الأموال
الأموال

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : بعد ٣ أشهر من اغتيال شيرين أبوعاقلة‎

أسامة ايوب
-

أمريكا لاتزال تتواطأ مع إسرائيل حتى تفلت من المساءلة

واشنطن لا تتغاضى عن مقتل أمريكى فى الخارج إلا عندما تكون إسرائيل هى ‏الجانى‎!‎

اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية.. المحاولة الأخيرة لمعاقبة إسرائيل

بعد نحو ثلاثة أشهر مرت على اغتيال الكيان الصهيونى للإعلامية الفلسطينية ‏ومراسلة قناة الجزيرة الفضائية شيرين أبوعاقلة برصاصة أطلقها عليها أحد جنود ‏الاحتلال قاصدًا قتلها عمدًآ، فإن القاتل مازال مجهولاً.. تتهرب إسرائيل من الكشف ‏عنه بل إنها تتهرب من مسئوليتها عن ارتكاب الجريمة فى الأساس، بينما تتواطأ ‏الولايات المتحدة معها للتغطية علي الجريمة حتى تُفلت من المساءلة والعقاب مثلما ‏أفلتت من كل جرائمها ضد الشعب الفلسطينى‎.‎

ولأن الإعلامية شيرين تحمل الجنسية الأمريكية، فإنه كان من المنطقى بالضرورة ‏أن تتحرك واشنطن بكل جدية وقوة وتُبادر بإجراء تحقيق عاجل وشفاف للكشف عن ‏القاتل وعن من أعطى له الأوامر بالقتل ومن ثمَّ محاسبة ومعاقبة الجناة بل أيضًا إدانة ‏إسرائيل بأشد العبارات لارتكابها جريمة قتل صحفية أمريكية كانت تمارس مهام ‏عملها المهنى والذى يتطلب ضمان حمايتها وعدم تعرضها للأذى وفقًا للقوانين ‏والأعراف الدولية‎.‎

غير أن الولايات المتحدة وعلى خلاف سياساتها الثابتة والمستقرة بحماية الأمريكيين ‏فى أى مكان بالعالم ومعاقبة مرتكبى الجرائم ضدهم.. تراجعت تراجعاً ملحوظا ‏ومهنيًا إزاء جريمة قتل شيرين في تواطؤ بالغ الخسة مع الكيان الصهيونى، لأن ‏شيرين فلسطينية الأصل ولأن ـ وهذا هو الأهم ـ لأن إسرائيل هى الجانى وحيث بدت ‏إدارة الرئيس بايدن منبطحة فى خزى وعار أمام الكيان الصهيونى على حساب ‏مصداقيتها المزعومة وعلى حساب المبادئ التى تتشدق بها دائمًا وخاصة حماية ‏حقوق الإنسان فى العالم‎!!‎

‎‫‎‏<‏‎ ‫< ‫<‎

لقد كشفت أمريكا بقدر ما أكدت ما هو مؤكد عنصريتها بل صهيونيتها وهو أمر لا ‏تنكره مع كل الإدارات المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، مع ملاحظة أن ‏الرئيس الحالى چو بايدن وهو ديمقراطى صرح بكل فخر خلال زيارته مؤخرًا ‏لإسرائيل قبيل توجهه إلى السعودية لعقد قمة جدة مع قادة دول الخليج ومصر ‏والعراق والأردن.. بأنه صهيونى رغم أنه مسيحى وأنه ليس من الضرورى أن ‏يكون المرء يهوديًا حتى يكون صهيونيًا‎!‎

‎‫‎‏<‏‎ ‫< ‫<‎

هذا التواطؤ الأمريكى المشين مع الكيان الصهيونى بلغ ذروته وعلى نحو بالغ ‏الفجاجة خلال زيارة عائلة شيرين لواشنطن قبل أسبوع ولقائها مع وزير الخارجية ‏أنتونى بلينكن والذي اكتفى بإبداء التعاطف مع العائلة ومع شيرين، بينما أكدت العائلة ‏عقب اللقاء أنها لم تتلق وعدًا أمريكيًا صريحًا بإجراء تحقيق للكشف عن مرتكبى ‏الجريمة وتقديمهم للعدالة وهو المطلب الذى قدمته العائلة للوزير خلال اللقاء والذي ‏بسببه ذهبت إلى واشنطن، وحيث عادت العائلة من الزيارة بخفى حنين‎.‎

