الأموال
الأموال

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : إذعان أمريكا للضغوط الإسرائيلية يعرقل الاتفاق النووي مع إيران

أسامة أيوب
-

بعد جولات المفاوضات المطولة والمتعددة بين إيران والولايات المتحدة وأوروبا ‏بشأن الملف النووى الإيرانى، فقد بدا واضحًا ومؤكدًا أن التوصل إلى اتفاق أو ‏بالأحرى إحياء الاتفاق السابق الذى انسحب منه الرئيس الأمريكى السابق ترامب ‏بات مستبعدًا تمامًا فى وقت قريب حسبما أكد المستشار الألمانى شولتس خلال ‏المؤتمر الصحفى المشترك مع يائير لابيد رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبوع ‏الماضى فى ختام الزيارة التى قام بها لابيد إلى برلين فى سياق الحملة التحريضية ‏لعرقلة الاتفاق‎.‎

اللافت طوال جولات تلك المفاوضات أنه كلما تم الإعلان من الجانبين. الإيرانى ‏والغربى عن قرب التوصل إلي اتفاق نهائى وأن بعض الخلافات الصغيرة فى ‏طريقها للحل، فإن المفاوضات تعود مرة أخرى إلى النقطة صفر ليتم الإعلان عن ‏اتساع هوة الخلافات بين الطرفين وحيث يتهم كل طرف الطرف الآخر بالمسئولية ‏عن فشل المفاوضات، ثم سرعان ما يبدأ الحديث مرة أخرى عن انفراجة تشير إلى ‏قرب التوقع على الاتفاق.. وهكذا ظلت المفاوضات تدور في حلقة مفرغة‎.‎

‎<<<‎

وبينما تتحدث طهران عن التعنت الأمريكى الأوروبى فى المفاوضات واللجوء إلى ‏إعادة بحث بنود سبق الاتفاق عليها للتهرب من توقيع الاتفاق النهائى، فإن الجانب ‏الأمريكى الأوروبى يتحدث عن عدم التزام طهران بالشروط المطلوبة بخصوص ‏برنامجها النووى خاصة فيما يتعلق بمعدلات تخصيب اليورانيوم وارتفاعها بأكثر ‏مما ورد فى الاتفاق السابق الذى ألغاه ترامب عام ٢٠١٥‏‎.‎

وفى نفس الوقت فإن طهران من جانبها تتمسك باشتراط الحصول على ضمانات ‏واضحة بعدم انسحاب أمريكا مستقبلا من الاتفاق بعد التوقيع عليه حسبما سبق وفعل ‏ترامب، غير أن الجانب الأمريكى يتهرب من إعطاء مثل هذه الضمانات من ‏الانسحاب مستقبلا من الاتفاق تحسبا لعدم التزام إيرانى لاحقا بنوده ومن ثمَّ تسريع ‏برنامجها النووى بما يتيح لها امتلاك سلاح نووى خاصة وأنها رفعت معدلات ‏التخصيب بعد انسحاب ترامب من الاتفاق السابق‎.‎

فى المقابل وبخصوص زيادة معدلات التخصيب عما ورد في الاتفاق السابق فإن ‏إيران تستند إلى أنها ظلت ملتزمة إلى أن انسحب ترامب من الاتفاق ومن ثم فقد أصبح ‏لاغياً من جانب أمريكا وهو الأمر الذى يتيح لها العرف رفع معدلات التخصيب وإن ‏ظلت ملتزمة بأن يظل للأغراض السلمية‎.‎

‎<<<‎

وبدخول الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الخط ــ أو إدخالها ــ فى مفاوضات الملف ‏النووى، فإنه يمكن القول بأنها ستكون الطرف الذى يتم استخدامه لعرقلة التوصل ‏إلى اتفاق، حيث تتهم الوكالة طهران بتعطيل الكاميرات التي تراقب أنشطتها النووية ‏رغم تأكيد إيران لاستعدادها الكامل للتعاون مع الوكالة، وتأكيدها أيضا بأنها سوف ‏تلتزم بألا يتجاوز برنامجها النووى الأغراض السلمية حسب ما ينص عليه الاتفاق ‏الجديد، لكن يبقى الشك فى تعنت الوكالة ضد إيران إذ ليس سرًا أنها خاضعة للنفوذ ‏الأمريكى، ولعلنا فى المنطقة العربية مازلنا نذكر جيدا اتهام الوكالة للعراق بامتلاك ‏أسلحة دمار شامل وهو الاتهام الذى كان مبرر أمريكا وحلفائها لغزو العراق عام ‏‏٢٠٠٣ وتدميره، وهو الاتهام الذى ثبت عدم صحته وكذبه لاحقا، ولكن بعد أن ‏حققت أمريكا هدفها بالقضاء على قوة العراق وإخراجه من المعادلة العربية نهائيا ‏وحتى الآن‎.‎

