‏الحقبة الزمنية مثلما يحيرنى شخصياً ولم تجب عليه الأنظمة والحكومات العربية فى ‏ذلك الوقت وهو: لماذا رفض العرب والفلسطينيون قرار التقسيم كأمر واقع مدعوم ‏بشرعية أممية ودعم غير محدود من القوى الدولية الكبرى فى ذلك الوقت‎.‎
لماذا لم يتعامل العرب والفلسطينيون بواقعية سياسية وإقامة الدولة الفلسطينية لحين ‏يمكنهم تحرير بقية الأراضى وطرد إسرائيل.. هذا إن أمكنهم ذلك في المستقبل بدلا ‏من توزيع ما بقى من فلسطين التاريخية على الأردن ومصر، ثم دخول حرب عام ‏‏١٩٤٨ غير متكافئة بفعل التواطؤ والدعم البريطانى والأمريكى لليهود والتي انتهت ‏بهزيمة سبعة جيوش عربية.. وبقيت الضفة تحت الإدارة الأردنية وقطاع غزة تحت ‏الإدارة المصرية، وليتها بقيت‎!‎
‎<<<‎
لقد كان الرفض العربى والفلسطيني لقرار التقسيم وإقامة الدولة الفلسطينية على ‏نصف فلسطين التاريخية حسبما حدده القرار.. خطأ تكتيكيًا يعكس غيبة رؤية ‏استراتيجية عربية للأوضاع الدولية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ثمَّ فإنه ‏كان أول حلقة فى مسلسل الفرص الضائعة المتوالية التي اتسمت بها القضية ‏الفلسطينية منذ ذلك التاريخ، حيث جرى عام ١٩٦٧ احتلال الضفة الغربية ولم تعد ‏عربية تحت إدارة الأردن وقطاع غزة ولم يعد عربيا تحت إدارة مصر، إضافة إلى ‏احتلال الجولان السورية‎.‎
وأمام هذا الأمر الواقع العربي المأزوم فإنه من المؤسف أن التحرك العربى القومى لم ‏يكن فاعلا على الإطلاق، بل بالأحرى كان متخاذلا بفعل تشرذم الأنظمة والحكومات ‏والخلافات البينية في غيبة تامة لرؤية استراتيجية للأمن العربى القومى الجماعى ‏لحساب رؤية محدودة وقصيرة المدى للمصالح القطرية الضعيفة لكل دولة‎.‎
ومع غيبة التحرك العربى الفاعل.. غابت الرواية العربية فى الإعلام الدولي عن ‏حقوق الشعب الفلسطينى وجرائم الاحتلال الصهيونى، بينما تبدّت الرواية الإسرائيلية ‏المدعومة بآلة الإعلام الصهيونى المُهيمن على الرأى العام الغربي الأمريكى ‏والأوروبى والذى لم يعد يسمع سوى الصوت الإسرائيلى فقط ودعاوى الإرهاب ‏الفلسطينى والعربى الذى يتعرض له الإسرائيليون ويهدّد أمن دولة إسرائيل وسط ‏غابة من الأعداء العرب!! بينما غابت القضية الفلسطينية وعدالتها ومشروعيتها تماما‎!!‎
لكن دواعى الموضوعية والإنصاف وبغير انحياز تقتضى الإشارة إلى التحرك ‏المصرى المستديم والتاريخى والداعم الأول للشعب الفلسطينى بحكم الدور القومى ‏المحورى بداية من حرب ١٩٤٨ ثم حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ والتى استهدفت ‏تحريك القضية العربية برمتها وليس تحرير سيناء فقط، وحيث كان تحركا فاعلا ‏واستراتيجيا بعد النصر الذى تحقق فى حرب أكتوبر وذلك بالانخراط فى عملية ‏السلام فى مسار رفضه العرب والفلسطينيون وسط زخم أجواء عالمية كان من ‏الممكن أن تسفِّر عن حل للقضية الفلسطينية، وكان ذلك الرفض بمثابة حلقة أخرى ‏من حلقات مسلسل الفرص الضائعة والتي حاول الفلسطينيون بعد ذلك استعادتها ‏ولكن الوقت المناسب والأجواء المواتية كان قد فات أوانها‎..‎
‎<<<<‎
وفى هذا السياق تجدر الإشارة أيضًا إلى أن مصر كانت قد تقدمت بطلب إلى مجلس ‏وزراء خارجية الجامعة العريبة في أكتوبر ١٩٧٧ لمنح فلسطين العضوية الكاملة ‏في الجامعة بدلا من عضويتها بصفة مراقب، وهو الطلب الذى تمت الموافقة عليه ‏بالإجماع وصارت فلسطين منذ ذلك الوقت عضوا كامل العضوية في الجامعة ‏العربية‎.‎
‎<<<‎