لقاء عائلة شيرين بوزير الخارجية وتهربه من الالتزام أو بوعد إجراء تحقيق ‏أمريكي أكد أيضًا أن واشنطن تواصل التغطية على الجريمة الإسرائيلية وحيث بات ‏واضحا أن إسرائيل بدعم أمريكى سوف تفلت من الإدانة ومن المساءلة والعقاب، ‏خاصة وأن أمريكا لا تعترف بالتحقيق الذى أجرته السلطة الفلسطينية وأعلنت نتيجته ‏على الملأ بل أرسلتها إلى الإدارة الأمريكية مدعمة بالأدلة الجنائية الدامغة التى تثبت ‏ارتكاب إسرائيل لجريمة القتل عن عمد‎.‎

‎‫‎‏<<<‏

فى سياق هذا التوجه الأمريكى للتغطية على ارتكاب إسرائيل للجريمة جاء تصريح ‏المتحدث باسم الخارجية بضرورة ربط التحقيق الفلسطينى بتحقيق إسرائيلى بزعم أن ‏التحقيق المشترك من شأنه الكشف عن المسئولية عن القتل، بحيث يمكن تحديد من ‏الذى أطلق الرصاصة على رأس شيرين ومن ثمَّ تقديمه للعدالة ومحاسبته‎!‎

هذا المطلب الأمريكى الذى يتطابق مع المطلب الصهيونى لإجراء تحقيق مشترك ‏إنما يعنى بكل وضوح أن تضيع معالم الجريمة خاصة أن إسرائيل تزعم أن ‏الرصاصة التى قتلت شيرين انطلقت من بندقية فلسطينية أثناء اشتباكات مع الجنود ‏الإسرائيليين، وهو ادعاء تكذّبه مشاهد الفيديو التى سجلت الجريمة على الهواء والتى ‏وثقت انطلاق الرصاصة من سلاح إسرائيلي بهدف قتل شيرين عمدًا‎.‎

لذا فإن المطلب الأمريكى بإجراء تحقيق مشترك.. فلسطينى ـ إسرائيلى والذى أعاد ‏متحدث الخارجية طرحه يُمثِّل مجددًا محاولة أمريكية كى تتهرب إسرائيل من ‏الجريمة والتوصل إلى حقيقة ارتكابها خاصة أنها ليست لها أى صلاحية قانونية ‏للتحقيق بوصفها المتهم بالقتل وحيث من المؤكد أن أى تحقيق شفاف بمعزل عن ‏تدخلها سوف يثبت إدانتها‎.‎

‎‫‎‏<‏‎ ‫< ‫<‎

لقد جاء رد الخارجية الفلسطينية على لسان مستشار الوزير على الموقف الأمريكى ‏فاضحًا للتواطؤ الأمريكى، حيث أوضح أن الفلسطينيين ومنذ اللحظة الأولى لإعدام ‏شيرين لا يثقون فى أى تحقيق إسرائيلى متهمًا أمريكا بأنها تتلاعب بالكلمات فى ‏محاولة لتوفير أبواب لهروب الجناة وإفلات إسرائيل من المحاسبة والعقاب‎.‎

‎‫‎‏<‏‎ ‫< ‫<‎

ولأنه من المعلوم أن التحقيق المهنى الفلسطينى أكد أن إسرائيل هى من قتلت شيرين، ‏ولأن الجانب الفلسطينى طلب من واشنطن إرسال فريق للإشراف على التحقيق ‏وإجراء تحقيق أمريكى محايد شريطة ألا يتدخل الجناة الإسرائيليون فى التحقيق، فقد ‏كان حرياً بواشنطن الاستجابة للمطلب الفلسطينى لو كانت جادة في كشف الحقيقة ‏خاصة أن القتيلة ليست فلسطينية فقط لكنها أمريكية أيضًا، وهو الإجراء المعتاد ‏عندما يتعرض مواطن أمريكى فى الخارج للاعتداء عليه، مع ملاحظة أن بايدن ‏تعهد قبل أيام وبعد إعلانه عن قتل أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة فى أفغانستان ‏والمتهم بهجمات الحادى عشر من سبتمبر.. بحماية أى أمريكى في أي مكان فى ‏العالم، لكن لأن شيرين من أصل فلسطينى، ولأن إسرائيل هى الجانى والقاتل فإنه ‏يغض الطرف عن إدانتها‎!‎