‎<<<‎

وإذا كانت مفاوضات إحياء الاتفاق النووى من إيران والغرب قد تعثرت وفشلت ‏حتى الآن وقد ينتهى الأمر إلى فشل نهائى، فإنه ليس سرًا ووفقا لمتابعة مشهد ‏المفاوضات أن السبب الأول والفاعل الأكبر وراء هذا الفشل هو إسرائيل.. قولاً ‏واحداً‎.‎

إذ إن الحملة الدبلوماسية التحريضية المكثفة التى قامت بها إسرائيل لإفشال التوصل ‏إلى الاتفاق والتى بدأت بزيارة رئيس الاستخبارات "الموساد" إلى واشنطن والتى ‏زعم خلالها تقديم معلومات استخباراتية موثقة إلى الإدارة الأمريكية تؤكد قدرة إيران ‏على امتلاك السلاح النووي.. هذه المعلومات المزعومة وتلك الحملة كانت ضمن ما ‏تعلّلت به واشنطن لعرقلة الاتفاق، أو هكذا أرادت أن تتعلّل خدمة للكيان الذى لم يعد ‏خافيًا أنه يحكم الولايات المتحدة ويستخدمها لخدمة مخططاته فى المنطقة. ‏

وهو أمر ــ لو أدركه الشعب الأمريكى غير المعنى بالشئون الخارجية ــ لاعتبره ‏عارًا يلطخ وجه القوة الأكبر فى العالم، حيث كانت ومازالت السياسة الخارجية ‏الأمريكية فى الشرق الأوسط فى عهد كل الإدارات المعاقبة تُصنع فى تل أبيب‎!‎

لقد نجحت إسرائيل من خلال حملتها الدبلوماسية التحريضة ضد إيران والتى كان ‏آخرها الأسبوع الماضى زيارة يائير لابيد رئيس وزرائها إلى برلين فى إفشال ‏التوصل إلى اتفاق بدعوى الحظر النووى الإيرانى ليس على منطقة الشرق الأوسط ‏فحسب ولكن على العالم فى تحذير يعكس ابتزازاً وتخويفاً للغرب، وهو التحذير الذى ‏تعلل به المستشار الألمانى لاستبعاد التوصل إلى اتفاق فى الوقت القريب، بينما لسان ‏حاله يقول استبعاده نهائيًا‎!‎

المثير في التحريض الإسرائيلى لمنع الغرب ـ توقيع اتفاق مع إيران هو أنه أياً كان ‏البرنامج النووى الحالى لا ينطوى على أخطار فإن هذه الأخطار سوف تتحقق فى ‏المستقبل إذ سوف تزيد إيران من معدلات التخصيب بما يتيح لها امتلاك السلاح ‏النووى، بينما يعيدها الاتفاق إلى المجتمع الدولى ويتيح لها امتلاك المليارات بعد رفع ‏العقوبات عنها وفى ذلك تهديد لأمن إسرائيل فى المنطقة‎!‎

‎<<<‎

وفى سياق حملة التحريض الإسرائيلية لجأت تل أبيب إلى تسريب أخبار عن قرار ‏أمريكى بتعليق الجهود الدبلوماسية بشأن إحياء الاتفاق فى الوقت الراهن، وهو ‏التسريب الذى تواكب مع تصريحات أمريكية بأن التشدد الإيرانى هو الذى يعيق ‏التوصل إلى إيران‎.‎

هذا الانسياق الأمريكى وراء التحريض الإسرائيلى ضد إيران والتردد فى الإقدام ‏على توقيع الاتفاق يتناقض تماما مع إعلان الرئيس جو بايدن خلال حملته الانتخابية ‏من توجهه لإحياء الاتفاق النووى مع إيران الذى انسحب منه سلفه الرئيس ترامب ‏الانسحاب الذى وصفه بايدن بالقرار الخطأ‎.‎

‎<<<‎

اللافت أيضاً هو موقف الدول الأوروبية الثلاث الكبرى.. بريطانيا وفرنسا وألمانيا ‏الأكثر تشددا بانصياعها الكامل للتحريض الإسرائيلى ضد إيران وضد توقيع ‏الاتفاق، وعلى النحو الذى يُمثل ضغطا أوروبيا يضاف ويضاعف من الضغوط ‏الإسرائيلية على واشنطن والرئيس بايدن‎.‎

‎<<<‎

يبقي مؤكدا أن المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووى سوف تؤجل إلى ما بعد ‏إجراء انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى في شهر نوفمبر المقبل، ومن ‏ثمَّ يظل التوصل إلى الاتفاق معلقًا ورهنًا بنتائج تلك الانتخابات خاصة فى حالة فوز ‏الحزب الجمهوري بالأغلبية، وحينئذ تأخذ المفاوضات مسارًا جديدًا قد يكون أكثر ‏تعقيدًا‎.‎

‎<<<‎

يبقى أخيرًا أن إذعان أمريكا وأوروبا لتحريض وضغوط إسرائيل يؤكد أنها العقبة ‏الكبرى أمام التوصل إلى إحياء الاتفاق النووى، وهو الأمر الذى يُنذر بتهديد الأمن ‏والاستقرار فى الشرق الأوسط وذلك ما تسعى إليه إسرائيل‎.‎