من المفارقات أن يأتى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطينى هذا العام متواكبًا ‏مع تصعيد الاحتلال الصهيونى لجرائمه الإرهابية ضد الشعب الفلسطينى في الضفة ‏الغربية بداية من الفصل العنصرى والتوسع الاستيطانى بوتيرة متسارعة وهدم ‏البيوت واجتياح القرى والمدن وقتل الشباب والأطفال وحيث لا يمر يوم إلا ويسقط ‏فيه شهداء برصاص قوات الاحتلال بضوء أخضر من الحكومة الصهيونية، ومن ‏المفارقات التي تُنذر بخطر أكبر أن يأتى اليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى ‏متواكبًا أيضا مع وصول تكتل اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو المتحالف مع الكتل ‏الأكثر يمينية والأكثر صهيونية وتطرفًا وفى مقدمتها تكتل بن غفير الذى يرفع شعار ‏الموت للعرب ويدعو إلى طرد الفلسطينيين خارج الضفة الغربية وهو الأمر الذى ‏يُنذر بأخطار جسيمة، حيث قال أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة إن ‏الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى وصل إلى درجة الغليان بحسب وصفه، وهو ‏الوصف الذى يعكس مغالطة كبيرة، إذ إن وصف الصراع يعنى أنه يجرى بين ‏طرفين متكافئين بينما كان يتعين عليه أن يندد بالجرائم والممارسات الإرهابية ‏وجرائم القتل التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى ضد الفلسطينيين يوميًا، ومن ثمَّ كان ‏يتعين عليه أن يؤكد حق الشعب الفلسطيني فى المقاومة المشروعة التي تقرها ‏المواثيق الدولية ضد الاحتلال‎.‎
ولذا فإن أحمد أبوالغيط أمين عام الجامعة العربية كان أكثر وضوحًا حين طالب ‏المجتمع الدولي بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى الأعزل في مواجهة جرائم ‏الاحتلال، وإن كنت أحسب أنه كان يتعين عليه فى نفس الوقت أن يطالب الولايات ‏المتحدة الداعم الأكبر لإسرائيل بتوفير تلك الحماية باعتبار أن المجتمع الدولي كلمة ‏مطاطة لا تعبِّر عن حقيقة أن ذلك المجتمع الدولي لا يملك شيئًا في مواجهة النفوذ ‏الأمريكى ومعه الأوروبى‎.‎
‎<<<‎
إن تحريك القضية الفلسطينية دوليا يبدأ في واقع الأمر بتحرك مكثف داخل الجمعية ‏العامة للأمم المتحدة تقوم به الدول العربية وجامعة الدول العربية لتنفيذ قرارات ‏الشرعية الدولية المتمثلة في عشرات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس ‏الأمن لصالح القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى المشروع في تقرير مصيره ‏والحصول على الاستقلال وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ ‏وعاصمتها القدس الشرقية‎.‎
‎<<<‎
الأهم فى هذا التحرك العربي المأمول والضرورى هو الانتباه والتنبيه إلى حقيقة ‏مسكوت عنها ومنسية طوال العقود الماضية وهي أن الدولة الفلسطينية علي المساحة ‏التى حددها قرار التقسيم عام ١٩٤٧ تُعد قائمة بالفعل بحسب نص القرار ذاته، ومن ‏ثمَّ فإن على الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بهذه الدولة وكذلك منح فلسطين ‏العضوية الكاملة في المنظمة الدولية وفورًا ومن الآن وهو الاعتراف الذي يعنى ‏اعتراف كل دول العالم بدولة فلسطين دون انتظار لقيامها فعليًا وإزالة الاحتلال ‏الإسرائيلى‎.‎
ثم إن على الإعلام العربى أن يكون له حضور واضح ومكثف لدى الرأى العام فى ‏أمريكا وأوروبا لتوضيح عدالة القضية الفلسطينية وتصحيح المغالطات الصهيونية ‏بوصف المقاومة المشروعة غير المتكافئة ضد الاحتلال والتى تقرها المواثيق ‏والقوانين الدولية حتى تقر حق الشعوب في تقرير مصيرها بأنها إرهاب، بينما الإرهاب ‏الحقيقي هو ما تمارسه قوات الاحتلال والذى يصل إلى جرائم حرب تستوجب معاقبة ‏إسرائيل‎.‎
‎<<<‎
إن التضامن العالمى مع الشعب الفلسطينى لا يكون بالعبارات الدبلوماسية ‏البروتوكولية حسبما قال أمين عام الأمم المتحدة، كما أن التضامن العربى مع ‏فلسطين لا يكون بالكلام المرسل والتعبيرات العاطفية التى باتت محفوظة ومكررة ‏عبر أكثر من سبعة عقود، لأن التضامن العربي الحقيقي يتعين أن يكون بتحرك ‏فاعل وبالأفعال لا الأقوال فقط، حتى لا يتحول إلى بكاء على الأطلال أو على اللبن ‏المسكوب، بينما تبقى القضية الفلسطينية محلك سر، بل في تراجع وإلى أجل غير ‏مسمى‎.‎
‎<<<‎
أما الشعب الفلسطينى المقاوم الصامد والذى له كل الإجلال والاحترام وذلك هو كل ‏ما تملكه الأقلام والشعوب حسبما تبدى جليًا في مونديال قطر حاليًا، والذى عليه ‏الضغط على فصائله لإنهاء الانقسام وتفعيل اتفاق الجزائر حتى تتوحد المقاومة ‏والفصائل فى مسار الحصول علي الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية في أقرب وقت ‏ممكن‎.‎