‎‫‎‏<‏‎ ‫<<‎

هذه هي الحقيقة التى شهدت بها وأكدتها رشيدة طُليب عضو مجلس النواب الأمريكى ‏عن الحزب الديمقراطى «حزب الرئيس بايدن» فى تعليقها على موقف أمريكا إزاء ‏جريمة قتل شيرين أبوعاقلة بقولها إن بلادها تتغاضى عن عقاب من قتل أمريكيا إذا ‏كان القاتل إسرائيل، وهو الأمر الذى يدعو للخزى والعار بحسب وصف النائبة ‏الأمريكية ذاتها‎.‎

‎‫‎‏>>>‏

بعد كل ما سبق فإنه لم يعد أمام عائلة شيرين وأمام السلطة الفلسطينية أيضًا سوى ‏اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية بطلب توقيف المسئول عن جريمة القتل وليس ‏مجرد إجراء تحقيق فقط، فهل يمكن للمحكمة الدولية أن تغفل ذلك، أم أن الضغوط ‏الأمريكية سوف تجهض هذا المسعى القانونى الدولى وهذه المحاولة الأخيرة ‏لمحاسبة ومعاقبة إسرائيل على جريمتها‎.‎

‎‫‎‏<<<‏

يبقى أن ثمة جريمة أخرى فى قضية مقتل شيرين شاهدها العالم كله على الهواء ‏مباشرة أثناء تشييع جنازتها عندما اعتدى جنود الاحتلال الصهاينة على المشيعين ‏وعلى النعش الذى يضم جسمانها وكادوا أن يوقعوه على الأرض فى مشهد غير ‏إنسانى بالمرة كشف وحشية الصهاينة الذين لم يراعوا قدسية الموت، ومن ثمَّ أليست ‏هذه جريمة شديدة البشاعة تستوجب محاسبة إسرائيل ومعاقبتها أيضا حتى مع محاولة ‏تهربها من جريمة القتل‎.‎

‎‫‎‏<<<‏

يبقى أخيرًا أنه إذا كانت جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة قد لقيت ذلك الاهتمام ‏السياسى والإعلامى باعتبار أنها صحفية وإعلامية جرى قتلها وهى تمارس عملها ‏المهنى، فإن هذه الجريمة تضاف إلى جرائم قوات الاحتلال الصهيونى المستمرة منذ ‏عقود ضد الشعب الفلسطينى من قمع وانتهاك للحريات وإعدام ميدانى للشباب كل يوم ‏وهدم للمنازل الفلسطينية لخدمة التوسع الاستيطانى غير الشرعى والمخالف للقوانين ‏والمرجعيات الدولية‎.‎

‎‫‎‏<<<‏

إنه مما يعد مدعاة لإدانة المجتمع الدولى والقوى العظمي فى هذا العالم وخاصة ‏أمريكا أن يظل الشعب الفلسطينى هو الشعب الوحيد الذى يرزح تحت الاحتلال وهو ‏احتلال صهيونى استيطانى توسعى دون بارقة أمل أو أى تحرك دولى إنسانى ‏لحصول الفلسطينيين على حقهم المشروع فى التحرر من هذا الاحتلال وإقامة دولته ‏المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية حسبما ‏تقضى بذلك مرجعيات الشرعية الدولية‎.‎

‎‫‎‏<<<‏

أما قضية اغتيال شيرين وفى ضوء التواطؤ الأمريكى فإنها تبقى دليلا دامغا على ‏استمرار إسرائيل فى جرائمها دون محاسبة بقدر ما تمثل كل الخزى والعار لأمريكا‎.‎